باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أرشيفية
نازلة كورونا.. العدوى
بقلم أ.د خالد فوزي حمزة
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى سابقًا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد..
فقد ظهر (فيروس كورونا)، وبدأ الحديث عنه، وتلاه العديد من التداعيات، من انتشار الوباء في الصين ثم خروجه عن الحدود الصينية، ثم انتشاره في أكثر دول العالم، وإعلان منظمة الصحة أنه وباء عالمي، ثم ما ابتلينا به من تعليق العمرة، وقفل بكة (محل الطواف)، وقفل الحرمين ليلاً، ثم تعليق الدراسة وأعمال الحكومات في العديد من البلدان، ثم الأذان في المساجد (صلوا في رحالكم)، وانتهاء بحظر التجول في العديد من البلدان، ولا ندري ماذا يكون بشأن الحج؟ ولايزال الفيروس منتشراً، لا يتخير فقيراً دون غني، ولا مرؤوساً دون رئيس، بل الابتلاء صار عاماً.
ومنذ البدايات، والناس في حيرة، فالأطباء في حيرة من هذا الفيروس الخطير، والمعلومات عنه ليست كاملة، وتطوره محتمل، وطريقة انتشاره باللمس، مع احتمالات أخرى، ومن ثم كانت نازلة عامة، وبدا الفتاوى العلمية تظهر من كثير من أهل العلم، على تباين فيها بالنسبة لموضوع العدوى وحدودها، ولا أريد أن أضيف ترجيحا لهؤلاء أو هؤلاء، لكن مما لا شك فيه أن هذا الوباء شديد الانتشار، وعدواه شديدة، وهذه العدوى بإذن الله تعالى، فالمرض لا ينتشر بنفسه، وإنما ينظر المؤمن إلى قدرة الله تعالى في ابتلاء من شاء ومعافاة من شاء، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال (لا توردوا الممرض على المصح). وعنه قال: إن رسول الله قال: (لا عدوى، فقام أعرابي فقال أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب؟ قال النبي فمن أعدى الأول؟)، فالأعرابي أراد إثبات العدوى، فبين له النبي أنه لو كان المرض ينتقل بنفسه للإبل من جمل مريض، فمن أعدى هذا المريض؟ فالله ابتدأ المرض فيه وقدره فكذلك في الآخرين، فالعدوى المنفية هي ما كانت تعتقده الجاهلية، لا العدوى التي تحصل بالأسباب بقدر الله تعالى.
وللشيخ محمد رشيد رضا رأي دقيق في هذا الحديث، كما في مجلة المنار
(18/593)؛ قال: "ولا يخفى أن المرض عرض لا يمكن أن يقوم بذاته، وعليه،
فيستحيل أن ينتقل، المرض من شخص إلى آخر، وهذا مما يُفهم من قوله : (لا عدوى): أي لا ينتقل المرض، وهذا حق،
أما انتقال جراثيمه، فهو أمر كانت تجهله العرب، فلم يكن حديثهم، ولا، حديث الرسل
فيه، وأيضًا قد ينتقل الميكروب، ولا يحدث المرض كما سبق في باب الوقاية، فليس
انتقال الميكروب شرطًا لحدوث المرض، ومن الميكروبات ما يكون منتشرًا في الهواء أو
الطين أو غيرهما، وهي التي أصابت الأول المذكور في الحديث، والميكروبات التي تصل
إلى الإنسان لا تحدث فيه المرض إلا إذا كان مستعدًّا له، والاستعداد يكون بأسباب
وأحوال أرادها الله تعالى، وجعل السبب فيها على قدر المسبب، وذلك ما يسمى بالقدر
في الأحاديث، فالأساس الأصيل في حدوث الأمراض هو القدر، ولولاه لما فعلت
الميكروبات بالجسم شيئًا مطلقًا، وحكمة ذكر هذه الأحاديث بعد نصه على وجوب الابتعاد عن المرضى، وتعليله ذلك
بأنه أذى، أي ضرر، هي أن الإنسان يجب عليه أن لا يتغالى في أمر العدوى بمجرد
اقترابه من المريض؛ فإن ذلك يحدث في الجسم وهمًا، ووسوسة، قد يؤديان إلى ضعف حقيقي
في الجسم أو العقل، ويؤدي بالناس إلى الامتناع عن تمريض المريض، أو معالجته لمجرد
الوهم، وفي ذلك ما فيه من الضرر. ولذلك تجد الأطباء لا يبالون بالوسوسة في أمر
العدوى،... والخلاصة أن الخوف من العدوى يجب أن يكون في دائرة العقل، فلا يجوز أن
يفرط الإنسان فيها، ولا يجوز أن يفرط من الرعب منها؛ فإن ما قدر الله للإنسان من
حيث قوة بنيته أو ضعفها ومقاومتها للأمراض، لا بد أن يكون، وإذا فرض أن امرأً كان
مستعدًّا لمرض لأتاه المرض من حيث لا يحتسب؛ فلذا كان الواجب الاعتدال في العدوى
كما هو واجب في كل شيء) انتهى كلامه رحمه الله.
وعليه فهذا الفيروس هو من البلاء، والتحرز منه مطلوب شرعاً وعقلاً، وقد قال النبي : (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد) رواه البخاري وغيره، كما ورد في مسلم أنه (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي إنا قد بايعناك فارجع)، بل يطلب من المجذوم الابتعاد عن المساجد وعلله الحافظ في الفتح بالرائحة، فعلق عليه الألباني في الثمر المستطاب [1/663]، وقال: (إلا أنه قد يقال: إنه يجوز منع المجذوم لا لعلة الرائحة بل لأن داءه يعدي فيضر المصلي وهو مأمور بالابتعاد عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: (فر من المجذوم فرارك من الأسد). ولما كان تطبيق هذا الأمر يستلزم ابتعاد المصلين جميعا أو بعضهم عن المسجد وتعطيل صلاة الجماعة أو تقليلها ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة، ولذلك يقتضي أن يمنع المجذوم من هذه الوجهة ويلحق به كل من به داء معد. والله أعلم).
كما علق الألباني على الحديثين (لا يورد ممرض على مصح)، (فمن أعدى الأول) بقوله: "وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة، والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى، الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة، عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهؤلاء يقال: " فمن أعدى الأول؟" فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر بها، ويقال له كما في حديث الترجمة "لا يورد الممرض على المصح" أخذا بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: "وفر من المجذوم فرارك من الأسد". هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار" اهـ من السلسلة الصحيحة (3/45 - ح971).
وعليه
فالمؤمن يتحرز من العدوى، ويعلم أنه لن يغني حذر من قدر، فيزداد في التوكل على
الله تعالى، فالأمر كله لله، وبالله التوفيق.