باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أرشيفية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه....
أما بعد..
مرض كورونا وباء، والوباء كما قال العلماء: مرض عام يفضي إلى الموت غالبا، فهو سرعة الموت وكثرته في الناس، وقد جاءت النصوص في تسمية الطاعون وباءً، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم)، ومرادهم الطاعون، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم أو على بني إسرائيل فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه وإذا كان بأرض فلا تدخلوها) وهو لفظ مسلم، وفي رواية لأحمد على شرطهما عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الوباء رجز أهلك الله به الأمم قبلكم وقد بقي منه في الأرض شيء يجيء أحيانا ويذهب أحيانا فإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها فرارا وإذا سمعتم به في أرض فلا تأتوها).
إلا إن الوباء أعم من الطاعون، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)، وفي رواية في المسند: (المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون)، وقد وقع الوباء بهما، فثبت أن الوباء أعم.
والطاعون مرض بكتيري كما يذكر الأطباء، ولذلك يعالج الآن بالمضادات الحيوية، وقد ثبت في المسند وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فناء أمتي بالطعن والطاعون فقيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهداء)، أو (شهادة)، وفي رواية الطبراني [وحسنه الألباني]: (الطاعون شهادة لأمتي، وخز أعدائكم من الجن، غدة كغدة الإبل، تخرج بالآباط والمراق، من مات فيه مات شهيدا؛ ومن أقام فيه؛ كان كالمرابط في سبيل الله، ومن فر منه كان كالفار من الزحف)؛ ولا تعارض بين كونه وخز الجن، وبين كون مسببه البكتيريا، لأن وخز الجن لا يمتنع أن يكون بها، فهذه أمور غيبية، وعلى اختيار الشيخ محمد رشيد رضا، يكون الجن المراد في هذا الحديث خاصة هي الميكروبات الخفية، لأن مادة الجيم والنون تفيد معنى الستر والخفاء، فالميكروبات "مسلطة على الإنسان وهو مسلط عليها بالعلم الصحيح، وإن كان لمَّا يقدر على كثير منها بعد تمكنها في الجسم" [مجلة المنار 5/51]، فعلى هذا يكون كل وباء بسبب وخز الميكروبات هو من الطواعين، لكن تقدم أن الوباء أعم لأنه يقع بالمدينة، والطاعون لا يقع بها.
وكونه (وخز الأعداء من الجن) قد يحمل على العموم فإن مؤمني الجن أعداء لكفار الإنس، وكافري الجن أعداء لمؤمني الإنس.
والطاعون عموماً يوجب الحجر الصحي، لئلا يُفر من قدر الله،
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء
الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم. قال
ابن عباس فقال عمر ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء
قد وقع بالشأم فاختلفوا فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه؛ وقال بعضهم
معك بقية الناس وأصحاب رسول الله ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع
لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال
ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم،
فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء؛
فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح
أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله
إلى قدر الله؛ أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى
جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال
فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال إن عندي في هذا علما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض
وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه"، قال فحمد الله عمر ثم انصرف).
فهذا الحجر هو الوارد في الطاعون، لكن هل يعم هذا الحجر كل وباء؟، الظاهر نعم يعمه؛ وقد قال الشيخ ابن عثيمين: (وقيل إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها؛ وهذا أقرب؛ فإن هذا إن لم يكن داخلا في اللفظ فهو داخل في المعنى؛ فكل وباء عام ينتشر بسرعة فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها لأنكم تخرجون منها فرارا من قدر الله لو فررتم فإنكم مدركون لا محالة ولهذا قال لا تخرجون منها فرارا منه، أما خروج الإنسان منها لا فرارا منه ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته وأراد أن يرجع إلى بلده فلا بأس) اهـ، وهذا هو ما قرره ابن حجر في كتابه الذي صنفه لما فقد ثلاثة من بناته في الطاعون، وأسماه "بذل الماعون في فضل الطاعون" [ص273]؛ فقد ذكر أن النهي عن الخروج على ما إذا تمحض للفرار، أما إذا كان لحاجة أخرى فلا يدخل تحت النهي، وحمل عليه كتاب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بالرحيل إليه.
وأما كون الطاعون من انتقام الله إذا انتهكت حرماته؛ فهو لا ينافي كونه شهادة لمن لم يقترف هذه المعاصي كما قرره ابن حجر في بذل الماعون [ص214]، فهو رحمة للمؤمنين وعذاب على الكافرين.
وعلى المؤمنين التوجه إلى الله لسؤال العافية، والصبر على القضاء والرضا به، وحسن الظن بالله. فهو خير له، ففي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، وبالله التوفيق.
كتبه
أ.د. خالد بن فوزي
حمزة