عاطف محمد عبد المجيد يكتب : هل التصوف اغتراب روحي ؟

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 05 أبريل 2020, 1:38 مساءً
  • 2075
عاطف محمد عبد المجيد

عاطف محمد عبد المجيد

 

 

التصوف علم ذوقي يعتمد على الذوق وليس على النظر، و " الرومي " جمع بين التعاليم والتصوف، بين المواعظ والإرشاد والتجارب الروحية، وكأنه السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح في " حكمة الإشراق " له مريدون كشيوخ الصوفية، كما أنه مريد للشيخ شمس الدين التبريزي، وهو في الوقت نفسه شيخ مريد ومريد شيخ.   هذا ما يقوله د. حسن حنفي في مقدمته لكتاب " الطريق إلى العشق الصوفي.. التعاليم الروحية عند جلال الدين الرومي " الذي ألّفه وليام تشيتك وترجمته شيماء ملا يوسف، وصدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة.                              حنفي الذي يتساءل في مقدمته هل التصوف اغتراب روحي عن مشكلات العصر؟ يجيب ذاكرًا بيتًا من الشعر الصوفي يقول:

 " لا يعرف الشوق إلا من يكابده

ولا الصبابة إلا من يعانيها! ".

جلال الدين الرومي

أما تشيتك الذي يؤكد على أنه إجلالاً واحترامًا لجلال الدين الرومي بكل أبعاده يجب على القاريء أن يقرأ الرومي نفسه لا التعليقات العلمية على كتاباته، دون أن ينسى أن يلفت النظر إلى أن القاريء الغربي يواجه صعوبات عديدة في قراءة وفهم أعماله، ناهيك عما تقع فيه الترجمة من مثالب، فيبدأ طريقه هنا بمقدمة يتحدث فيها عن حياة جلال الدين الرومي وعن أعماله وتعاليمه التي بثها في مؤلفاته، وعن الأركان الثلاثة في التصوف وهي الحكمة والمنهج والعمل، وعن الترجمات التي تناولت أعمال الرومي.هنا ومن خلال المؤلف نعرف أن الرومي يميز بين الصورة والمعنى، فالأولى هي ظاهر الشيء، بينما المعنى هو باطن الشيء وحقيقته، وهو الشيء الذي يعرف بالنسبة لله، وبما أن الله وراء الكثرة الظاهرة، حينها سيكون المعنى لكل الأشياء هو الله.ما يؤكده المؤلف هنا هو أنه لا يمكن أن توضع بعض تعاليم الرومي في سياق دون الإشارة إلى هرمية العالم المادي والعالم الروحي والله، فرؤية الرومي عن الكون تحتاج لتأمل كي لا يدّعي أحد أن أفكاره محاولة للتنبؤ عن نظرية التطور البيولوجية.في كتابه هذا يقدم وليام تشيتك قراءته لتعاليم الرومي مفسرًا إياها وشارحًا ومعلقًا مبديًا وجهة نظره فيها أحيانًا، وهو يوجز تعاليم الرومي في ما يتعلق بالمعرفة المكتسبة من خلال الكتب أمام المعرفة اللدنية بالقول بأن طريق السفر إلى الله لا يكون إلا بأنفسنا، وإن الكتب لن تساعدنا في القيام بذلك إلا نادرًا، وهذا ما يفسر سبب عدم قيام الرومي نفسه بوضع منهج محدد في الصوفيه، ولماذا لم يهدف شِعره إلا لتشجيع المريد على الولوج إلى هذا الطريق.كذلك لم يضع الرومي السلوك اليومي والقواعد التي يتبعها الصوفيون في الطريق، وإن كان يصف الحال بدقة، لكنه لا يقدم قواعد دقيقة في ما يتعلق بالممارسات الروحية التي تساعد على تحقيق هذا الحال كما في اليوجا.كذلك يذكر أننا يمكن أن نفهم الكثير من القواعد والتعاليم التي كان يتبعها هو ومريدوه من خلال أعماله، بداية من العبادات الدينية القائمة التي يقوم بها كل المسلمين.هنا لم يُقْدم المؤلف على تنظيم وترتيب أفكار الرومي بشمولية أوسع مما جاءت عليه في كتابه هذا هادفًا إلى إتاحة المجال للرومي أن يقدّم تعاليمه بكلماته هو، محاولاً الحفاظ على كلمات الرومي في التعبير قدر المستطاع، والغرض من ملاحظاته الخاصة هو فقط عرض مقدمة لما يريد الرومي أن يقوله، ليس كشرح شمولي لتعاليمه، ولا ينكر أن أي شرح حرفي أو نظري لتعاليمه قد لا يكفي، والقاريء الذي يريد أن يعرف ما يتكلم عنه الرومي عليه أن يتبع نصيحته ويتعمق في المعنى الكامن وراء الصورة الخارجة لكلامه.

