رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

عاطف محمد عبد المجيد يكتب : الحداثة هي الغلاف الترويجي للرأسمالية

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 12 أبريل 2020, 4:18 مساءً
  • 1227
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد

الرأسمالية هي إحدى المكونات المركزية في الكيان الغربي الحديث، بل يمكن اعتبارها تمثل المركز في بنية هذا الكيان، وقد تزامن ظهورها مع ظهور الدولة بشكلها الحديث، وقد تحركت، وما زالت، في فلكها منتجات الغرب الثقافية، أو بالاصطلاح الماركسي مثلت البنية التحتية للمنتج الفكري الغربي.                   هذا ما يقوله د. محمد كامل عجلان في كتابه " أيديولوجية العولمة..دراسة في آليات السيطرة الرأسمالية " والصادر ضمن سلسلة دراسات إنسانية عن الهيئة العامة للكتاب.                                                                           

    عجلان يرى أن الرأسمالية كانت منذ نشأتها في حاجة ماسة لأيديولوجية تمثل الغطاء ومبرر القبول، فكانت الليبرالية غطاءها الأيديولوجي، حيث لم يكن بمقدورها أن تسعى لتحقيق مكاسبها بمعزل عن مبررات تمنحها القبول لدى قوى المجتمع المختلفة.أما الحداثة، حسب قول الكاتب، فكانت هي الأساس الفكري الذي ارتكنت عليه الرأسمالية في مواجهتها لميراث الماضي ومراكز السيطرة عليه، الإقطاعية والدينية، وفي الوقت نفسه كانت الغلاف الترويجي الذي تتحرك في سياق الرأسمالية.

ما بعد الحداثة

بعد ذلك كان البديل الأيديولوجي الذي وجدت فيه الرأسمالية ضالتها لمواجهة المتغيرات الداخلية والخارجية وهو ما أطلق عليه ما بعد الحداثة الذي يرتكز على نفي الحداثة معلنًا نهاية الإنسان وفشل العقلانية وانتهاءها، وعدم الإيمان بالتقدم وما يترتب عليه من رؤية خطية للتاريخ، حيث تؤكد ما بعد الحداثة على القطيعة في مسار التاريخ.أيديولوجية العولمة كتاب يراه مؤلفه يحاول القبض على تفاصيل الأيديولوجية العولمية من خلال تتبع مسارها الفكري منذ نشوئها الرأسمالي وصولاً إلى تبلورها العولمي وتحديد الأسس الفلسفية والسياسية والاقتصادية التي تأسست عليها أيديولوجية العولمة.هنا يحاول الكاتب كسر حائط الحياد المصطنع الذي تروج له العولمة على مدار العقود الماضية، محاولةً تضليل الجميع عن حقيقة أهدافها.غير أن عجلان لا يرفض العولمة خاصة وأنها لها جوانبها الإيجابية التي يمكن استخدامها في كسر حائط التخلف الذي نعانيه، كذلك استهدف إلقاء الضوء على الأبعاد الخفية لها كي نتعامل مع الظاهرة مفتوحي العقل والعين، ونحقق أفضل المكاسب من ورائها مع تجنب سلسلة الاستغلال التي يعانيها العالم من الرأسمالية على مدار قرون.عجلان كذلك يرى أن المتأمل لواقع الفكر الإنساني في مرحلتيه الحديثة والمعاصرة يجد العديد من المفارقات الأيديولوجية الظاهرة أو المستترة، يكشف عنها تخبط الخطاب المعرفي الغربي، ومحاولة تزييفه أو على الأقل تحريفه لصالح الذات الغربية.

