فضائل شهر شعبان

  • أحمد عبد الله
  • الأحد 05 أبريل 2020, 00:00 صباحا
  • 1058
أرشيفية

أرشيفية

حتى لا نغفل عن شعبان!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فضائل عظيمة، لهذا الشهر الكريم، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكثر فيه من الصيام، ويقول هذا شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله.

لقد هلَّ علينا شهر شعبان هذا العام، والعالَم مِن حولنا يمرُّ بظروفٍ عصيبةٍ بصفةٍ عامةٍ، وأمتنا الإسلامية بصفةٍ خاصةٍ؛ إذ كان مِن ضمن التدابير والاحترازات التي اُتخذت لمواجهة فيروس كورونا: إيقاف الجُمع والجماعات، وإغلاق المساجد التي كانت تعمَّر مِن أهل الإسلام، بالصلاة والذكر، والتكبير والتعظيم لله -تبارك وتعالى-، بل وصل الحال إلى خلو البيت الحرام من الطائفين والعاكفين والركع السجود.  

إضافة إلى ما وقع مِن حظر التجوال، وتعطل كثيرٍ مِن الوظائف والأعمال، وتوقف حركة الحياة المعتادة في شتى الأماكن والبلدان؛ مما أدَّى إلى انشغال الكثيرين -رغم الفراغ وسعة الأوقات- بمتابعة الأحداث، وسائر المستجدات؛ ليس فقط داخل البلاد، وبل خارجها أيضًا.

فازداد الكثيرون في شهر شعبان غفلة إلى غفلتهم التي حذَّر منها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، والذي نبَّه الأمة بفعله ثم بقوله إلى أهمية ومكانة شهر شعبان عند الله -تعالى-، كما في حديث أسامةَ بن زيدٍ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسولَ اللهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قال: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

فهذا الحديث مِن أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا يزال الناس في عامة عصورهم في غفلة عن شهر شعبان، وعن استثماره والاجتهاد في التقرب إلى الله فيه بأنواع العبوديات والطاعات.

وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضيلة ومنزلة شهر شعبان -التي مِن جهل أكثر الناس بها يغفلون عن شهر شعبان-، وهي: أن شهر شعبان، شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-؛ إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).

ولو أنه قيل لأحدنا: إنك على موعدٍ ولقاءٍ مع مَن يستعرض ويقيِّم أعمالك وإنجازاتك في عامك بأكمله، وسيترتب على ذلك اللقاء إما الثواب وإما العقاب؛ فهل كان يغفل عن هذا اللقاء ويعرض عنه؛ أم تراه سيجتهد غاية الاجتهاد لاستثمار هذه الفرصة وإظهار أكمل وأحسن ما عنده؟!

فكيف والله -تبارك وتعالى- هو الذي ستُعرض عليه أعمالنا وأقوالنا، ولا يخفى عليه شيء مِن أحوالنًا صغيرًا كان أو كبيرًا؟!

فلذلك كانت عناية -صلى الله عليه وسلم- بشهر شعبان عناية عظيمة، حتى إنه لم يكن يصوم شهرًا بعد رمضان أكثر من صيامه في شعبان، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" (متفق عليه)، وفي رواية: "وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلًا" (رواه مسلم).

فاختار النبي -صلى الله عليه وسلم- عبادة الصيام ليكثر منها في شعبان؛ لأنها عبادة يمتد زمنها ويطول وقتها، مع ما يكون عليه العبد مع ذلك مِن الصلاة، والذكر والاستغفار، وقراءة القرآن، فيعظم الأجر والثواب.

وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العبادة في وقت الغفلة يعظم أجرها ويزداد ثوابها، فقال -عليه الصلاة والسلام-:(العِبادةُ في الهرَجِ كالهِجرةِ إليَّ) (رواه مسلم)، والمراد بالهرج: الفتنة واختلاط أمور الناس.

قال النووي -رحمه الله-: "وسبب كثرة فضل العبادة في الهرج: أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد" (انظر: شرح النووي على مسلم).  

فحقيق بالعبد أن يحرص غاية الحرص على أن يرفع عمله إلى الله -عز وجل-، وهو مقيم على طاعته، متلبس بعبادته، وما يقرب إلى مرضاته.

ومما يزيد شهر شعبان فضلًا ومنزلة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الله -عز وجل- يعطي العباد في ليلة انتصاف هذا الشهر (وهي مساء يوم الثلاثاء - ليلة الأربعاء القادم) مكافأة عظيمة، بل هي أعظم المكافآت على الإطلاق؛ إذ يتفضل الله -تبارك وتعالى- بمنزلة ذنوب جميع الخلق إلا مَن كان مشركًا أو مشاحنًا، فعن أبي موسى الأَشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

ولنعلم أن اللجوء إلى الله -تعالى- والتضرع إليه مِن أعظم أسباب كشف البلاء، ورفع الوباء والغلاء، وأن ذلك يتأكد في أوقات ومواسم الطاعات والقربات.

فكم هو محروم هذا الغافل في شهر شعبان؛ زمن رفع الأعمال إلى الرحمن، ومغفرة الذنوب في ليلة النصف من شعبان، وماذا حل به من خسران!

نسأل الله -تعالى- أن يعافينا من الغفلة والخسران والحسرة، وأن يرزقنا توبة نصوحًا، وعملًا صالحًا، وأن يبلغنا رمضان، ويبارك لنا فيه.

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.


تعليقات