رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

بين السحر والكرامة.. مشاهد صوفية أسهمت في نشر الإلحاد (2)

  • حاتم السروي
  • الأحد 23 يونيو 2019, 8:58 مساءً
  • 1395
أرشيفية

أرشيفية

بعد نشر الموضوع السابق عن الطرق الصوفية ومساهمتها في نشر الإلحاد وهي مساهمة أثبتها التاريخ وأيد الواقع وجودها، جاءنا من يقول أننا ننكر التصوف جملةً ونقدح في ملايين من أهل مصر اختاروا التصوف طريقاً لهم إلى الله، والحق أن التصوف لا تكمن المشكلة فيه بحد ذاته وإنما في الطرق الصوفية الموجودة حالياً والأحرى أن نسمي أصحابها بـ "الطرقية" وليس بالصوفية.


ورغم كل المعاني الروحانية والحكم الخالدة التي بثها رجال التصوف الأوائل لكن واقعه اليوم لا يخبرنا بحكمة ولا إيمان وإنما بسلوكٍ سيء أقرب ما يكون إلى الوثنية؛ فالدين الحنيف يعلمنا أن نسأل الله وحده وألا نستعين بغيره، أما صوفية اليوم فيقولون بتصريف الأولياء، وأي أولياء؟ إنهم ساكني القبور الذين ماتوا منذ قرون! وهم يهيمون في الطبل والزمر وهز الأرداف وأئمتهم مطبقون على تحريم كل هذا كما جاء عن المرسي أبي العباس.


وحتى لا يبدو أننا نتقول على أهل الطرق نورد ما ذكره أبو الحسن الشاذلي وهو عند القوم مرجعية كبرى لا يمكن إغفالها وكلامه حجة عليهم كما نقله إلينا الدكتور عامر النجار في كتابه "الطرق الصوفية في مصر" صـ 138 الطبعة السادسة، دار المعارف، قال الشاذلي: "ما ثمَّ كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة، فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبدٌ مغترٌ كذاب، أو ذو خطأٍ في العلم بالصواب، كمن أُكرِمَ بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب، كل كرامة لا يصحبها الرضا من الله وعن الله، والمحبة لله ومن الله؛ فصاحبها مستَدرج مغرور أو ناقصٌ هالكٌ مثبور"


وللكرامة فائدة ذكرها الشاذلي في لطائف المنن وهي: أنها تثَبِّتُ من ظهرت له؛ فربما وجدها أهل البدايات في الطريق إلى الله وفقدها أهل النهايات؛ إذ ما هم عليه من الرسوخ في اليقين لا يحتاجون معه إلى تثبيت، وهكذا كان السلف رضي الله عنهم لم يحوجهم الحق سبحانه إلى ظهور الكرامات الحسية.


ومع ما أوردناه على لسان أبي الحسن لكنه ليس ممكناً أن نتغافل عما قاله في أحد أدعيته وهو دعاء منقول من أستاذه عبد السلام بن مشيش وفيه: " اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة" فكيف بالله يكون للتوحيد أوحال؟! وكعادتهم يتأول أهل الطرق هذه الكلمات المثيرة للتساؤل ويكون في النفس منها أشياء ويقولون مثلاً أن التوحيد معناه في ذلك السياق "اتحاد العبد بخالقه" وهو تدليس لا ينطلي على المبتدئين ونوعٌ من التمويه المفضوح ومهما يكن فقد أفتى العلماء بأنه على المسلم أن يدعو بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بما لا يتنافى مع الشرع الشريف وأن يتجنب الغريب وال مشكل وما يخرج عن إطار الشرع.


والحاصل أن أكابر القوم لا يعولون على الكرامات فالكرامة عندهم هي الاستقامة، ومع ذلك وجدنا كثيرٌ من الدجالين يغتالون عقول الناس وجيوبهم بالكرامات المزعومة والتي هي من السحر السفلي الأسود، وهذا ما أكده لنا عبد السلام محمد بدوي في كتابه "من أنباء الرسل" عند الحديث عن السحر في إطار الكلام عن قصة النبي سليمان عليه السلام، وقد ذكر عبد السلام في البداية أن عامة المعتزلة يعتقدون أن السحر ليس إلا تمويهٌ بالتخييل والإيحاء، وباللغة المعاصرة نستطيع القول أن السحر عند المعتزلة هو نوعٌ من الخداع البصري يستوي في ذلك مع ظاهرة السراب ورؤية سير الأشجار والأعمدة وهي تسير أثناء ركوب القطار، غير أن جمهور علماء السنة يؤكدون وجود السحر وأن التخييل من جملته ولا يشمل السحر كله، وأن وراء التخييلات أموراً ورد بها السمع وأثبتها القرآن إذ يقول جل شأنه في سورة البقرة " واتبعوا ما تتلو السيطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" (آية 102) سورة البقرة، وقد زعم اليهود فيما أورده محمد بن إسحاق أن بعض أحبار اليهود لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا سليمان في الأنبياء قالوا: يزعم محمد أن ابن داود كان نبيا، والله ما كان إلا ساحرا.. وحتى الآن لا يعترف اليهود بنبوة سليمان وتلك هي المفارقة بل يقولون "سليمان الحكيم" والآية الكريمة آنفة الذكر توضح أن السحر يمكن تعلمه، فهل ما يمكن تعلمه لا تكون له حقيقة؟

