باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
في خضم معاناة العالم بأسره من وباء الكورونا الذي لفّ الكرة الأرضية بأسرها، وصار جائحة عالمية يعاني منها مئات الألوف من البشر، يخرج علينا الملاحدة والعلمانيون العرب ساخرين ومتهكمين من المسلمين الذين صاروا – من وجهة نظرهم – مفتقرين إلى الكفار ومحتاجين إليهم حتى يخترعوا لهم اللقاح الواقي من الكورونا أو العلاج الشافي، لا سيما مع انتشار الوباء في العديد من البلاد الإسلامية ومعاناة المسلمين من آثاره.
وإن كان للمرء أن يعجب من هذا المسلك في التفكير، فالعجب أكبر وأشد من هذا المسلك في الشماتة وانعدام المروءة في ظل جائحة عالمية يعاني منها ألوف البشر على كوكب الأرض بأسره! فالمتوقع في ظل هذه الظروف أن يتكاتف البشر أمام هذا الخطر المشترك لا أن يستغل بعضهم الظروف للشماتة والتشفي وتصفية الحسابات، لكن هؤلاء القوم عمومًا ليست الشهامة والمروءة من شيمهم ولا أخلاقهم، نعوذ بالله من ذلك!
هل المسلمون سبب الوباء؟
مما يلفت النظر في هذه الجائحة أن المسلمين، وإن كانوا من جملة ضحاياها، إلا أنهم ليسوا هم السبب فيها، بل ليسوا سببًا فيها بأي شكل من الأشكال أو صورة من الصور. فأصل الوباء جاء من مدينة ووهان في الصين، والفيروس نفسه جاء من الحيوانات مثل الخفاش وغيره. فليست جائحة الكورونا بلاءً سبّبه المسلمون لأنفسهم وينتظرون من سائر العالم أن ينقذهم ويمد لهم حبل النجاة، بل الواقع أن سببها هم هؤلاء الكفار الذين يعيرنا الملاحدة والعلمانيون بأنهم سيقدمون لنا طوق النجاة، والواقع أنهم لم يقدموا لنا في هذه النازلة إلا الموت والهلاك والخراب! بل هم وشعوبهم في كرب عظيم يتطلعون إلى من يمد لهم يد العون والمساعدة.
فنحن لو أردنا أن نتناول الأمر من واقع المقابلة بين المسلمين والكفار، لكان الأولى أن نلوم الكفار على تسببهم في مرض المسلمين ونقل الوباء لبلاد المسلمين. لكن التفكير بهذه الطريقة أصلاً لا يستقيم، وإنما هو مسلك حجاجي لإفحام الخصم، وحقيقة الأمر أن المرض والوباء وغيره من المصائب والكوارث التي تقع بالبشر، وإن كانت لها أسباب مادية معلومة، إنما هي لأجل حكمة إلهية عليا وتدبير إلهي متقن، فلو حتى بدأ هذا الوباء من المسلمين مع التزامهم بحدود شريعتهم لما قلنا فيه إلا أنه ابتلاء من عند الله له حكمة وغاية، وليس عبثيًا ولا عشوائيًا. فالصواب في هذا الأمر أن نتبع الأسباب المادية وغير المادية للوقاية من المرض ولدفع العدوى، لكن لا تتعلق قلوبنا بهذه الأسباب، بل تتعلق بالله وحده ونتوكل على الله وحده، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
هل نحتاج إلى الكفار؟
أضف إلى ما سبق، أن المسلمين لديهم من الإمكانيات والمؤهلات العلمية والتقنية والبشرية ما يمكنهم من مجابهة هذا الوباء والتعامل معه، فكل بلادنا الإسلامية فيها المؤسسات الصحية والكوادر الطبية والكفاءات العلمية التي تغنيها عن غيرها. لدينا في مصر مثلا مستشفى للأمراض المعدية ومستشفى للأمراض الصدرية في كل محافظة، والعديد من المحافظات فيها أكثر من مستشفى بحسب عدد المراكز، بل إن مستشفى أمراض الصدر بالعباسية في القاهرة تعتبر أكبر مستشفى للأمراض الصدرية على مستوى الشرق الأوسط بأكمله. فنحن لا تعوزنا المستشفيات ولا ينقصنا الأطباء للتصدي لهذا الوباء. والقطاع الصحي في دولة مثل مصر له إنجازات عظيمة على مستوى المجتمع كله، فهو الذي قام بالقضاء على وباء الكوليرا في أوائل القرن الماضي، وكذلك قضى على العديد من الأمراض المزمنة المتوطنة في مصر مثل السل والبلهارسيا والفيروس الكبدي الوبائي، وهذه نجاحات جبارة يعود الفضل فيها بعد الله عز وجل إلى جهود العلماء والأطباء وسائر العاملين في القطاع الصحي بمصر ، وهذا نموذج واحد فقط لأحد بلاد المسلمين، وإنما ضربت المثال بمصر نظرًا لكوني جزءًا من القطاع الطبي المصري وأعلم جهوده وإنجازاته وقدراته عن قرب ومعاينة.
