رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

شعبان القاص يكتب: "حوار مع صديقي المؤمن" أشرف البولاقي

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 02 مارس 2020, 5:35 مساءً
  • 1545
شعبان القاص وأشرف البولاقي

شعبان القاص وأشرف البولاقي

يصدر الكاتب أشرف البولاقي كتابه "حوار مع صديقي المؤمن" بلغة تصالحية، إذ جعل الصداقة هي الأرضية التي يقف عليها مع مخالفيه، متخذاً من الحوار وسيلةً للتفاهم والوصول إلى الحقيقة أو القبول بالتعايش رغم الاختلاف، كما أنه كان منصفاً فيما يتعلق بأسباب تخلفنا وضعفنا، ويأنس القارئ فيه رغبة حقيقية في إنقاذ مجتمعاتنا، وذلك ما تستشعره من المرارة التي صاغ بها كلماته وهو يقول:

 "رغم أنني أكاد أكون مِن المؤمنين تمامًا ألا فائدة ترجَى مِن أي شيء في مصر، وثقتي الكاملة أننا خَرجنا من التاريخ، وسَقطنا في الوحل، عربًا ومصريين، بسبب الأنظمة الحاكمة، وبسبب غياب الوعي الحقيقي، وثقافةِ النقد والاختلاف، فضلا عن سيطرة واستشراء الثالوث الكارثي الذي استطاعت كثير من دول العالم أن تتجاوزه، بيْنما يتم دعمه والتكريس له في بلادنا، وهو ثالوث الفقر، والجهل، والمرض"، بالإضافة أنه أصاب في بعض ما ذهب إليه.

  وأنا بدوري كواحد من أصدقائه المؤمنين يحتم عليّ الإخلاص أن أبادله الصداقة نفسها والحوار ولا أتهم نيته ولا أكفره وأن أشير له فقط نحو طريق الإنقاذ الذي أراه، أو على الأقل نتفق على ألا يكون الخلاف بيننا عقبة في طريق الإنقاذ .

ولكن لن يخلو الأمر من العتاب وأقول عتاب لغلبة الظن أن البولاقي مثل غيره ربما تعرض لكثير من سخافات وحماقات الجهلة والمتنطعين من المسلمين فضاق بهم وربما انسحب ذلك على غالبية العلماء بسببهم فكتب ما كتب، ودليلي على ذلك أنه استقى معظم الأمثلة التي ساقها فى حواراته أخذها من ألسنة العامة  وليس من العلماء الذين يختلف معهم، وأعتب عليه ضرب الأمثلة التي لم ترد على لسان عامي فضلاً عن عالم مثل قوله:

 " إن الإبل أشرف المخلوقات لأنها ذكرت في القرآن"

فإن أحداً لم يقل بذلك، ولا أحد يقول إنه يجب أن نضع موظفاً يتلو القرآن في البورصة، ومما يجعلني أجأر بالعتاب وأقول:

 " ولماذا تلجأ يا صديقي إلى المساجلة التي عبتها على فرج فودة، أنك لم تكتف بوصف كلام محاوريك بأنه قديم ومكرور فأضفت بأنه قديم وبالي"

أما العتاب الأشد يا صديقي فبسبب أن هذا الحوارفي تقديري  تجاوز المنطق والمنهج العلمي في كثير من محطاته واعتمد على العاطفة والذائقة وغير ذلك، فلم تكن النتائج دائماً تعتمد على مقدمات ومعطيات سليمة فمثلاً: تعتمد على ذائقتك الخاصة وتحكم على القول الذي  نَسبوه إلى سجاح  «يا أيها المؤمِنونَ المتّقون، لنا نِصف الأرضِ

ولقريشَ نِصفها، ولكنً قريشًا قوم يَعتدون»

وما نَسبوه إلى طلحةَ الأسدي «إن الله لا يَصنع بتعفير وجوهِكم، وقُبح أدبارِكم شيئًا، فاذكروا اللهَ قيامًا، فإنّ الرغوة فوق الصريح". بأنه قول لا يتناسب مع بلاغة العرب، رغم  أنه قول فيه بلاغة فعلاً، وفيه وجهة نظر ومناسب لموقفهم السياسي ساعتها تجاه قريش إذ ظنوا أن الأمر ملك وسيادة وسلطة، أما نظرتهم إلى وضعية الصلاة فقد تأفف منها أدباء محدثون ومعاصرون أيضا، قال أحدهم: "لا يعلو استي رأسي".

أما ذكرهم للضفدع والفيل اللذين بدأت بهما لتجذب القارئ ببراعة إلى صفك، وأخرتهما أنا ولكن ليس لنفس السبب– ههههههه- فيكفي أن أقول لك إنه سبق للمشركين وأن عابوا على القرآن ذكره للحيوانات  "الكلب، البقرة، الذباب، إلخ..." فرد الله عليهم بقوله: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"  فربما قالوا ما قالوه من باب التندروالمكايدة: أننا نقول مثل ما يقول  محمد.

