باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
د. محمد جاد الزغبي
الإلحاد بالانطباع الشخصي
بقلم د. محمد جاد الزغبي - باحث في الفكر الإسلامي
هناك العديد من الصفات المشتركة بين دعاة الإلحاد ودعاة البدع فى الدين , لا سيما أصحاب البدع العقلية لا البدع التعبدية , وأشهر أصحاب البدع العقلية الجهمية والمعتزلة وأصحاب فلسفة الشك وغيرهم , وأنا لا هنا أشبه المعتزلة أو أقرنهم بالملحدين قطعا فهم مسلمون موحدون لكنهم ضلوا الطريق ببدعة مغلظة.
لكن أركز على نقطة الشبه هنا فى ادعائهم هم والملحدون صفة العقل لرفض النصوص الدينية الثابتة, ورغم أن كليهما انتحل العقل وادعاه فى نشر مذهبه إلا أنهم على العكس بلغوا حافة الجنون ولم يصلوا لشيء.
فالملحدون بعقولهم ما استطاعوا حتى الآن تفسير نشأة الكون أو تفسير
ظاهرة واحدة من ظواهر الدقة المذهلة فى الخلق وكل ما سمعناه منهم يصلح دليلا دامغا
على حالة انعدام وزن واختلال نفسي مستعصي .. إذ كيف يمكن لعاقل أن يصدق بأن الصدفة
تخلق وتدير كونا كهذا تعدى عمره واتساعه المرئي فقط حاجز المائة مليار سنة !
ورموز الإلحاد أنفسهم يعترفون بأنهم عاجزون عن تفسير خلق الكون حتى اليوم , ودعك من ترويجهم لنظرية التطور فهم فى أعماقهم يعرفون مدى ضحالتها , والدليل على هذا أن واحدا من مشاهير معتنقي الشيوعية وكان سفيرا سابقا فى الإتحاد السوفياتى القديم واعتنق الشيوعية كفكر وعقيدة , كتب فى مذكراته أن إيمانه بالشيوعية إيمان تام غير أن النظرية الشيوعية اعترتها نقطة ضعف قوية لأنها عجزت عن وضع تفسير عقلي مقبول لبداية الخلق حتى اليوم !
والمعتزلة بعقولهم أيضا رفضوا التحذير النبوى بعدم الخوض فى الصفات
الإلهية وزعموا أنهم سيصلون للصفات بنتائج ملموسة ففوجئنا بهم يصلون لنتائج أقلها
تضرب في صميم القدرة الإلهية ومن ذلك قولهم الغريب بأن الله عز وجل لا يمكن له أن
يدخل النار أحدا التزم بالشرائع والعبادات وأن هذا الوعد هو وعد جبري عليه سبحانه
ــ تعالى الله عن ذلك ــ
وكلا الفريقين نستطيع أن نقول بأنهم وقعوا فى أزمة نفسية مستعصية
تعتبر سببا رئيسيا للإلحاد وأيضا للبدع العقلية.
هذه الأزمة نستطيع أن نسميها (أزمة الإنطباع الشخصي)
فالذى يتأمل تجارب مئات الملحدين وكذلك يتأمل بدايات تجربة المعتزلة
سيجد بداية مشتركة بينهم تتلخص فى عداوة شخصية تجاه أهل الفقه والدين بالتحديد ,
عداوة اكتسبوها من الإنطباع الأول الذى أخذوه عن علماء الدين , وإذا كان الملحدون
الأوربيون كان لديهم العذر الحقيقي فى الإلحاد بعد أن شاهدوا بأعينهم مدى تسلط
وتعسف رجال الدين الكهنوتى وتحكمهم فى البشر بخرافات ينفر منها أقل عاقل.
