الإعلان عن وظائف للأئمة في الأوقاف يناير المقبل
- الخميس 21 نوفمبر 2024
أرشيفية
بعد نشر الموضوع السابق عن الطرق الصوفية ومساهمتها في نشر الإلحاد وهي مساهمة أثبتها التاريخ وأيد الواقع وجودها، جاءنا من يقول أننا ننكر التصوف جملةً ونقدح في ملايين من أهل مصر اختاروا التصوف طريقاً لهم إلى الله، والحق أن التصوف لا تكمن المشكلة فيه بحد ذاته وإنما في الطرق الصوفية الموجودة حالياً والأحرى أن نسمي أصحابها بـ "الطرقية" وليس بالصوفية.
ورغم كل المعاني الروحانية والحكم الخالدة التي بثها رجال التصوف الأوائل لكن واقعه اليوم لا يخبرنا بحكمة ولا إيمان وإنما بسلوكٍ سيء أقرب ما يكون إلى الوثنية؛ فالدين الحنيف يعلمنا أن نسأل الله وحده وألا نستعين بغيره، أما صوفية اليوم فيقولون بتصريف الأولياء، وأي أولياء؟ إنهم ساكني القبور الذين ماتوا منذ قرون! وهم يهيمون في الطبل والزمر وهز الأرداف وأئمتهم مطبقون على تحريم كل هذا كما جاء عن المرسي أبي العباس.
وحتى لا يبدو أننا نتقول على أهل الطرق نورد ما ذكره أبو الحسن الشاذلي وهو عند القوم مرجعية كبرى لا يمكن إغفالها وكلامه حجة عليهم كما نقله إلينا الدكتور عامر النجار في كتابه "الطرق الصوفية في مصر" صـ 138 الطبعة السادسة، دار المعارف، قال الشاذلي: "ما ثمَّ كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة، فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبدٌ مغترٌ كذاب، أو ذو خطأٍ في العلم بالصواب، كمن أُكرِمَ بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب، كل كرامة لا يصحبها الرضا من الله وعن الله، والمحبة لله ومن الله؛ فصاحبها مستَدرج مغرور أو ناقصٌ هالكٌ مثبور"
وللكرامة فائدة ذكرها الشاذلي في لطائف المنن وهي: أنها تثَبِّتُ من ظهرت له؛ فربما وجدها أهل البدايات في الطريق إلى الله وفقدها أهل النهايات؛ إذ ما هم عليه من الرسوخ في اليقين لا يحتاجون معه إلى تثبيت، وهكذا كان السلف رضي الله عنهم لم يحوجهم الحق سبحانه إلى ظهور الكرامات الحسية.
ومع ما أوردناه على لسان أبي الحسن لكنه ليس ممكناً أن نتغافل عما قاله في أحد أدعيته وهو دعاء منقول من أستاذه عبد السلام بن مشيش وفيه: " اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة" فكيف بالله يكون للتوحيد أوحال؟! وكعادتهم يتأول أهل الطرق هذه الكلمات المثيرة للتساؤل ويكون في النفس منها أشياء ويقولون مثلاً أن التوحيد معناه في ذلك السياق "اتحاد العبد بخالقه" وهو تدليس لا ينطلي على المبتدئين ونوعٌ من التمويه المفضوح ومهما يكن فقد أفتى العلماء بأنه على المسلم أن يدعو بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بما لا يتنافى مع الشرع الشريف وأن يتجنب الغريب وال مشكل وما يخرج عن إطار الشرع.
والحاصل أن أكابر القوم لا يعولون على الكرامات فالكرامة عندهم هي الاستقامة، ومع ذلك وجدنا كثيرٌ من الدجالين يغتالون عقول الناس وجيوبهم بالكرامات المزعومة والتي هي من السحر السفلي الأسود، وهذا ما أكده لنا عبد السلام محمد بدوي في كتابه "من أنباء الرسل" عند الحديث عن السحر في إطار الكلام عن قصة النبي سليمان عليه السلام، وقد ذكر عبد السلام في البداية أن عامة المعتزلة يعتقدون أن السحر ليس إلا تمويهٌ بالتخييل والإيحاء، وباللغة المعاصرة نستطيع القول أن السحر عند المعتزلة هو نوعٌ من الخداع البصري يستوي في ذلك مع ظاهرة السراب ورؤية سير الأشجار والأعمدة وهي تسير أثناء ركوب القطار، غير أن جمهور علماء السنة يؤكدون وجود السحر وأن التخييل من جملته ولا يشمل السحر كله، وأن وراء التخييلات أموراً ورد بها السمع وأثبتها القرآن إذ يقول جل شأنه في سورة البقرة " واتبعوا ما تتلو السيطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" (آية 102) سورة البقرة، وقد زعم اليهود فيما أورده محمد بن إسحاق أن بعض أحبار اليهود لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا سليمان في الأنبياء قالوا: يزعم محمد أن ابن داود كان نبيا، والله ما كان إلا ساحرا.. وحتى الآن لا يعترف اليهود بنبوة سليمان وتلك هي المفارقة بل يقولون "سليمان الحكيم" والآية الكريمة آنفة الذكر توضح أن السحر يمكن تعلمه، فهل ما يمكن تعلمه لا تكون له حقيقة؟