باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
عاطف عبد المجيد
في مقدمته لكتابه ˮ معًا على الطريق..محمد والمسيح“، يقول المفكر الراحل خالد محمد خالد إنه يريد أن يقول للذين يؤمنون بالمسيح وللذين يؤمنون بمحمد إن برهان إيمانهم إن كانوا صادقين أن يهبّوا اليوم جميعًا لحماية الإنسان، وحماية الحياة.كتاب خالد هذا وكما يقول هو ليس تأريخًا للمسيح ولا للرسول، وإنما هو تبيان لموقفيهما من الإنسان ومن الحياة، أو بتعبير أدق موقفهما مع الإنسان ومع الحياة.لقد أخذ الحنين المؤلف إلى الكتابة عن الرسول وعن المسيح، وهو يعرف تمامًا لماذا جاء محمد ولماذا جاء المسيح، وأنه فوق أرض فلسطين شهد التاريخ يومًا إنسانًا شامخ النفس مستقيم الضمير، بلغ الإنسان في تقديره الغاية التي جعلته ينعت نفسه بابن الإنسان.يأتي المسيح وبعده بستمائة عام تأخذ الأرض زينتها لتستقبل إنسانًا آخر، يرى أن أفضل الأعمال وأبقاها هو بذل السلام للعالم والعيش في حالة إخوّة. إضافة إلى هذا يرى خالد أن سقراط كان فيلسوفًا هاديًا يقرع أجراس الحياة العظيمة وسط بشرية غافية كي تلقي سمعها ووعيها إلى الرنين الصادق الذي أهلت مع هذا الرجل عصوره وزمانه، وسوف يظل العالم يُملأ بعذوبة ذلك اللحن السقراطي إلى ما شاء الله.ثم بعد خمسمائة عام من موت العازف العظيم وسفره يفد إلى الحياة هاد جليل ومبدع فذ يمشي الهوينا في دروب فلسطين وسهولها.ثم بعد ستمائة عام أخرى يزور الدنيا هادٍ آخر عظيم، يعبر شعاب مكة ويصعد جبالها متأملًا وضارعًا إلى أن قال له الوحي ˮ قم فأنذر “.
رداء الرسالة
خالد يقول إن إنسان أورشليم المسيح وإنسان مكة محمد يختلفان عن إنسان أثينا سقراط الذي يرتدي رداء الفلسفة، فيما يرتدي محمد والمسيح رداء الرسالة.كما يؤكد خالد على أن سقراط الفيلسوف كان يؤمن بالغيب ويؤمن بالله وباستئناف الحياة بعد الموت.لقد حارب سقراط الآلهة، لكنه لم يحارب الإيمان، والآلهة الذين حاربهم هم الذين كانوا يتربعون فوق جبل أولمب، يتعاركون ويتبادلون كل ما يتبادله صغار الناس من أحقاد ومؤامرات ومكائد.خالد يرى هنا أن العقل والوحي قد التقيا في سقراط، وفيه بشّرت الفلسفة بالدين. خالد يحكي قصة إخناتون الذي جاء قبل سقراط بمئات السنين في مصر القديمة ليعلن أن الإله واحد وراح يقاوم تعدد الآلهة وعبادة الأوثان، ويناجي إلهه الواحد آتون بقوله: أنت جميل وعظيم، متلأليء ومشرق فوق كل أرض، وأشعتك تحيط بالأرضين حتى نهاية جميع مخلوقاتك.لقد كان الفكر المصري القديم يملأ أرضه وبلاده هتافًا يقيم الحق والخير داعيًا للعدل والاستقامة والمساواة والرحمة ومبشرًا بالخلود في الدار الآخرة. في كتابه هذا يريد خالد منا أن نقترب اكثر من محمد ومن المسيح أخيه وأن نبصر الرؤى الصحيحة التي رأيا بها مستقبل الإنسان ومستقبل الحياة، فهما نظيران في هذا مثلما هما نظيران في شدة ولائهما للإنسان وللحياة.