رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

السعيد عبد الكريم يكتب: تشكيل الخطاب الشعري في المغرب العربي

  • أحمد عبد الله
  • الثلاثاء 14 أبريل 2020, 11:29 صباحا
  • 2058
الشاعر السعيد عبد الكريم

الشاعر السعيد عبد الكريم

تحررت المغرب العربي  مع خروج  آخر جندي إنجليزي من مصر عام 1956 وعلى الرغم من هذا يقول الدكتور / محمد بنيس إن عام 1976 هو عام بداية الشعر المعاصر في المغرب، ولأنه أول طالب أتيحت له دراسة الشعر المغربي دراسة أكاديمية  اعتمد عليه الكثير من النقاد غير المغاربة والمغاربة  في التأصيل لهذه الحركة الشعرية التي أرى أنها بدأت مواكبة لكل الحركات الشعرية في عالمنا العربي، مع نازك وعبد الصبور والبياتي وغيرهم وسوف نستنتج ذلك من كلام محمد بنيس في كتابه «ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب» 1988 والذي كان أطروحة الماجستير التي قدمها  يقول في كتابة: إن التأسيس الحقيقي لظاهرة الشعر المغربي التي طرحت مع أواسط الستينيات كانت للشعراء الرواد وهم: أحمد المجاطي ـ محمد السرغيني ـ محمد خمار الكنوني ـ محمد الميموني ـ والجوماري ـ عبد الكريم الطبال ورشيد المومني ».

والسؤال هنا: كيف يجمع محمد بنيس  بين السرغيني مثلا 1930 والجوماري 1939 والمومني 1942 وهل هذا جمع بين جيلين معا أم أن الدكتور محمد بنيس أصل لذلك بتاريخ الإصدارات الشعرية لا  بتاريخ النشر للقصائد، حيث صدر للميموني ديوانه الأول (أشعار في الحب والموت) 1979 وكذلك عبد الكريم الطبال صدر ديوانه الأول 1971 المعنون بالطريق إلى الإنسان، وكذلك دكتور محمد علال السرغيني صدر ديوانه الأول متأخرا جدا 1987 المعنون (يكون إحراق أسمائه الآتية ) وربما جمعه محمد بنيس كجيل واحد لهذا السبب.  تأخر النشر دون الرجوع لنشر القصائد في الإعلام  وربما لم تكن هناك حركة نقدية تواكب هذا التطور، فظل دون مقابل يحييه حتى ظهر من النقاد الشعراء  مثل محمد بنيس  ويرى محمد بنيس أن جيل الستينيات في المغرب هو الذي أخرج الشعر المغربي من عنته وجموده وسطوة التقاليد، وذلك بعد قراءتهم للشعراء في الغرب والشرق، ومن الشعراء الذين أثروا في الفكر المغربي من إخوانهم المشارقة نازك الملائكة وصلاح عبد الصبور والسياب وأدونيس ونزار قباني وهؤلاء شعراء كان كل واحد منهم مدرسة شعرية وحدها، ولنا هنا وقفة  وسؤال.

ما الذي عطل الشعر المغربي عن مواكبة الحركة الحديثة بمثابة جيلين عن مثيلاتها العربية؟

 على الرغم من قول محمد بنيس بأن أول مجموعة شعرية للشاعر محمد بلعباس كانت عام 1929، لكن عله تنوع العرقيات والتشكيل الجغرافي وتنوع الموروث بها أدى إلى ذلك  فالأمازيغ على سبيل المثال على  طول وعرض البلاد لا ينتمون إلى الأمة العربية ولهم نظمهم الحاكمة داخل الدول وما يسمى بالكونجرس حتى (الكونجرس الأعلى الكائن بكندا) الآن  ولهم أرث حضاري يحافظون عليه ويدعون إليه ويرفضون كل طابع عربي وهم كثيرون ببلاد المغرب، وكذلك الأدب اليهودي بفكره وثقافته التلمودية داخل الفكر الأمازيغي نفسه بتوجهاته الفكرية.  وربما ثقافة الامتصاص والانتشار ناهيك عن الولوع بالثقافة الغربية التي هرع إليها من أشربوا بريق الأدب الغربي ففتح الأدب المغربي على االثقافة الغربية المتعددة من إسبانية وفرنسية والمانية وهولندية  فأخر ذلك الانبهار ببريق هذه الثقافات صحوة العرق العربي لدى المغاربة.

والحقيقة أن الإحصاءات تقول إن الشعر المغربي كله (تونس الجزائر المغرب) أصدر قرابة 12874 ديوانا شعريا في المغرب كله  وذلك على مدار هذا الجيل السبعيني ومنه للمغرب فقط 585 ديوانا وقرابة 300 ديوان بلغات مختلفة  وربما فتح مثل هذه النافذة الثقافية ليطل منها الأدب العربي متمثلا في الأدب المغربي الذي لا ينفي قيام دول أخرى كمصر والعراق ولبنان بهذا الدور من خلال أبنائها المغتربين  كان ضروريا وكان من الأسباب التي أخرت نضوج الشعر المغربي العربي قبل حقبة الستينيات.

