ننفرد بنشر ترجمة د. حسام عقل لمقال الأكاديمي الأمريكي كريج كونسيدن عن النبي الكريم

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 06 أبريل 2020, 01:41 صباحا
  • 3023

مقدمة المترجم:
 

هو  -في خاتمة الأمر- و برغم أية صفة أكاديمية أو موقع أكاديمي يشغله ، مواطن أمريكي من أصل إيرلندي ، يقيم في ولاية " ماساتشوستس " ، امتلأ إعجابا ً بنبي المسلمين محمد "صلى الله عليه و سلم" منذ فترة مبكرة -وبصورة متجردة تفلت من ضغوط الدعاية السوداء التي يباشرها اللوبي و المد اليميني معا ً-  فرأى الأكاديمي النزيه في "نبي المسلمين"  زوجا ً نموذجيا ً و قائدا ً سياسيا ً محنكا ً ، و تربويا ً فذا ً لا يشق له غبار ، و أبا ً يشع بالحنو و المحبة و صديقا ً مسامرا ً دمثا ً يقبل الدعابة عن أصحابه بأريحية ، و رآه  _ فضلا ً عن هذا كله  _ سندا ً صلبا ً في الأزمات الكبيرة ، يغذي أصحابه بطاقة المقاومة و الممانعة أمام جيوش ضخمة تفوقه عدة و عددا ً  ، ويثبت بإرادة حديدية في عين العاصفة دون أن يهتز أو ينهار.


ولا ينسى في ذروة المواجهات المزلزلة  التي فرضت عليه فرضا ً فواجهها مواجهة مستحقة بنبل  ، أن يذكر أصحابه ب " أخلاقيات الحرب "  التي ترفض الاستباحة أو تدمير المدن ، أو اغتيال براءة الأطفال أو أنوثة النساء أو قهرالعجائز و الشيوخ  و إهدار حقوقهم  ، و على يديه تأكدنا أن للأسير حقا ً إنسانيا ً حتى و إن فقد القوة و تجرد عن السلاح ووقع في قبضتنا  المنتصرة ذات الشكيمة.


وفي الوقت الذي تملص كثيرون من إسلامهم بذرائع التمدين و ( العصرنة ) والتناغم مع المرحلة العالمية  أو مسايرتها، وتبرأت  عناصر كثيرة من النخبة  العربية الزائفة المغشوشة غير الفاعلة  ،  من هذا الميراث الحضاري الرفيع الممتد ، كان " الأكاديمي الشهير " كراج كونسيدن "Craig Considine" أستاذ علم الاجتماع بجامعة " رايس " Rice يقدم -يوما ً بعد يوم-، مزيدا ً من الأدلة على حبّه للنبي (صلى الله عليه و سلم) ، و إعجابه بمنهجه الشامل المعتدل، و طرائقه الخاصة في مجابهة التحديات الكبيرة و"إدارة الأزمات".

ولم يكن هذا الإعجاب الظاهر للبروفسور الأميركي الأشهر،  بالحالة العابرة  أو النزوة الطارئة  القائمة على تجربة التذوق الوقتي لطعوم جديدة مختلفة ، أو "الشو" الإعلامي الأناني  للفت الأنظار، بل كانت حالة إعجاب ناضجة راسخة تعبر عن ذاتها، بصورة متنامية مطردة، عبر عدة مقالات وأعمدة صحفية، نشرت بكبريات الصحف والدوريات الأمريكية ، كما تعبر عن ذاتها من خلال عشرات الحصص الإعلامية في الفضائيات الغربية الكبيرة ، و المحاضرات الملقاة في قاعات الجامعات العريقة الشهيرة. 

كنا بإزاء حالة إعجاب وتقييم متشح بالحيدة والتجرد التامين، لها دوافعها ونوازعها وأسبابها الموضوعية، بعيدًا عن أية عاطفة أو نزعات وجدانية  معرقلة!  فلقد رأى  "كونسيدن" في النبي العربي  أكبر حالة تاريخية في الزمن القديم لمناهضة " العنصرية ، فكان _ كما يقول " كونسيدن " _ " نموذجا ً للممارسة المضادة للعنصرية " " Anti _ racism ،  حين أدمج الجميع بغير تمييز  في الجسد الاجتماعي العملاق بجدية دون خديعة أو تصنع . و في الوقت الذي تعمقت فيه الفجوة الفاجعة المروعة بين الشعوب و الإثنيات والعرقيات والدول بناء على الولاء الديني أو الطائفي أو المذهبي أو لون البشرة ، كان تراث النبي العربي أكبر داعم لمناهضة ما يعرف _ في المصطلح السياسي والتاريخي _  باسم " Xenophobia " أو "رهاب الأجانب و الغرباء". 