لم يجيء المسيح ومثله الرسول ليوقدا شموعهما في أورشليم وفي مكة وحدهما، بل جاءا ليوقدا شموعهما للعالم كله.خالد يقول إن أول ما يبهرنا في عناية محمد والمسيح بالإنسان هو ذلك الترديد لاسمه والحفاوة الصادقة به، المسيح يصف نفسه بأنه ابن الإنسان ويكررها كثيرًا، ويتحدث القرآن الكريم المُنزَّل على محمد عن الإنسان فيعطيه صفته الحقة كمحور لنشاط النبي وموضوع لرسالته: ˮ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم“. ثم إن محمدًا والمسيح لم يهتما بشيء مثل اهتمامهما بأن يحررا البسطاء من غفلتهم وسذاجتهم ويحررا الذكاء الإنساني مما يوبقه من رواسب الرؤى المغلوطة والأساطير الموروثة.لقد كانت الحياة عند محمد تعني الازدهار والاستمرار، وكان كثيرًا ما يشبّهها بالحقل ويشبّه نفسه بالزارع المثابر، أما الحياة لدى المسيح فهي الحياة بخيرها وشرها، بحلوها ومرها، بخطئها وتجربتها.خالد يرى أن الحياة هي الموضوع الذي جاء المسيح ليجلوه للناس ويشرحه ويلقي فيه درسه البليغ، هي الأم التي جاء المسيح كما جاء محمد ليناديا إليها أبناءها الشاردين عنها وليحيوا في انفس الناس شعائر البر بها والولاء لها، وإذا كانت الحياة لا يظفر بها ولا يحياها إلا الذين لهم وجود حقيقي فقد جعل الرسولان العظيمان نصب أعينهما اكتشاف هذا الوجود الحقيقي للإنسان. ويرى خالد أن وجودنا الحقيقي يبدأ من حيث توجد وتمارس العلاقات الصحيحة مع كل ما حولنا، ولقد كان اكتشاف هذه العلاقات أكثر ما عاش له وعمل في سبيله محمد والمسيح، لقد كشفا للإنسان أزكى علاقاته بالله وبنفسه وبالعائلة البشرية كلها، وبالكون وأسراره الحافلة، أما علاقتنا بالله فقد ارتفعا بها فوق كل رغبة ورهبة وجعلاها حبًّا خالصًا، فقد قال السيد المسيح إن الله محبة، وقال سيدنا محمد إن أفضل الأعمال هو الحب في الله.
الحب والإخاء
خالد يقول إن الحب الذي نسميه جاذبية ليس مجرد فضيلة ولا مجرد عاطفة، إنما هو قانون يحفظ لأصحابه الوجود والبقاء، وسكان هذا الكوكب في حاجة أكيدة لإدراك هذه الحقيقة إدراكًا سديدًا.لقد جاء الرسولان الكريمان ليناديا الخليقة إليه، إلى الحب والإخاء، وأروع ما في دعوتهما للحب من شواهد هو إسقاطهما ذنوب المتحابين في الله، وجعلهما الحب رحمة واسعة تذوب في دفئها الخطايا والآثام.إن الحب هو الزاد الذي يرد عن البشرية سغبها المضني هو الرِّيّ الذي يدفع عنها ظمأها القاتل، وهي لا تستطيع أن تحيا ما لم تحب، لأن الحب هو الآصرة العظيمة التي تجمعها بالحياة وتمنحها الجناحين اللذيْن تحلِّق بهما وتطير. وينهي خالد محمد خالد كتابه هذا قائلًا إن الإخاء لم يكن مجرد كلمة يرددها محمد والمسيح، بل كان عقيدة وسلوكًا، لقد دَعَوَا إلى الرحمة، وكانا رحيميْن، ودَعَوَا إلى السلام، وقد كان مسالميْن، وكانت أقوالهما في السلام مشرقة إشراق الصباح المبلل بقطر الندى: طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.