فالملحدون من العرب أو المبتدعة العقليين لا عذر لهم فى ذلك قطعا ,
فالإسلام لا وجود لرجال الدين فيه , بل علماء للدين لا يملكون سلطانا على الناس
إلا سلطان النصح والتعليم والفتوى , فما أبعد الفارق بين كهنوت الغرب وبين
المسلمين , فكهنوت الغرب يعطى العذر لكل عقل مفكر أن يكفر بكافة الأديان وممارسات
الكنيسة فى العصور المظلمة تحوى ملفات قاتمة شديدة السواد تم نشرها وفضحها بعد
الثورة الفرنسية وكذلك عقب الثورة الشيوعية فى روسيا.
لكن المسلمين عبر عصورهم لم تكن هناك سلطة كهنوتية تحكمهم قط ,
والفاسدون من علماء السلطان أو مبتدعة المذاهب الطقوسية كانوا مكشوفين للكافة ,
ولهذا فإنه من نقصان العقل على ملحد من العرب أو مبتدع أن يأخذ بانطباع شخصي من
عالم واحد فاسد فيعممه على كافة علماء الدين ثم يعممه على الدين كله بعد ذلك بما فيه
النصوص الثابتة ..
وهذه الأزمة بالتحديد، أزمة الانطباع الشخصي كانت سببًا رئيسيًا فى
عداوة أحمد بن دؤاد والجاحظ (رموز المعتزلة أيام المأمون) لعلماء الحديث,
والسبب في هذا أن مجالس علماء الحديث رفضت شبهاتهم وأنكروا عليهم الحديث في
الإلهيات, فاكتسب المعتزلة العداوة الحقيقية لعلماء السنة ظنًا منهم أن هؤلاء
العلماء منغلقون وينادون بتعطيل العقل !!
كذلك أزمة الانطباع الشخصي كانت سببًا فى فساد صحفي وروائي شهير جعل
همه وتركيزه تفريغ حقده على الصحابة وجيل الرسالة بمقالاته ورواياته , ووصل فى
التشنيع على العقيدة الإسلامية حدا مريعاً.
سيندهش القارئ، لو علم أن هذا الصحفي اكتسب كل هذا الحقد على الدين
والصحابة من موقف شخصي قديم خرج منه بانطباع عن علماء الدين أنهم جميعا من علماء
السلطان , هذا الموقف حدث له فى بدايات عمله الصحفي وكان يُعد برنامجًا لقناة فضائية
للحديث عن فوائد البنوك وهل هى من الربا أم لا.
ثم ذهب فاختار أحد الموظفين الرسميين من إحدى الهيئات التابعة
للحكومة , ومن الطبيعى أن هذا الشخص بتبعيته للرأى الرسمى لن يخالف الرأى الحاكم
فى تلك الفترة رغم قناعته بالعكس , وهو ما صرح به هذا الموظف للصحفي المذكور ,
فكانت دهشة الصحفي عاتية واستهول فكرة أن يبيع الرجل اقتناعه وأمانته
فى العلم لأجل منصب !! فاعتبر أن كافة علماء المسلمين كهذا الرجل ..
ولا شك أنه نقصان عقل محتم , فالإسلام لم يقل أبدا بعصمة أحد بعد
النبي عليه السلام , وعلماء السلطان معروفون بوجودهم فى كل العصور وما مثلوا يوما
مرجعية لأحد المسلمين , وقد عرفت مصر أمثال هؤلاء طيلة تاريخها لعل أشهرهم هم
هؤلاء العلماء الذين تحالفوا مع نابليون فى الحملة الفرنسية وأيدوه رغم أن الأزهر
بعلمائه وكافة رجاله كان في قيادة حركة المقاومة
, وسقط هؤلاء المنافقون وبقي الأزهر بعلمائه الحقيقيين حتى اليوم.
ولكنه الهوى والتعسف، إذ أن هذا الصحفي وجد هواه في أن يعمم حكمه
على كافة علماء الدين لغرض فى نفسه ., وأخذه هذا الهوى ـــ الذى بدأ ضيقا ــ ليتسع
عبر السنوات حتى وصل لإنكار بعض آيات القرآن عياذًا بالله !