لم تكن هذه المقالة التي نشرها " كونسيدن " في "النيوزويك"  وأحدثت ضجة كبرى _ من ثم _ الجهد الأوحد ، أو الطرح المنفرد للرجل المحب للإسلام بحق ، و المعجب بنبي الإسلام بصورة جادة دون تجمل أو نفاق و ممالأة ، بل كانت امتدادا ً لخط متصل مطرد لم يكف الرجل عن طرحه بصور مختلفة أو مشذبة ، كلما واتته الفرصة و انفتح المجال الملائم .
وكان من أقوى الأدلة على ترسخ هذا الإعجاب ( العقلاني ) المتزن ، أن أودع " كونسيدن " خلاصة حبه لنبي المسلمين ، و تقديره المثمن لسمو خلقه و قدراته القيادية المبهرة  ، في كتاب جديد صدر هذا العام ( 2020 ) بعنوان : " نبي الحب // ملاحظة كاثوليكي على النبي محمد " "  The prophet of love " ( كليفتون Clifton  / نيوجرسي  Newjersy  " .

لقد رأى " كونسيدن " في نبي المسلمين عناقا ً موفقا ً بين قيم أخلاقية كبرى حكمت العالم القديم ، و قيم أخلاقية نافذة في عظام العالم الحديث  آخذة بتلابيبه ، ناطقة بأحلامه ، و في صدارتها قيمة : " التعايش " ، فقد كان النبي العربي " نموذجا ً للتعايش " Model for Coexistence " ، و أنا _ هنا _ أستخدم العبارات و المصطلحات ذاتها ، التي استخدمها عالم الاجتماع الأشهر في كتبه و مقالاته و محاضراته .  و لا جدال أن معضلة " تعايش الفرقاء " تظل هي التحدي الأكبر ، و الاختبار الأكثر صعوبة و استعصاء في عالم اليوم . فهي المحطة الكفيلة بإسقاط الأقنعة المموهة الزائفة ، وتعرية المشهد بدرجة كافية من الانكشاف ! 

ليس بالغريب أن ينشر الرجل مقاله _ في هذا التوقيت المعبأ برائحة الجائحة  المعروفة باسم " كورونا " _  حيث توطدت أركان الكارثة الكبرى ، و تعالى صوت السؤال : " كيف ندفع وباء مرعبا ً ضاريا ً لا يترفق ؟! "  و لزم الملايين بيوتهم لا يمسون بأقدامهم أسفلت الطريق ، و صارت المدن الراقصة الزاهية المختالة  _ فيما مضى _ مكانا ً  مختارا ً للأشباح و الخواء و دلالة العدمية و الهزيمة الكاملة   ، و تغلغل الإحباط في النفوس ، و وقفت المختبرات و المعامل بعجز شامل عن مجرد " إعداد اللقاح " الملائم ، أقول ليس هذا هو فقط الغريب في الأمر ، و إنما يبقى غريبا ً أن  يصمت الإعلام المصري و العربي _ عن عمد واضح ! _ عن مجرد ذكر " كوينسدن "  أو الإلماح _ مجرد الإلماح !! _ إلى مقالته التي لفتت الأنظار بشدة ، و أثارت الدوائر الإعلامية باهتمام ، عشش في كل جزء من المشهد الإعلامي و السياسي الأمريكي ! و فيما عدا إشارة يتيمة  ( شديدة الخجل ! )  في صحيفة " الأهرام " المصرية في مساحة داخلية  ( شبه مخبأة ! )  من أوراق الصحيفة و أبوابها ( عدد 22 مارس 2020  ص 16 ) ، فإن الصمت الإعلامي ( شبه الجماعي ! ) بدا متعمدا ً ، و إسدال ستائر التعتيم السريع ، و الجهد التشويشي كان شديد الوضوح في معظم المساحات الصحفية و الإعلامية المصرية و العربية ، و يبقى السؤال مفتوحا ً _ بامتداد الأفق _  هل يعود هذا الصمت ( المقصود فيما يبدو لي ! ) إلى تغلغل الدوائر الإلحادية و اللادينية في فراغ الأزمات العربية المتراكمة المركبة ، و قد تلاحظ عموما ً  ، منذ بداية الأزمة  ، ارتباك الأداء الإلحادي ، و هلعه من حجم التطورات و لجوء العواصم العالمية و الحواضر الكبرى ضارعة إلى السماء  ، و تراجع المعامل و المختبرات ، التي أرادوا لها أن تكون " دينا ً بديلا ً " أو " ربا ً أوحد "  بدلا ً من أن تترسخ رمزية عناق الدين و العلم  ، العناق لا التعادي ؟ ! 