ويذكر لنا عبد السلام محمد بدوي أن رجلاً في محافظة الشرقية كان يجري الخوارق ويخبر بالمغيبات وينسبه من يعرفوه إلى الصلاح والولاية وكان يعطب كل من اعترض عليه ويؤذيه وكان الرجل في حقيقة الأمر ساحراً سفلياً ينسب ذاته إلى أهل التصوف ويدخل في خلوته بجوار بيته وهي نجسة وتحت كل رجل من رجليه مصحف والظلام يعم المكان ويستحضر الجن بعزائم وطلسمات ليست من الكلام العربي بل لعلها من اللسان العبري والسرياني،  ثم يقول آمنت بكم وكفرت بالله، وقد مات هذا الرجل وتم غسله وتكفينه ولما خرجت جنازته طار نعشه في الهواء وعلا أكتاف حامليه وتخطى الجمع الحاشد واستقر في بركةٍ قذرة، وكان من بين المشيعين ثري من أثرياء القرية يشغل منصباً كبيراً في القصر الملكي في ذلك العهد فلما رأى هذه الواقعة أمر ببناء ضريح للمتوفى في مكان المستنقع الذي تلطخت فيه جثته وتجفيف البركة وأوقف خمسة أفدنة على الضريح، وتقرر تعليم الطفل الصغير ابن المتوفى على نفقة وزارة الأوقاف بالأزهر الشريف وأظهر الغلام تفوقاً وذكاءً واجتهادا وبعد تخرجه تم تعيينه مدرساً في المعاهد الأزهرية وكان يتأمل فيما يسمعه عن كرامات والده وإيذاءه لمعارضيه وقد تعلم في الأزهر أن الولي لا يؤذي معارضيه وكيف يطير نعش أبيه وهذا ما لم يحدث للخلفاء الراشدين والصحابة وتابعيهم فهل يكون الرجل أكرم على الله منهم؟ فما كان من الشيخ الأزهري إلا أن سأل والدته كيف كان أبوه يعبد الله وأين؟ فأخبرته أنه كان يدخل خلوته بجوار المنزل وهي مقفلة منذ عشرين عاما، فلما جن الليل أخذ الابن مفتاح الخلوة واصطحب معه مصباحاً كهربائياً صغيراً وبعد جهد فتح باب الخلوة فوجدها غرفة ضيقة لا تزيد على متر ونصف في مترين وفي وسطها يقبع سندان صغير تكسوه الأتربة ولما أزال التراب عن السندان بيديه وجد فوقه نقوشاً وإلى جواره مطرقة صغيرة فضرب بها السندان وإذا به يسمع صوتاً يتردد في جنبات المكان ويصدر عن أكثر من واحد "لبيك" وهزته رعدة المفاجأة ثم نزلت على قلبه سكينة الإيمان فقال: من أنتم؟ قالوا نحن أنسباء الله وأحباؤه، فقال: وما شأنكم؟ قالوا: نحن خدام تلك الأسماء المنقوشة وسنقوم لك بما تريد.. فقال: هكذا دون أية شروط؟ قالوا: لنا شرط واحد لو أديته لك علينا حق السمع والطاعة، قال: وما هو؟ قالوا: أن تنجس مكاناً وتجلس فيه على هذا السندان وتجعل تحت كل من رجليك مصحفاً وتبول في إناء به لبن ثم تقول: آمنت بكم وكفرت بالله.
فقال في ألمٍ وحزن: هل معنى ذلك أن كنتم تخدمون أبي؟، قالوا: نعم..قال: ونفذ لكم هذا الشرط؟، قالوا: نفذه، على أنه كان يتعبنا بكثرة العمل فانتقمنا منه وطرنا بنعشه ولوثنا جسده في المستنقع.

وبيقين المؤمن صرفهم العالم الشاب ودمر السندان والمطرقة وبعث إلى الباشا صاحب الوقف يخبره بكل شيء في خطاب نشرته مجلة "الاثنين" قال فيه إن أبي الذي أوقفت عليه معاليك خمسة أفدنة ليس من أولياء الله بل قد مات كافراً فنرجو استرداد الوقف وهدم الضريح وأما الذي تم انفاقه على تعليمي من هذا الوقف فأنا على استعداد لرده مقسطاً خصماً من راتبي؛ فتأثر الباشا وأرسل إليه رداً يفيد بتنازله عن الأفدنة الخمسة له نظير شجاعته الأدبية وإظهاره الحق وإن كان مراً.

فهؤلاء هم أولياء الشيطان الذين أشاعوا الخرافة بين الناس وسمحوا للملحدين أن يهاجموا الدين ويشنعوا على أتباعه ويرونه مصدر الخرافة ومنبع الأوهام، وتلك هي الكرامات الزائفة التي ربطت الناس بتصوف مزعوم ليس له حظ من تعاليم الإسلام.

تعليقات