ولن نقف طويلا في موضوع متى بدأت القصيدة المغربية الحديثة التي برغم تأصيل محمد بنيس في كتابه السابق أنها ظهرت 1976 فإننا نرى بين كلامه وما قاله الشاعرالجوماري عن نفسه (منذ 1960 بدأت رحلتي مع القصيدة المعاصرة وكذلك يقول بنسالم الدمناتي تحولت للتعبير عن الذات بشكل جيد منذ 1960) غير ما أثبت ولقد أشرنا من قبل إلى تأصيله لشعر محمد بلعباس وظهوره عام  1929.

وبدأ الشعر المغربي وثبته الثانية في المغرب عندما عرف الإعلام دوره وأحس الشاعر بجدوى وقيمة ومقابل ما يقول  فتعددت الأصوات الشعرية وبرز شعراء الثمانينيات ومنهم على سبيل المثال لاالحصر (سعد سرحان ـ أحمد بركات ـ عبد العزيز إزغاي ـ وداد بنموسى ـ زهرة المنصوري ـ ثريا مجدولين ـ  وفاء العمراني ـ أمينة المريني ـ عائشة بصري ـ عبد الله رزيقة ـ صلاح الوديع) وعلي الرغم مما يعانيه الأدب المغربي من وجود نماذج دُفِع بها إلى المشهد الثقافي من المرتزقة من النقاد والمتشاعرين،  ومن لديهم غنى في المال وفقر في الأدب لأي غرض، ربما جنون الشهرة أو غير ذلك مما نلحظة في كل البلدان العربية جميعا من محاولات مستميتة لتجريف الوعي إلا أن الأدب العربي والمغربي بخير رغم هذه المحاولات الكثيرة والتي يدفعها التاريخ إلى سلة المهملات حيث موطنها الحقيقي، موطن الذباب.

ومن الشعراء الذين قدموا نماذج يفخر بها الأدب المغربي الحديث بعد أجياله الثلاثة الأول على سبيل المثال لاالحصر (أحمد العطار ـ محمد المانوي ـ محمد الصالح ـ لينا المانوزي ـ البتول العلوي ـ نرجس الحلاق  ـ أحمد الحضراوي ـ فاتحة صلاح الدين ـ خالد بودريف  ـ محمود شهيد ـ آمنة حازمون شاعرة الجزائر الكبيرة) ونورد ( لفاتحة صلاح الدين ) أنموذجا شعريا حيث التمسك بخليلية الشعر وبنائه في إطار حداثي المضمون.

حَرْفِي قَمَرٌ 

ـــــــــــــــ

 