أم ترى هذا الصمت الأسمنتي الثقيل عن إيراد مقالة " كونسيدن " و التوسع في نشرها  ، سببه الخوف من مظنة الاتهام بالرجعية أو الردة الفكرية ، أو المنحى الظلامي أو حتى " الراديكالية "  أو غيرها من عائلة المصطلحات الذائعة ، التي يجري التلويح بها و إشهارها _ بقوة و في خلط واضح ملتبس بين " الدين " ذاته ، و بين " ممارسات فردية أو جيبية مشتطة متطرفة " ندينها دون شك   _ في وجه من يتجاسر على كسر نطاق الصمت العمدي المفروض ، و خصوصا ً مع بروز بعض الجيوب الراديكالية الفعلية ، التي أساءت كل الإساءة إلى هذا الدين العظيم  ؟! 

و حتى نهتدي إلى إجابات شافية لهذه الأسئلة العائمة في خضم  الفوضى العالمية ، و احتشاد طواقم التمريض و الأطباء في حالة هلع ، و تغطية الوجوه بالكمامات و الأيدي بالقفازات الحذرة  ، و فرض الإغلاقات  و الحجر الصحي الشامل و الحظر ، في واحدة من أسوأ أزمات العالم الحديث و كوارثه المزلزلة ، أقول حتى نهتدي إلى هذه الإجابات ، فإن موقع " جداريات " الثقافي _ بوسطيته و مهنيته و روحه المنتمية _ قد رأى أن من واجبه إطلاع القاريء  العربي على  حقيقة ما كتبه " كونسيدن "  كاملا ً لا مبتورا ً و لا مبتسرا ً ، دون تزيد أو عبث بالنص الأصلي ، و لعل هذا المقال أن يكسر من عجرفة بعض الدوائر اللادينية و الإلحادية في الفضاء العربي المحتقن  و يحمل هذه الدوائر على رحلة المراجعة و تصحيح المسار و تحديث زوايا الرؤية  بعيدا ً عن الإبحار المراهق و روح المزايدة  و مغازلة الميديا و الكاميرات ، و لعله أيضاً أن يظهرنا على حقيقة " أكاديمي غربي  نزيه " راجع تاريخ نبي الإسلام ،  في لحظة مكاشفة و صدق مع الذات ، و هي لحظة فرضتها  _ دون جدال _ الجائحة العالمية الكبرى التي هشمت رمزية  دول عظمى و كسرت عجرفتها الإمبريالية  ، و أماطت اللثام عن حالة عجز عالمي مروع ، و لعله أن يرد للنفوس العربية المحبطة بإرث الانتكاسات و الهزائم بعضا ً من الثقة بميراثها الحضاري وولاءاتها الكبرى و نبيها محل الإعجاب و السجال  ،،، " جداريات " تكسر الصمت و تقدم المقالة _ التي أثارت جدلا ً واسعا ً _ و هاهو نص المقالة التي نشرها " كونسيدن " في " النيوز ويك " بتاريخ 17 / 3 / 2020 ... النص كاملا ً بلا إقحامات أو قص و لصق ! 

