رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

معتز محسن يكتب: الاغتيال الثاني لفارس الرومانسية!!

  • معتز محسن
  • الأربعاء 19 فبراير 2020, 4:15 مساءً
  • 879
الباحث معتز محسن

الباحث معتز محسن

مرت بالأمس ذكرى اغتيال الكاتب الكبير يوسف السباعي ،الذي تعرض لرصاصات الغدر من كيان سرطاني لا يمت للقضية الفلسطينية بصلة ،يُدعى "جماعة أبو نضال" غارسًا  رصاصاته المميتة في قلب من جعل للأديب مكانة وقيمة تساعده على الإبداع والتفكير من أجل مجتمع مستنير  يستنشق التأمل والإبداع.

كان ذلك تحديدًا يوم 18 فبراير من العام 1978  في قبرص ،قُتل أول من عبر القضية المصيرية ذات الجرح الدائم في قلب العروبة ،من خلال روايته الخالدة كأول نص سردي يشرح لنا كيف كانت المأساة في حرب 1948  في رواية "طريق العودة" والتي كتبها سنة 1956 وقت العدوان الثلاثي على مصر ،مذكرًا الجميع بأن القضية الأساسية هي أرض الديانات المقدسة ومهبط الوحي.

قُتل الفارس وقت حضوره مؤتمرًا آسيويًا إفريقيًا ،مناديًا بضرورة وحدة دول العالم الثالث سياسيًا وفكريًا وثقافيًا لمجابهة الإمبريالية العالمية وهي الركائز التي قامت عليها جبهة دول عدم الإنحياز ،مضفرًا أهدافها بطريقة عملية في العام 1959 وقت توليه لسكرتارية مؤتمر الوحدة الأفروآسيوية ،داعيًا الجميع بألا يستسلموا لنبرات التقليل من شأن الأمم الساعية للاستقلال.

اخترقت الطلقات السامة قلب من نادى بالسلام مؤازرًا رئيس مصر أنور السادات ،وقت ذهابه للقدس في العام 1977 في رحلته الشهيرة من 19 وحتى 21 نوفمبر ،أثناء رئاسته لتحرير الأهرام ،مطبقًا ترانيم السلام التي زينت حروف رواياته عبر رحلة أدبية مثمرة ،من العام 1947 وحتى 1973 قبل أن تختطفه الوزارة والمسئوليات الإدارية من معينه الإبداعي.

الأديب يوسف السباعي 


سافر للقدس وعلى شفتيه ابتسامة "نعمت" المراسلة الحربية في روايته الأخيرة "العمر لحظة" والتي تنبأ فيها بقدوم النصر قبل تحققه بخمسة أشهر ،مستشعرًا بخبرته العسكرية العتيقة بما يدخره الجنود على الجبهة وقت ساعات التأهب والاستعداد ،وهو ما حدث وقت وداع "نعمت" للضابط "جلال" وقت إستدعائه للجبهة بكلمات وداع مشوبة بالتفاؤل الحَذِر.

هكذا سافر "السباعي" للقدس وعلى شفتيه كلمات وداع مشوبة بالحذر لاسترجاع ما تبقى من الأرض المسلوبة في حرب الأيام الست ،متابعًا بحسه الصحفي والإستراتيجي خطاب السادات التاريخي شاعرًا بدنو المصير الحتمي.

عاش من أجل الحب ومات من أجل السلام ،فاردًا أجنحته ضامًا الحياة بكل أريحية محلقًا من بين الغمام ،لإزاحته عن عيون الجميع من أجل إستشراق وإستشراف المستقبل المأمول في أعماله الإبداعية ومقالاته الصحفية.

استقبل رصاصات كارهيه كما حدث لغاندي ،حيث رحب بالموت مبتسمًا رافضًا مجاورة الحراس له متمسكًا بالإيمان بقضاء الله وقدره كأبطال رواياته ،مودعًا الجميع وسط صُراخ رفيق دربه عبد الرحمن الشرقاوي والسفير محمد صبيح الذي قال بملء فمه :"هؤلاء لا ينتمون للقضية الفلسطينية أبدًا".

والآن وبعد مرور اثنين وأربعين عامًا على استشهاد فارس الرومانسية ،نرى تكرار محاولة اغتياله وهو مواريًا الثرى بانقضاض بعض التجار على "نادي القصة" الذي أسسه في السبعينيات ،جاعلاً لهذا الفن كيانًا ملموسًا يشجع المواهب الشابة ،ويحتفي بالعمالقة والرواد.

من أجل حفنة أموال ،تتوالى المحاولات لإخفاء هذا الصرح الذي شهد فطاحل القصة والرواية  دون  أطلال تذكرنا بمن علمونا معنى الحياة ،وساعدونا على النهل من منابعها الدافئة للإبقاء على إنسانيتنا ومشاعرنا الجياشة.

أرجو من المسؤولين أن ينتبهوا لمحاولة القتل الثانية لمن حمل السيف والقلم ناحتًا كلماته السردية بوجداننا كما نحت البارودي كلماته الشعرية ،لأن الأمة التي لا تمتلك القوة الناعمة ،عليها ألا تسأل عن كيفية بقائها أبد الدهر.


تعليقات