فِي سَمَاءِ الْبَوْحِ حَــرْفِي قَمَرُ

وَ حَنَانٌ آسِرٌ يَنْهَــــمِرُ

طِفْلَةُ النُّورِ قَصِيدٌ هَـارِبٌ لَمْ يَصِدْهُ فِي الـرَّوَابِي بَشَرُ

هِيَ أَحْلَامٌ مِنَ الـرُّوحِ طَفَتْ خَطَّهَا الشِّعْرُ،

فَنَاحَ الْوَتَــرُ كَانْهِمَارِ الرُّوحِ فِي حَـضْرَتِهِ مَطَرٌ،

لَيْتَكَ لِي يَا مَطَــرُ

! كُنْ رِدَائِي فِـي شِتَاءٍ نَازِفٍ أَوْ سِوَاراً فِي يَـدٍ تَنْتَظِــرُ

لاَ تَغِبْ لَيْسَ لِدُنْيَــايَ غَدٌ دُونَ عَيْنَيْكَ فَأَنْـتَ الْقَدَرُ

رُبَّمَا فِي رَسْمِكَ الْـوَهْمُ سَمَا يَا مَجَازاً نَبْضُهُ مُــسْتَعِـرُ

مُرَّ بِي هَاكَ جُــنُونِي أَرَقاً كَنُجُومٍ يَشْــتَهِيهَا السَّهَرُ

لَا تَثِقْ بِي فَغَداً أَنْسَى غَدِي وَصَبَاحِي لَيْــسَ فِيهِ الزَّهَرُ

ثَمِلٌ لَيْلِي , غِنَائِي ســكرٌ وَالصَّدَى فِيهِ مَـتَى يَنْكَسِرُ

سَرْمَدٌ لَا مُنْتَـهىً لَا مُبْتَدىً لَمْ يَكُنْ فِي مُـشْتَهَاكَ الْخَبَرُ

لَمْلَمَ النُّورُ شَـــظَايَاهُ وَمَا أَخْرَسَ الْهَمْـسَ هُنَاكَ الْحَذَرُ

فَاشْتِيَاقِي بِالْمَنَافِي مُــوحِشٌ مَاجَ بَحْراً أَنْتَ فِيــهِ الْجُزُر

فَانْثُرِي يَا مُــفْرَدَاتِي فَرْحَةً كَفَرَاشٍ بِالْمَــــدَى تَنْتَشِرُ

أَيُّهَا الْعَاشِـــقُ رَتِّلْ آيَةً كَيْ يُطِيلَ الـصَّلَوَاتِ النَّظَرُ

أَفَلاَ تَنْظُرُ مَا أَوْحَــى وَمَا عَنْكَ أَخْفَى خَافِقِي الْمُنْصَهِرُ

أَرْجِعِي لِي مُلْهِمِي يَا سُبُلِي فَإِلَى عَيْنَيْــــهِ تَاهَ الْأَثَرُ

خَمْرَةُ الْوَصْلِ لَهَا أَقْدَاحُهَا مِنْ حَنِينٍ وَالسُّكَارَى كُثُرُ

كُلَّمَا جِئْتَ تَرَى الْمَنْفَى هُدىً كَمْ جَمِيلٌ فِي مَــدَاكَ السَّفَرُ !

 

وهذا هو الجيل من الشعراء النابهين هو المتمم لما بدأه أسلافه من الشعراء الذين أصَّلوا للقصيدة المغربية العربية الحديثة بتوجهها العربي وحداثتها المستقاة من كل روافد الفكر الحديث. وعلى الرغم من ظهور كهّان القصيدة في الأدب بشكل عام وأصحاب الهرطقة وكهّان النص الشعري وهذه الفئة التي منحتها العنوسة وكل أشكال الانفصال عن أداء الواجب الحياتي الذي خلق الله الإنسان من أجله توجهوا وجهة عكسية لعدم قدرتهم على عمران الكون وعملوا علي إفساد الذائقة العربية بكل مايشابههم من فساد وقد ظهر الكثير من هؤلاء وأتاح لهم تعدد الصالونات وبعض الأموال وبعض الجهلة من مدعي النقد وبعض النماذج التي تريد صناعة وجود وهمي سريع ما، سيزول ويفنى بفنائهم لأن التاريخ ينتقي دائما ما ينفع الناس وعلى الرغم من أن الرياح كثيرا ما تأتي بما لا يشتهي الشعر مثل هذه النماذج التي تدفع للنقاد بالدولار ليكتبوا عنهم، ويشترون الأوسمة من أموالهم كي تهدى إليهم ويسافرون إلي الأقطار على نفقتهم ويفرضون أنفسهم علي بعض أنصاف المثقفين ليقيموا لهم أمسيات شعرية ليقولوا أنا كنا في بلاد كذا واستقبلتنا المؤسسة الثقافية ـ وهم كاذبون ـ وعلى الرغم من هذا جميعه دعوني أسرد لكم أنموذجين حقيقيين من الجنوب المغربي ويبدو أن الشعر في بلادنا المغرب يستمد عنفوانه العربي، وهديره من الجنوب دائما أولا الشاعر المغربي المتميز  (خالد بودريف) وكانت معرفتي به في مسابقة كتارا في الدوحة، وكان هادئا رقيقا متزنا حليما أحبه الجميع لحسن خلقة ومن نماذجه الشعرية نصه الذي شارك به، وفاز على مستوى المغرب ثم نال المركز الخامس به يقول المميز خالد بودريف المولود بمدينة جرادة عام 1977وله خمس مجموعات شعرية منشورة، وشارك في أكثر من برنامج إذاعي ونال عدة جوائز ومراكز دولية كالبردة في  دورتها السادسة والجائزة الكبرى لجائزة الشرق المغربية 2003 ويقول خالد بودريف في قصيدته السراج المنير

توضأ الدمع من انهاره لهفا .... حتي كاني به لم يعرف الوكفا

مابتل وجهي بسر الماء معجزة ....لأنني لم أكن في الماء مغترفا

وإنما كنت نهرا فيه ممتزجا .... وكنت أمسح دمعا فيه مانشفا

واليل يم على العينين ملحهما .... ثلج تذوبه الأشواق مذ زرفا

ماجاء طيف يضيء الأرض لي جهة .. إلا وكانت جهات الشوق لي غرف

إلى آخر نصه البديع الممتع الذي تجاوز الخمسين بيتا من هذا الطراز الشعري البديع الذي تميز بوضع الحداثة في القالب الشعري الخليلي دون عنت أو عناء

وشاعرنا الصغير سنا والكبير حجما محمود شهيد من مواليد 1993بمدينة ( آسا جنوب المغرب ) ألم أقل لكم إن الشعر يصر على أن يكون جنوبيا. حفظ محمود شهيد القرآن كاملا مع المتون ولامية الأفعال ثم سافر إلى موريتانيا 2011 فنهل فيها من العلوم ماشاء الله له أن ينهل من العلوم اللغوية والشرعية والأدبية وعاد إلى المغرب 2013 مندرجا في سلك التعليم  وكتب الشعر في سن مبكرة

 

وللحديث بقية

تعليقات