رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

مشاهد صوفية.. تساهم في نشر الإلحاد (1)

  • حاتم السروي
  • الثلاثاء 18 يونيو 2019, 11:51 صباحا
  • 1281
احد الطرق الصوفية

احد الطرق الصوفية

يبدو للكافة أن سيطرة التيار اليساري على الوسط الثقافي حقيقةُ ماثلة وتاريخية ومثيرة للتساؤل أيضاً وأن هذا التيار لديه الكثير من الأطروحات التي لا تتفق مع ميول المتدينين وهم كثر في مجتمعنا المصري، وأنه يشيع بين المنتمين إليه وصف بعض الاعتقادات بالوهم والخرافة.

ويبدو أن وجهات النظر هذه كانت أحياناً ردات فعل ضد عاداتٍ موروثة تتسم بالإغراق في الغيبيات والإيمان بالسحر وغلبة روح التواكل والقدرية وتأليه شيوخ الطرق الصوفية والحديث الدائم عن الكرامات في حكايات نسجها المخيال الشعبي فيما يشبه أساطير الفراعنة، كل هذا مع الغلو الذي لا يتسق مع المنطق ولا يؤيده الدين وإن تزيَّا بثياب الإسلام وذكر بعض الآيات والأحاديث في تأييد عقائد لا تثبتها آية ولا يقرها حديث وغاية ما هناك أن البعض يحبون ليَّ عنق النصوص، وفي كتابه "الأيام" يرصد لنا عميد الأدب العربي بعض مبادئ وتصرفات بعض الطرق الصوفية وتعظيمهم الشديد للأولياء أو من يُعتقد أنهم كذلك واحتفاءهم بكتاب دلائل الخيرات مع بعض التعزيمات السريانية التي يقرأها الناس باعتبارها ضمن الرقى مثل قول الشيخ في الكُتَّاب: "سري سرندي دبي دبندي سبر سبرتونا البعيد عنا لا يأتينا والقريب منا لا يؤذينا.

ويؤكد المؤرخون أن الطرق الصوفية قد سادت وانتشرت في العصر العثماني؛ ذلك أن العثمانيين الأتراك دخلوا الإسلام كما هو ثابت من بوابة التصوف، وظلت الطرق الصوفية في عصرهم تعلو ويعلو مقدار شيوخها حتى أن آخر خلفائهم الأقوياء وهو السلطان عبد الحميد الثاني المتوفي عام 1909م كان صوفياً على الطريقة الشاذلية وكان شيخه السيد أبو الشامات، وعبد الحميد الثاني هذا هو الذي قرَّب إليه أبا الهدى الصيادي وهو أحد رجال الصوفية الكبار وكان يسيطر على ذهن الخليفة بسرد الحكايات والمنامات وربما فعل بعض الخوارق، وفي المقابل تم التضييق على التيار العقلاني وقياداته مثل السيد جمال الدين الأفغاني الذي شاع أنه مات بسرطان الفم غير أن بعض المؤرخين يؤكدون أن الخليفة بعث من وضع له السم في القهوة، كما قد تم اغتيال الشيخ عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب صنائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.



وظل التيار الصوفي له الغلبة وفشلت كل المحاولات في إصلاحه بل إن بعض من أرادوا إصلاحه كانوا أحوج إلى الإصلاح؛ فالشيخ المغربي ذو الأصول الجزائرية أبو العباس أحمد التيجاني وهو أحد أبرز المصلحين في الأوساط الصوفية زعم أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقظةً لا مناما وأنه نصبه شيخاً وبارك طريقته ولقنه أوراده وأن من يقرأ الورد المسمى بـ "جوهرة الكمال" سبع مرات يحضر له رسول الله والخلفاء الأربعة والشيخ التيجاني الكبير، وذكر التيجاني أن الرسول الأكرم عندما قابله في اليقظة أكد له نسبه الشريف وأنه من ذرية الإمام الحسن بن علي، كما ذكر التيجاني أن له منزلةً ومقاماً كبيراً عند الله ولو حكى عنه لظن السامع أنه يكفر بالله وأن مبغضه وأهل طريقته يخشى عليه من الموت كافراً وأن من يترك طريقته إلى غيرها من الطرق سوف ينتكس حاله وتسوء علاقته مع الله وأن على أتباعه ألا يقوموا بزيارة الأولياء الذين ليسوا على الطريقة التيجانية وأن على رأس كل تيجاني تاجٌ من النور ومكتوب على جبهته سورة الإخلاص "قل هو الله أحد" وأن المريد على هذه الطريقة يدخل الجنة هو وأبناؤه وذريته من أبناءه الذكور.

غسل المخ في الأرياف


كلما قل الوعي والثقافة انتشرت الخرافات ، هذه حقيقة لا مفر من الإعتراف بها وهي تبدو لنا بالأخص في القري لأنها تعاني من الجهل عادة وتنتشر فيها الخرافات وبالتالي يصبح أهلها عرضة لغسيل المخ والايمان الراسخ بالخرافات ،ونظراً لشيوع الطرق الصوفية وتعاليمها التي لا تنسجم ولا تتفق مع روح العصر في مناطق الأرياف والأحياء الشعبية وهي الأماكن التي خرج منها الكثيرون من أتباع الأحزاب والتجمعات اليسارية في مصر فقد كان طبيعياً أن يصبوا جامَّ غضبهم على هذه الطرق ومشايخها والمؤسف أن هذا الغضب امتد لهيبه ليشمل الدين ذاته عند البعض.

ومن هنا يمكن القول أن رجال التصوف في شكله العام وصيغته المعلنة التي استقر عليها في العصور المتأخرة ساهموا بشكلٍ واضح في انتشار الإلحاد، وفي إحدى افتتاحياته لمجلة أدب ونقد الصادرة عن حزب التجمع اليساري أكد رئيس تحرير المجلة الشاعر حلمي سالم أن أحد مشايخ الطرق في قريتهم بالمنوفية كان يحضر إلى منزلهم بدعوى من والده ويوضع له الطعام والذبائح فيأكلها مع مريديه وحين يدخل إليه حلمي سالم يقوم فوراً بتقبيل يده في تقليدٍ منتظم رباه عليه والده، إلى أن دخل الجامعة وانضم إلى التيار اليساري وحينها رفض أن يقبل يد الشيخ كما كان يفعل فقال الشيخ: ابنك بلشفوه في الجامعة يا حاج سالم، وكلمة بلشفوه نسبةً إلى البلاشفة وهم الذين قاموا بثورة أكتوبر في الإمبراطورية الروسية وأعلنوا نهاية حكم القياصرة وقيام الاتحاد السوفيتي أول دولة وأكبر دولة شيوعية في العالم.













ومن المعروف والمتواتر أن سيطرة المتصوفين في العصور المتأخرة على الوجدان الشعبي لعبت فيها الكرامات دوراً بالغاً، والكرامة هي كل خارق للعادة يجريه الله على يد ولي ظاهر التقوى إظهاراً لمكانته أوتدعيماً لمواقفه أونصراً له على أعداءه أو لتثبيت بعض المبادئ في قلبه، غير أن هذه الكرامات هي ليست كذلك إلا فيما هو ظاهرٌ للناس إذ أن بعضها يدخل في مفهوم السحر.

تعليقات