 يشير البولاقي إلى تغير الذائقة العربية الآن في استقبال الكلام المسجوع الذي يقلد العربي القديم والقرآن وأنا معه تماماً ولكن  أحداً لا يستطيع القطع بأن هذه الذائقة لا تستسيغ ألفاظ وخطاب القرآن الكريم وهذا ما قفز إليه البولاقي وبنى عليه نتيجة مؤداها أن القرآن ليس معجزاً في ألفاظه بعد سؤاله: "إذا كان القرآن صالحًا لكل زمان ومكان، فهل الصلاحية صلاحية الألفاظ أم المعاني والدلالات؟"

 ثم يقفز مرة أخرى ليقول لنا إنه لا إعجاز في المعاني والدلالات طالما هناك اختلاف حول هذه المعاني والدلالات متناسياً أن معظم هذه الاختلافات تأتي في إطار التعددية وبعضها يكون بين فرد أو طائفة وبين الأمة كلها!!!!!!

 ومن سلبيات الحوار مع العامة يا صديقي أنك خلطت بين ممارسة الشعائر والطقوس التعبدية التي يحرصون عليها أثناء العمل وبين رأي القرآن والسنة في هذا العمل وفي الضوابط التي تنظمه، فالقرآن لا يلزم الإنسان يا صديقي أن يذكر الله وهو يزرع حتى يكون الزرع ناجحاً أو حلالاً ولكن يلزمه بألا يزرع المخدرات مثلاً، أو يضيف إلى الثمار الهرمونات التي تجعلها تنضج قبل الأوان، فكما أن الصلاة عبادة، الزراعة بالمفهوم السابق عبادة أيضاً يا صديقي، وقس على ذلك أمورا كثيرة أم أنك تكره القياس لأنه يرهن الحاضر بالماضي كما تقول، ليت شعري هل ترجع البيئة مثلا كما كانت في الماضي؟!

وقبل أن تقول الغرب يفعل ذلك (في الزراعة) دون الحاجة لكتابهم المقدس، أقول ولكنهم اخترعوا وصدروا لنا هذه الهندسة الوراثية دون وازع من ضمير أو من كتاب مقدس، في الوقت الذي يحرم علينا القرآن ذلك!

ولا تنسَ يا صديقي أن أمريكا حاولت منع الخمور بالقانون فلم تنجح ولو كان لديهم كتاب مقدس غير محرف لنجحوا، ومن ذا الذي يلومنا ذات يوم تعود فيه عزتنا يا صديقي فنمنع الغرب بالقوة من تلويث البيئة انطلاقاً من أمر القرآن بالمعروف ونهيه عن المنكر والفساد في الأرض.

غير خافٍ على العامة يا صديقي تأثركم بالغرب وولعكم بثقافته، وأن المحصلة النهائية من اجتهاداتكم في تحليل الخطاب القرآني أن تكون ثقافتنا وسلوكياتنا صورة طبق الأصل من الغرب، فكيف يصدقون أن تلك الاجتهادات من بنات أفكاركم المستقاه من القرآن.

 يا صديقي أنا مثلك تماماً لا أعترف بأن للعربي أفضلية على غيره، ومستعد لأن أتفهم وجهة نظرك في عدم أفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات، وأنه من الضروري الترجمة عن الآخرين وأتفق معك بأن النبي كان يجتهد والوحي يحرس اجتهاده فيرده إلى الأصوب- ولعلي أشرح  ذلك ذات يوم– وأحسن الظن بك حين تنفي عنه العصمة وعن غيره في الأمور التي تحكمها الخبرة "السياسة والاقتصاد...إلخ" كما في موضوع تأبير النخل وأظن أن هذا بيت القصيد الذي تسعى إليه وأنت تنادي بضرورة الأخذ بمقتضيات العلم والتكنولوجيا إذا أردنا التقدم والرقي.

 ولكن لا نستطيع أن نحسن الظن وأنت تسحب ذلك على الناحية الأخلاقية، كما تحاول أن تثبت من خلال قصة سيدنا يوسف وقصة "عبس وتولى" وغيرهما، ولعلك في حاجة لأن تبحث في قضية العصمة بشكل أعمق لتصل إلى أن العصمة ليست نابعة من ذات النبي ومقدرته فقط وإنما هي مستمدة من الله، ومن هنا نفهم من ضمن معنى قولنا  "صلى الله عليه وسلم " أي حماه من الوقوع في الزلل وبالتالي لم يحدث أن زنا النبي بقلبه كما أدعى الـ...، ولم يحتقر الأعمى، ولم يطمع في عرض الدنيا، حتى لو سلمنا بصحة ما تذهب إليه في قصة يوسف عليه السلام، وليس ذلك تعصباً لنبينا الكريم وإنما من خلال الفهم الصحيح لمفهوم العصمة، فالنبي كالرسول كلاهما لابد له من عصمة أخلاقية لأنه سيكون قدوة، وقد جعل الله يوسف لنا قدوة حين أخبرنا أنه قال: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ".

فأنت يا صديقي تغض الطرف عن القدرات النفسية "العصمة الذاتية" التي يكتسبها النبي من خلال تعلقه بالله التي أوافقك الرأي أنها لا تتجاوز القدرة البشرية، ولكني أجادلك في العصمة المطلقة تلك التي يكون مصدرها صيانة الله لنبيه في كل تصرفاته كما حدث مع سيدنا يوسف في قوله تعالى: " وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ" وبالمناسبة هذا ما حدث مع الصحابة المبشرين بالجنة وبالمناسبة أيضا هم ليسوا عشرة فقط بل هم أكثر بدليل قوله تعالى: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" وهم يومها 1400 صحابي أم تراه رضاء مؤقتا لا يضمن لهم الجنة؟!

وأما قولك إن النبي لا يعلم الغيب ليبشرهم بالجنة فهل كان يعلم الغيب حين بشرهم بفتح القسطنطينة ! إنه الوحي يا صديقي.

ومع ذلك كانوا لا يقدس بعضهم بعضا، ولا يأمنون على أحد منهم الفتنة حتى يختم له بخير، وكانوا يختلفون بوعي في إطار التعددية التي تنادي وننادي بها يا صديقي، فسياسة عمر غير سياسة أبي بكر رضي الله ولم يكفر بعضهم بعضا، كما نفعل فهل تراني رجعيا إذا راودني الحنين إلى عهدهما؟!

لقد كانت العصمة الأخلاقية للنبي وصحابته الكرام ضرورية يا  صديقي، لأن القرآن نزل لاقامة مجتمع يقتدي به الناس وتكون حياة النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة عملية وتفسير واضح للقرآن الكريم خاصة في كيفية  الاجتهاد الذي هو متنوع ومتغيربطبيعته، قبل تفسير الأمور الثابتة مثل العقيدة والأخلاق والعبادات والتشريع، فقد كان القرآن في معظمه تعليقا على إجتهادات الأنبياء وأصحابهم على مدى آلاف السنين حتى ختم بنبينا وأصحابه الكرام ليترسخ في وعينا المنهج العلمي الصحيح للاجتهاد ليس من خلال اللغة ودلالاتها فقط، وإنما من خلال التعرف على أدوات المعرفة وطرق التجريب وكيفية الوصول إلى الحقائق والأمثلة على ذلك كثيرة لا أظنك تجهلها، فقد كنت تقترب من ذلك حين ذكرت أن القرآن ما جاء ليواجه الشعر.

أنا أربأ بك يا صديقي أن تعتقد أن النبي- صلى الله عليه وسلم- يبلغ  رسالة صاغتها نصوص وألفاظ لها دلالات ومعاني وهو لا يفهمها كاملة، ولم يسأل ربه عما لم يفهمه، وكذلك فعل الصحابة إلا قليلاً، فهذا يتنافى مع مفهوم الرسالة نفسه.

وتعتقد أن من جاءوا بعدهم لديهم قدرات عقلية وأساليب جديدة في التفكير، ولم يسكتوا كما سكت الصحابة، وأنا هنا لا أغمط حقهم في السؤال، فالسؤال هو أولى خطوات الاجتهاد، ولكن فقط أعجب لمن يرفض الإجابات ويسئل من جديد!

ويكفي هنا أن أحيلك إلى علماء وفلاسفة ومفكرين بالعشرات وناس عاديين بالآلاف من الغرب لهم قدرات عقلية عالية وأساليب جديدة في التفكير- تجردوا من الهوى والتعصب- تلقوا هذا القرآن نفس التلقي الأول للصحابة ووجدوا فيه الإجابات الشافية لكل الأسئلة الكبرى .

أما الإشكالات التي واجهت المسلمين بعد فترة الخلافة الراشدة فلم تكن بسبب عدم تفسير النبي للقرآن وسكوت الصحابة عما لم يفهموه من القرآن وإنما لها أسباب أخرى يطول شرحها، أسباب سياسية "الفتنة الكبرى" كما أشرت أنت، وتغيرات اجتماعية وثقافية "اندماج ثقافات شعوب أخرى مع الثقافة الإسلامية".

أمّا تعريفك للظاهرة الإسلامية بأنها كل ما نتج عن «الإسلام » نتيجةً التفاعل معه، من فهمٍ، وشروح، وتفاسير، وثقافة، يدخل فيها تلقّينا للإسلام، وعلاقتنا بنبيّه، وتصوراتنا عنه، وهي تلك الثقافة والعلوم والمعارف التي تكوّنت وترسّخ بعضها في الذهن والوعي والوجدان عبر مئات من السنوات، والتي اشتبك فيها المطلَق بالنسبي، والسماوي بالأرضي، والرأي بالهوى، وتريد أن  تفك اشتباكاتها  بإعادة قراءتها مراتٍ ومرات فلا بأس بذلك ولكنك يا صديقي ذكرت لنا أسماء مفكرين حاولوا ذلك وتجارب لمناهج جديدة في تحليل الخطاب القرآني لم تصل بنا إلى تنقية  ثقافتنا الإسلامية وترقيتها بل أوصلتنا إلى ثقافة متناقضة معها تماماً.

 

 

 

تعليقات