علاقة ترابط 

ومتحدثًا عن مفهوم الأيديولوجيا يقول عجلان إن الغموض الذي يكتنفه يرجع بالأساس إلى سعة مدلوله وتنوع استعمالاته، متسقًا في ذلك مع غيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية، وإن كان يفوق تلك المفاهيم التباسًا وغموضًا نظرًا إلى الأبعاد التطبيقية للأيديولوجيا التي ساهمت بدرجة كبيرة في زيادة التباس المفهوم وغموضه.في السياق ذاته يورد الكاتب رؤية مانهايم من أن العلاقة بين الأفكار والأوضاع الاجتماعية ليست علاقة ميكانيكية، بل هي علاقة ترابط أكثر منها علاقة حتمية، وطالما أن الأفكار السياسية تعبر بشكل أو بآخر عن مصالح كيانات محددة، فإن النتيجة المترتبة على ذلك ستكون نسبية الحقيقة الاجتماعية.أما هربرت ماركوز فيؤكد أن المجتمع الصناعي لم يقتصر على تزييف حاجات الإنسان المادية، بل تجاوز ذلك إلى تزييف حاجاته الفكرية، على اعتبار أن الفكر هو العدو اللدود لمجتمع السيطرة، لأنه يمثل قوة العقل النقدية التي تسعى دومًا نحو ما يجب أن يكون لا ما هو كائن بالفعل.هنا يكتب عجلان عن إشكاليات تعريف العولمة وعن العولمة الثقافية وعن نشأة العولمة والمراحل التي مرت بها ظاهرة العولمة في تطورها.ثم يخلص إلى القول بأن العولمة وإن كانت جديدة من حيث الاصطلاح الذي شاع مع بداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أن إرهاصاتها بدأت منذ عصر الكشوف الجغرافية التي وصلت إلى مجاهل الكرة الأرضية بالتزامن مع عصر النهضة، مرورًا بالثورة الصناعية التي أحدثت نقلة بلا سابقة في تاريخ التطور البشري، وكذلك النظام الرأسمالي الجانح نحو التعولم بحكم طبيعته .  

دولة الرفاهية

هنا نعرف أيضًا أن الرأسمالية قامت على أساس الحرية الفردية، بمعنى أنه يجب ترك الأفراد أحرارًا لتحقيق مصالحهم الشخصية، وأن يكون تدخل الدولة في أضيق الحدود، سواء في ميدان الإنتاج أو التوزيع، وهي تؤمن بالفردية، على أساس أن الفرد بسعيه وراء مصلحته وسعيه من أجل تحقيق سعادته، إنما يساهم بذلك في تحقيق مصلحة الجماعة.كذلك نقرأ أنه ابتداءً من منتصف القرن العشرين اتضح أن الرأسمالية لم تعد تعتمد على وحدات ذرية، وإنما أصبحت تقوم على وحدات كبيرة، وتعتمد في اقتصادياتها على السيطرة على الأسواق العالمية الخارجية.من ناحية أخرى يذكر الكاتب أن كثير من المفكرين يجمعون على أن أسباب التحول من دولة الرفاهية إلى الليبرالية المتوحشة، تتمثل في أزمات عديدة تعرضت لها دولة الرفاهية في الغرب وبرامج الديمقراطية الاشتراكية.غير أن أسوأ أدوار الدولة في مرحلة الرأسمالية، يذكر الكاتب، هو دعمها علاقات الاستغلال لصالح الطبقة الرأسمالية، إذ في ظل مبدأ حرية التعاقد غضت الدولة الطرف عن حقوق العمال عند أصحاب العمل.أيضًا مما يراه الكاتب أن الرأسمالية بكافة أشكالها، الكلاسيكية أو التدخلية أو العولمية، كانت توظف شبكة معرفية لتمرير مصالحها بشكل يجعلها وكأنها حتم مرحلي حسب الظرف التاريخي الذي تمر به، وهذا ما تم مع الرأسمالية في آخر إصداراتها العولمية، ما كانت لتسير دون غطاء فكري يدعم توجهاتها ويحقق مصالحها.إضافة إلى كل هذا يكتب عجلان عن الأيديولوجيا في الإطار الماركسي وخارجه، وعن مفهوم الرأسمالية وسياقها التاريخي، وعن مفهوم ما بعد الحداثة وعلاقتها بالعولمة وأسسها وسياقها التاريخي، وعن أطروحة هنتنجتون وحقيقة الصراع التاريخي وأبعادها التاريخية، وعن نهاية التاريخ وصدام الحضارات، كما يكتب عن الإعلام كجهاز أيديولوجي وصناعة المواطن ما بعد الحداثي.  


تعليقات