باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
ركاب القطارات أمس
هذا هو لسان حال هؤلاء الشرفاء، الذين خرجوا من بيوتهم، حرصًا على لقمة العيش الحلال، في وقت صعب، تمر فيه البلاد بموجة من البلاء والغلاء، وحظر التجوال.
وكأنهم يقولون، نحن نريد أن نجلس في بيوتنا مثلكم، لكن من الذي سيدفع لنا إيجار شقتنا ونهاية الشهر قد اقتربت!
ومن الذي سيُطعم أبناءنا، ويشتري لنا طعامنا وشرابنا، إن مكثنا في بيوتنا.
الفيروس خطير.. وعدم خروجنا للحصول على ما يكفي بيوتنا أخطر.
وحسبنا قول ربنا سبحانه وتعالى، "الله لطيف بعباده".
ارفقوا بهؤلاء، ولا تسخروا منهم، واعذروهم في زحامهم، "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم".
لذلك.. أردت أن أذكّر في هذه الأسطر، كل صاحب مال، يقدر على أن يشارك جاره أو أرحامه، وأن يساندهم في ظل هذه الأزمة.
فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[16].
قال النووي رحمه الله: "في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زَلاَّته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها مَنْ أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه مَنْ أزالها بإشارته ورأيه ودلالته"[17]. وهذا هو معنى التكافل في المجتمع المسلم.
عَنْ أَبي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفر مَعَ اَلنبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، إِذْ جَاءَ رَجُل عَلَى رَاحِلَة لَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينأ وَشِمَالاً ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِن زَاد فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ، قَالَ : فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ اَلْمَالِ مَا ذَكَر ، حَتُّى رَأَيْنَا أَنَهُ لاحق لأَحَدٍ منا فِي فَضْل.
وفي عبارة رصينة قوية، يوجهها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كرسالة للمجتمع، يقول: « ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه » رواه البخاري في الأدب المفرد.
وهذا التكافل الأسري يمتد ليشمل كل ذوي الأرحام، وقد أعطى الإسلام ذوي القربي حقوقًا من حقهم أن يطالبوا بها قانونيًّا؛ قال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾..
كذلك، حق الجار، والقرآن الكريم يقول في حق الجار: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ [النساء: 36]، وقال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا طبختَ فأكثر المرق، ثم انظر بعض أهل البيت مِن جيرانك، فاغرف لهم منها)).
وليس الجار هو المُلاصِق - كما يظن بعض الناس -، قالت عائشة: قلت: يا رسول الله، إن لي جارَين، أحدهما مُقبل عليَّ ببابه والآخر ناءٍ ببابه عني، وربما الذي كان عندي لا يسعهما، فأيهما أعظم حقًّا؟ فقال: ((المقبل عليك ببابه))، فالإسلام يريد أن يجعل من الحي والشارع وحدةً متكاملة متعاونة؛ بحيث يَحمُون ضعفاءهم، ويُطعِمون جائعَهم، ويكسون عاريَهم، وإلا برئتْ منهم ذمةُ الله وذمة رسوله، ولم يَستحقوا الانتماء إلى مجتمع المؤمنين.
وللفقراء والمُعوِزين حق في مال الأغنياء، إلى أن يكتفوا إذا لم تَكفِهم الزكاة المفروضة، ويقول الإمام أبو محمد علي بن حزم - المتوفى سنة: 456هـ - في موسوعته الفقهية "المحلى" عن ذلك: "وفرض على الأغنياء مِن أهل كل بلد أن يقوموا بفُقرائهم، ويُجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكاة بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيُقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يُكنُّهم مِن المطر والصيف والشمس وعيون المارة".
كذلك، حق الأطفال والأبناء، فكما للوالدين حقوق، فإن للأبناء حقوقًا أيضًا، وتؤخذ نفقة الأطفال والأبناء ووجوبها الشرعي على الأب من عموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة: ((خُذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف))، كما يؤخذ ذلك أيضًا من قول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾
وفي النهاية.. أسأل الله أن يفرّج عنا، وأن يرفع هذا البلاء، وأن يحشرنا في زمرة المساكين
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجَدِّ (الأغنياء) محبوسون إلا أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار.