غادة صلاح الدين تكتب عن المرأة العربية المبدعة*

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 01 مارس 2020, 8:16 مساءً
  • 1091
الكاتبة غادة صلاح الدين

الكاتبة غادة صلاح الدين

كثر استخدامنا في السنوات الماضية الأخيرة لكلمة إبداع.. أطلقناها أو استسهلنا إطلاقها حتى كادت تفقد معناها أو بالأحرى رونقها.. وراحت أحيانا كثيرة لمن أو– ربما-  للذين لا يستحقونها.. وأصبحت الكلمة تطلق في أغلب الأحيان على سبيل المجاملة والتحفيز ليس أكثر.

لذلك حين نعقد اليوم مهرجانا للمرأة العربية المبدعة الحقيقية.. فإننا هنا ننتصر للكلمة والوصف.. فالمرأة حقيقة لم تنل القدر الكافي والواجب والمفروض الذي تستحقه، فدائما يتصدر الرجال في مجالات الإبداع واجهة المشهد، وتأتي المرأة على استحياء في محاولة حثيثة منها لفرض وإثبات وجودها الذي تكافح من أجله لتثبت أنها لا تقل عن الرجال نبوغا ولا علما ولا ثقافة .. شاء من شاء وأبى من أبى.

وإبداع المرأة لا يتجلى فقط في الكتابة.. فالأم التي أنجبت لنا طه حسين امرأة مبدعة في التربية.. والزوجة التي وقفت بجوار نجيب محفوظ امرأة مبدعة في التحفيز والاحتواء.. المرأة مبدعة في أحاسيسها.. وحين تُلهم شاعرا بقامة نزار قباني على كتابة قصائد يترجم فيها هذه الأحاسيس والمشاعر التى عاش معها كل الوطن العربي، فهي هنا تمثل قيمة إبداعية في تأجيج العاطفة التي نقرأها باستمتاع في أبيات شعرية نحفظها عن ظهر قلب.

ومادامت هي مصدر إبداع الرجال فطبيعي جدًّا أن يظهر على الساحة العربية مبدعات في كل مجالات الأدب والشعر والمنظومة الثقافية بصفة عامة .. ففي مصر نجد الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد تبدع أدبا راقيا.. وكوثر مصطفى تتحفنا بقصائد شعرية مؤثرة وعميقة.. ومريم ناعومي تتغلغل في أدق تفاصيل حياتنا من خلال كتابتها لمسلسلات درامية .. هي الأجمل إذا ما تم مقارنتها بأعمال تليفزيونية كثيرة .. ولا ننسى بحال من الأحوال أبدا مخرجة أبهرتنا بفكرها وحرفيتها وتمكّنها من أدواتها.. أقصد المبدعة إنعام محمد علي صاحبة المسلسل الأشهر أم كلثوم.. ومن بعده قاسم أمين.. وقبل المسلسلين عملان سينمائيان غاية في الروعة والإبداع "حكايات الغريب" و "الطريق إلى إيلات" و غيرها كثير.

ولكي أكون منصفة ولا يصفني أحد بالعنصرية والتحيز لمصرنا الحبيبة.. أقول إن أرض الإبداع ممتدة عابرة للمحيطات والأنهار والحدود .. فمن الجزائر تطل علينا أديبة يعتبرها النقاد مفخرة للأدب النسائي.. أتحدث عن صاحبة "عابر سرير" و"الأسود يليق بك" و"شهي كفراق" ألا وهي أحلام مستغانمي التي تخطت سمعتها الأسوار والآفاق، فترجمت أعمالها إلى لغات عدة.. وفي الكويت لا ننسى الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح التي وصفوها بأنها نزار قباني في ثوب أنثى.. لا يقصدون بالطبع أنها نسخة مكررة منه أو أنها تقلده، ولكن كان القصد إن كان نزار قباني شاعرا متفردا في أحاسيسه وثقافته ورؤاه.. فسعاد الصباح لها ما له من حيث القيمة والقامة والقدر.

ومن فلسطين الجريحة، الحبيبة والساكنة في القلب والعين، تطل علينا مؤخرا نوال حلاوة، أديبة من طراز رفيع شرُفت مؤخرا باستضافتها في ندوة تناقش أعمالها الأدبية والصحفية، وأبهرتني على المستوى الشخصي وأبهرت الحضور حين بثّت إلينا عذاباتها ومرارة قضيتها الفلسطينية من خلال روايتها الرائعة الراقية الست زبيدة، كما أذكر أيضا من جيل الرائدات العظيمات، فدوى طوقان وسحر خليفة.

و أتذكر هنا معكم إذ يمر علينا ذكري ميلاد ريحانة الأدب العربي الرابعة والثلاثون بعد المائة "مي زيادة" هذه المرأة التي اختلف عليها الكثيرون، لكن ظل صالونها أحد أبرز الصالونات الأدبية في العصر الحديث.

من هنا كان حرصنا الشديد على الاحتفاء بالمرأة العربية المبدعة التي لها دور لا ينكره إلا جاحد في العملية التنويرية والمنظومة الثقافية بمجالاتها المتعددة أدبا وشعرا ورواية.. ساعدت مجتمعة في تقارب الشعوب وتوّحدها من خلال الكلمة والحرف والقيمة.

والمعنى.. صحيح أن هناك مهرجانات متعددة كرّمت المرأة الفنانة مثل مهرجانات السينما، لكن في مجال الأدب بصفة خاصة لا أجد مهرجانا واحدا يهتم بهذا الجانب، رغم أنه منبع الإبداع الدرامي.. فما نراه ونستمتع به على الشاشة مصدره كتاب ورواية.. حرف وكلمة.

فلمثل هذه النماذج النسائية المبدعة نرفع القبعة، معترفين بيقين تام أن الإبداع لا يقتصر على نوع دون آخر .. الإبداع منبعه العقل والقلب والعين اللاقطة.. سواء كان صاحبه رجلا أو كانت صاحبته امرأة.

         

* المقال في الأصل كلمة للكاتبة غادة صلاح الدين في مهرجان المرأة العربية المبدعة، الذي أقامته، مؤخرا، بالتعاون مع ملتقى السرد العربي، برئاسة الناقد الدكتور حسام عقل،  بحضور عدد  كبير من االمبدعات والمبدعين العرب بنقابة التجاريين، كما شارك في المهرجان المستشرقة المكسيكية مارلين باسيني وترجم لها كلمتها عن الإسبانية الناقد الدكتور محمد محمد عليوة أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن بكلية درا العلوم جامعة القاهرة. 

 

تعليقات