النص الكامل لمقالة "كريج كونسيدن   :"

" إن كوفيد 19 يدفع الحكومات و مصادر الأخبار ، أن تمد الشعوب في العالم ، بالنصيحة المعاونة و المنضبطة ، فيما يغدو المرض " عالميا ً " Global بصورة متعاظمة . و إن الاحترافيين في مجال العناية الطبية ، في حالة طلب متزايد و كذلك العلماء الذين يدرسون انتقال الأوبئة و تأثيرها . 

إن الخبراء من مثل " أنطوني فوشي " Anthony Fauci " إخصائي المناعة ، و المراسل الطبي " سانجاي جوبتا " Sanjay Gupta " ، مثل هؤلاء الخبراء يقولون إن علم الصحة الجيد Good Hygiene و الحجر الصحي أو ممارسة العزل عن الآخرين ، أملا ً في الحيلولة دون انتشار الأمراض المعدية ، هي الوسائل الأكثر نجاعة لاحتواء " كوفيد 19 " .

هل تعلم من الذي اقترح _ بالمثل _ علم الصحة الجيد و الحجر الصحي في أثناء الوباء ؟ إنه " محمد " نبي الإسلام منذ ألف و ثلاثمائة عام خلت .

و فيما لم يكن محمد _ بحال من الأحوال _ خبيرا ً تقليديا ً في مسائل الأمراض المميتة ، فإنه مع ذلك ، كان ذا صوت ناصح لمنع مرض مثل " كوفيد 19 " و مناهضته . 
إن محمدا ً قد قال : " إذا سمعتم به _ أي الطاعون _ بأرض ، فلا تدخلوا عليه ، و إذا وقع بأرض و أنتم بها ، فلا تخرجوا منها فر ارا ً منه " ( متفق عليه ) ، و قد قال أيضا ً : " لا يوردن ممرض على مصح " . 
و بالمثل فقد شجع محمد " الكائنات الإنسانية " ، بأن تتقيد بالممارسات الصحية ، التي سوف تحفظ الناس من العدوى . و لنضع في الاعتبار هذه الأحاديث اللاحقة ، أو مقولات محمد . 
" الطهور شطر الإيمان " ، " إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ً ، فإنه لا يدري أين باتت يده " ( رواه أبو هريرة // البخاري " 162 " _ مسلم " 278 " ).
" بركة الطعام الوضوء قبله و الوضوء بعده " ( سنن أبي داود / كتاب الأطعمة ) . 
وما الذي يفعله شخص ما إذا سقط مريضا ً ؟ ما نوع النصح الذي يقدمه محمد لأتباعه " الكائنات الإنسانية " الذين يعانون من الألم  ؟ 
إنه سوف يشجع الناس على أن ينشدوا ، دوما ً ، العلاج الطبي و مباشرة عملية التطبيب . فقد قال : " تداووا فإن الله لم يجعل داء إلا و جعل له دواء غير داء واحد : الهرم " . 
ربما ، و بصورة أكثر أهمية ، عرف الرجل متى يوازن الإيمان بالأسباب " When to balance faith with reason 
في الأسابيع الحاضرة ، اشتط البعض في المضي بعيدا ً في اقتراح أن الصلوات ستكون أفضل ، في صونك و حمايتك من فيروس " كورونا " ، من التقيد بالقواعد الأساسية  للتباعد الاجتماعي و الحجر الصحي . 
كيف سيرد النبي محمد على فكرة الصلاة ، بوصفها شكلا ً أساسيا ً _ أو أوحد _ للطب ؟ 

ضع في اعتبارك هذه القصة ، التي رويت لنا عن طريق " الترمذي " المحدث الفارسي الذي عاش في القرن التاسع . ففي يوم لاحظ النبي " محمد " أن رجلا ً بدويا ً قد ترك جمله سائبا ً دون ربط ، فسأل محمد الرجل : " لماذا لم تعقل جملك ؟ "
 فأجابه البدوي : " إني توكلت على الله " ، فقال له النبي بعد ذلك : " اعقلها و توكل ".

إن محمدا ً شجع الناس على نشدان الدليل في دينهم ، و لكنه أمل مع ذلك ، في أن يتخذوا معايير الوقاية الأساسية من أجل الاستقرار و الأمان و الخير للجميع .

وبعبارة أخرى ، فقد أمل في أن يوظف الناس " فطرتهم السليمة " . 

تعليقات