العقل الجزئي والكلي

ومن خلال فهمه لتعاليم الرومي الذي كان غالبًا ما يوقّع غزلياته باسم شمس كنوع من التواضع والاعتراف بدور شمس الدين التبريزي الحاسم في تغييره من حال إلى حال، يقول تشيتك إن العقل الجزئي يحتاج لغذاء من الخارج، من خلاله يستطيع المرء أن يكتسب بالتعلم والدراسة ما يُطلق عليه علم الأبدان، والعلم الذي يكون فيه العقل الكلي كافيًا بذاته يطلق عليه علم الأديان، وهو لا يحتاج للغذاء من الخارج. هنا أيضًا يرى المؤلف أن الرومي لم يميز بوضوح وبشكل مطلق بين القلب والروح والعقل، وأحيانًا تتشابك الألفاظ في ما بينها، خاصة وأن كلمتي عقل وقلب تشيران إلى الوعي والإدراك، وأن الرومي حين يشير إلى العقل فهو يتفاوت في مراتبه ما بين معرفته الدنيا فيكون في مرتبته الأدنى: العقل الجزئي، أو إلى مرتبته العليا من المعرفة: العقل الكلي.أما عندما يذكر الروح فربما يشير إلى مرتبة من المراتب العليا الثلاثة للروح أو النفس أو إلى الله، وربما يعني بـ "القلب" موضع وعي المرء أو قلب "رب القلب" أو أي من المراتب التي بينهما، لكن ربما تكون الروح هي الأوسع نطاقًا.في طريقه إلى العشق الصوفي يرى تشيتك أن من عاش في القرن العشرين وما بعده بكل شروره والمعاناة التي يعانيها الإنسان، سيرى أن رأي الرومي حول الخير والشر غير مقنع، وللشعور بالعاطفة الجياشة في كلماته، يجب على المرء أن يكون على علم ودراية بجدله حول نفس الإنسان والمعاناة والعذاب الذي يمر به الإنسان بسبب انعزاله عنها.هنا يخبرنا المؤلف أيضًا أن المرء عندما يسير في الطريق الروحي فهو قادر تدريجيًّا على تحرير روحه من حدود النفس، وبالتالي تنطلق الروح لتكسب المعرفة والوعي.الروح تصعد من خلال المراتب التي تمثلها الأرواح الملائكية والبشرية، وقد تبلغ في النهاية مرتبة الروح القدس.هنا أيضًا يذكر المؤلف أن الروحي غالبًا ما يشير إلى العالم والأنبياء والأولياء وإلى إبليس وأعوانه باسم أدوات المِحَكّ الثلاثة، ومعدن كل منها يضاد الآخر، فأصحاب الذهب الخالص في وصال مع النور الذي استمدوا منه، وأصحاب المعدن الخسيس إلى النار.

تجارب روحية

من حسن حظ القاريء، أينما كان، على حد رؤية المؤلف، أن رسالة الرومي كونية واسعة، وهو متحرر جدًا في شأن استعارة الصور التي يستمدها من المعارف العامة في التجارب البشرية.هنا وفي تعاليمه يناقش الرومي التجارب الروحية الباطنية التي يمر بها السالك بتفصيل كبير، وكذلك السلوك والحالات الذهنية التي يجب على الإنسان الوصول إليها، كما يعبّر في عدد من قصائده عن تجارب روحية معينة. الرومي يقدم هنا، باختصار، تفاصيل عن السيكولوجية الصوفية، لكن ليست كما هي في النصوص الكلاسيكية، ومن هنا يجب على الدارسين لأعماله أن يتزودوا بتعاليمه الروحية.حسن حنفي الذي يقول في مقدمته إذا كان الحب تجربة إنسانية فإن العشق تجربة إلهية، والمعشوق الحقيقي ليس هو المحبوب بل الله، يُشيد  بهذه الترجمة قائلاً عنها إنها إضافة فعلية لدراسات الرومي، وهي ترجمة عربية سليمة يتذوقها القاريء العربي كما يتذوق القاريء الإنجليزي الترجمة الإنجليزية ويتذوق القاريء الفارسي الأصل الفارسي، نضع نقطة الختام بعد قول الرومي، وهو أول ما يطالعنا في هذا الكتاب:      

     " إذا فقدتَ قلبك في طريق العشق

 اتبعني:

فأنا حصنك الذي لا يُقهر ".

الكاتب شاعر ومترجم 

تعليقات