أضف إلى هذا أن المركز القومي للبحوث في مصر يعمل حاليًا على إنتاج لقاح للتطعيم ضد فيروس كورونا الجديد COVID-19، وقد سبق لهم إجراء تجارب على لقاح لفيروس آخر من عائلة الكورونا المعروف بالتسبب في متلازمة الشرق الأوسط MERS، ونشرت بحوثهم في العديد من المجلات العلمية على مستوى العالم . فالواقع أننا كمسلمين لا تنقصنا الكوادر العلمية في هذا الصدد، وإنما تنقصنا الإمكانيات المادية، لأن هناك من البحوث – خصوصًا البحوث الدوائية وإنتاج اللقاحات – ما يحتاج إلى أموال وميزانيات كبرى حتى يتمكن من بلوغ أهدافه، وهذا يقع فيه التقصير على الحكومات التي قصرت أيما تقصير في مخصصات البحث العلمي في دول المسلمين، ورغم هذا فالعلماء المسلمين يبحثون ويدرسون ويتفوقون في الغرب عندما تتوفر لهم الإمكانيات المادية الضخمة التي تحتاجها مؤسسات البحث العلمي .
فالبحث العلمي لإنتاج عقار جديد أو لقاح جديد لا يحتاج فقط إلى العقول النيرة والكوادر المؤهلة، بل هو يحتاج مع ذلك إلى الكثير من المصاريف والنفقات التي لا تستطيع أن تتحملها إلا الدول الكبرى أو الشركات الكبرى عابرة القارات. ومن يتابع نشاطات وإنجازات العلماء المسلمين في مختلف فروع العلوم يعلم يقينًا أن واقع دول المسلمين العلمي والحضاري ليس سببه هو الإسلام أو تعاليمه، بل هي مشكلة سياسية ذات أبعاد مختلفة تمامًا، وأن اتهام الإسلام أو مدح الكفار يخرج بالأمر عن سياقه تمامًا ويبعدنا أكثر وأكثر عن طريق التقدم الحضارى الذي نرجوه لبلادنا وشعوبنا وأمتنا الإسلامية.
لأجل هذا يبدو واضحًا أن تناول المسألة كما لو أن المسلمين ينتظرون كبسولة الدواء من الكفار هو تناول سطحي ساذج لأبعد درجة، ويستدعي سياقًا دينيًا بصورة اختزالية تفتقر إلى التصور الصحيح، وأبعد ما يكون عن مسالك العقلاء في التفكير وحل المشكلات، لهذا هو لا يهدف في الحقيقة إلا إلى إغاظة المسلمين وتصفية الحسابات الأيديولوجية معهم بطريقة غير عقلانية لا تصلح إلا في خناقات الأطفال والمراهقين.
المسلمون يمدون أيدي المساعدة للكفار
لم يتخل المسلمون عن دورهم في رفع المعاناة عن سائر البشرية بقدر الاستطاعة والإمكان، بل تقوم بلاد المسلمين بمبادرات راقية في مد يد العون والمساعدة لسائر دول العالم، فالسعودية تبرعت بمبلغ 10 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية لأجل جهود مكافحة وباء كورونا . كذلك مصر ترسل شحنة تحمل مليون كمامة طبية إلى إيطاليا للمعاونة في ظل تفشي الوباء هناك وعجز المستلزمات الطبية . فهذه مبادرات تقوم بها بلاد المسلمين تجاه الكفار لمساعدتهم في مواجهة المرض والوباء. فليست المسألة أن الكفار مثلا لهم فضلٌ على المسلمين، بل هذه جائحةٌ اجتاحت العالم كله، والواجب على الجميع فيها التكاتف والتعاضد والتعاون لا التنابذ والتعيير. بل أضيف أنه لو توصلت دولة معينة أو مؤسسة دولية معينة في بلاد الشرق أو الغرب إلى علاج أو لقاح في هذه الظروف لن تعطيه لأي بلد من بلاد المسلمين تبرعًا أو تفضلاً بلا مقابل، وهذا أمرٌ معلومٌ غنيٌ عن البيان.
الخلاصة
هناك في مخيلة الملاحدة والعلمانيين العرب أن بلاد وشعوب المسلمين يعيشون في جهل وتخلف وهمجية، وبالتالي فهم يفتقرون إلى العالم الغربي المتحضر المثقف علميًا وحضاريًا، وكانت نازلة وباء الكورونا فرصة لقوم حتى يعبروا عما يعتمل في صدورهم من بغض للإسلام وأهله ويعيروهم ويشمتوا فيهم. وقد قمنا في هذه المقالة القصيرة بتبديد أوهامهم وتسفيه أحلامهم البدائية القاصرة أمام شعاع الحقيقة وشمس الواقع. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل وأن يهدي القوم إلى الحق والرشد، والله الموفق إلى كل خير وهو الهادي إلى سواء السبيل.