كيف نوفق بين "لن يدخل أحد الجنة بعمله إلا بفضل الله ورحمته"، و"ادخلو الجنة بما كنتم تعملون"
- الأربعاء 27 نوفمبر 2024
الأديب الراحل محمد الراوي
تحل الذكرى الثالثة لوفاة الأديب السويسي الكبير محمد الراوي حيث فارق الحياة في 23 فبراير 2017 عن عمر يناهز 76 عاما ، تاركا كنزا ثقافيا أصيلا ، وتحت عنوان "رجل بقلب يتسع العالم " يقول الكاتب والناقد أنور فتح الباب عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك: عرفت الأديب محمد الراوي في سن مبكرة عندما كنت أحضر ندوة الكلمة الجديدة في النادي الاجتماعي بالسويس انأ وزملائي قباري البدري ، حنيدق عبد الرحيم ، والراحل محمود القماش ..كنا قد تجاوزنا الثامنة عشر بقليل ومهتمين بالأدب والثقافة وكان والدي رحمه الله "وهو من شعراء العامية المصرية صديقا للراوي قد عرفني عليه وكنت قد قرأت وانأ عمري 13 سنه عمله الأول الركض تحت الشمس وهو عمل سريالي يموج بعالم الموتي والحرب والدمار وقتها لم افهم شيئا ولكني أغرمت بالعمل ولازلت احتفظ بهذه النسخة من الكتاب حتى الآن ثم قرأت له الجد الأكبر منصور وهي محاكاة لقصة الحلاج واستشهاده فأبهرني عالم التصوف الذي صنعه بدقة فنيه عاليه . وتوالت القراءة للراوي فقرأت الرجل والموت، أشياء للحزن عبر الليل نحو النهار ،الزهرة الصخرية ، تل القلزم وهي إعمال يظهر فيها خط رئيسي وهو صراع الإنسان مع الموت وقضية الموت والحياة وارتباطها بالحرب .
أما درته الأخيرة تل القلزم فقد كتبت عنها
مقال ونشرته في الجمهورية وقت صدورها وهي عمل متميز يخلط فيه مابين الواقعي والفانتازي
ويصل في بعض أجزاءها للواقعية السحرية حيث يخلط التاريخ بالواقع بالحلم والأسطورة مجسدا
تاريخ السويس عبر مراحله منذ تاريخ الفراعنة والبطالمة والمقاومة الشعبية .
تابع "فتح الباب" الحقيقة أني
لا أتناول إعمال الراوي نقديا ولكن أريد التحدث عن الراوي الأستاذ والمعلم وافخر بأني
احد تلاميذه ومريديه . فقد ارتبطت بالراوي لفترة طويلة في مطلع عقد التسعينات حيث سافر
صديقي قباري البدري إلي جزر القمر وانشغل حنيدق والقماش في عجلة العمل واعتزلت النشاط
السياسي قرفا وإحباطا أنقذني الراوي بجلساتي معه يوميا فهو ذو برنامج منظم لا يحيد
عنه صيفا وشتاءا فقد كان ينزل بسيارته من احد ضواحي السويس للمقهى في الخامسة والنصف
وينصرف في السابعة فانتظره عند حسن بائع الجرائد والكتب ليلتقط محصول يومه ثم نمضي
للمقهى فنشرب القهوة ويشرب هو الشيشة مع قهوته "لا يدعك الراوي ابدأ تدفع الحساب
" نتجاذب إطراف الحديث حول الأدب والثقافة والقراءة . قرأت معه كتب لخيري شلبي
ومهدي عامل وجبران ولورانس وادوارد الخراط وكان يقوم بتصوير هذه الكتب علي نفقته ويهديها
لي ومنحني نصوص لفوكو وفاطمة المرنيسي وادونيس وغيرهم لدرجة انه كان يصور لي الملحقان
الثقافيين لجريدة الحياة اللندنية "آفاق " "وتيارات " كاملة بالإضافة
لنصوص من القدس العربي والملاحق الثقافية المختلفة. علمني كيفية قراءة النصوص الأدبية
وتنظيم أوقات القراءة وكتابة ملخصات لما أقرأ .. وكان دوره معي ومع غيري بهذه الطريقة
لأني اكتشفت انه يفعل ذلك مع آخرين .
قابلت الراوي في مارس ٢٠١٦ في مؤتمر القلزم
بين الماضي والحاضر (كان نزوله قد صار قليلا والأعرف ضبط مواعيدي معه ) احتضنته وقبلت
يده وقلت له إني ذكرته في ورقتي عن تاريخ القلزم فقال وهو مذهولا "كل ده علشاني
" قلت له يا أستاذنا أنت اكبر من ذلك ... محمد الراوي قيمة وقامة يعرفها كل المهتمين
بالثقافة والفكر بالسويس ويقدرون مكانته ودوره ... محمد الراوي تحية ومحبه بمناسبة
وبدون مناسبة من احد رعاياك يا مولاي . والف رحمة ونور
وتفرغ بعدها للكتابة الأدبية تاركا ما حصله من العلوم التجارية، حيث اتجه إلى كتابه القصة القصيرة وكانت كتاباته تفيض باللآلئ الإبداعية وثيقة الصلة بالسويس وحياة أبناء السويس حيث أخذ على عاتقه الارتحال داخل الشخصية السويسية وكانت قصته (الحياة) هى أول قصة نشرت له بمجلة ( القصة ) وهى المجلة المصرية الوحيدة التى كانت تهتم بكتابات الشباب الأدبية فى تلك الفترة.