عزة عز الدين تكتب: قراءة في "سيدة الوشم" للروائي مصطفى البلكي

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 10 فبراير 2020, 7:16 مساءً
  • 1225
القاصة عزة عز الدين

القاصة عزة عز الدين

"سيدة الوشم" للكاتب الروائي مصطفى البلكي رواية رومانسية بالغة التعقيد، ولكني أدركتها بكل تفاصيلها، غردت بنا خارج السرب، وسبحت في آفاق رحبة من الأمل، لتحكي بنعومة كيف تناغم الربيع والخريف في أنشودة حالمة، تثبت أن لا شيء يهزم الحلم سوى القدر.

هكذا تبلورت القصة أمامي وأنا أقرؤها بنهم، قصة امرأة ستينية تشبثت بالحلم، وبحبها للحياة، داوت جرحها يوم أن وشمت صورة لابنها الراحل على ذراعها، متحملة من الألم ما يثير الدهشة قبل الشفقة، ليستقر في يقينها أنه باق ما بقيت.

لم تتمرد على وحدتها بعد وفاة زوجها، وزواج أبنائها، وإن شعرت بالصقيع،  حتى عصف بقلبها هذا اللقاء بـ"ضياء" ليمنيها من جديد بدفء الحياة، ويوقد في روحها أشياء كامنة ظلت كثيرا قيد الانتظار.

تبعثرت دهشتي في نواحٍ كثيرة من الرواية، حيث تطرق الكاتب لتفاصيل متفرعة عن أبطالها، ومن تعلق بهم وتعلقوا به، فكثرت الحكايات الشيقة داخلها دون أن تربك الخط المحوري لها، ذلك لبراعته في غزل الخيوط بحبكة درامية فائقة،  وبأسلوب سرد شيق لا يسمح بأي ملل.

 وتعجبت كيف استطاع أن يقنعني بهذه العاطفة الدافقة التي خلت تماما من أي منطق، فضياء شاب في مقتبل العمر وأفروديت امرأة ستينية- وإن احتفظت قلبا وقالبا بنفحات الربيع-  والأكثر أنها مسيحية وهو مسلم، وكأن الكاتب أراد أن يؤكد أنه لا منطق في الحب، وأن حالة احتواء قوية صادقة قد تكون كافية لخلق شرارة عاطفة جارفة لن يفلح معها الصد، حتى إن هذا الشعور قد امتد في قلب ضياء رغم وفاتها، وبرع الكاتب في وصفه من خلال عبارتين:

الأولى: "أدركت أن دفء الأيام وعمقها لا يوجد إلا مع من يشبهك،  ومن يعثر عليه يجب ألا يهمله، وعليه أن يضمه حتى لو كانت اللحظات لحظات وجع مشمولة بالغيب".

والأخرى" لا أعرف أي حياة عشت، وأي حياة سأعيش بعدك، كان لا بد أن تنتظري لترسمي لي قدرا آخر أحياه".

هكذا كان شعور ضياء وبهذه القوة حتى بعد وفاتها، ولا عجب فهو من أقر من قبل أن البعد لا يلغي الصلة ولا يلغي الحنين، وهي من قالت له:"أريدك أن تكتب شيئا على قبري، لكي أتركه في وصيتي".

كما برع في رسم مفارقة مذهلة صادمة للنهاية التي كانت أشبه بأرجوحة طارت بهما من السعادة والشغف إلى عنان السماء يوم زفافهما، ثم انحدرت بعنف  لتصطدم بالأرض فتسقط منها كل الأحلام.

   راقت لي الرواية من حكاية وسرد وأسلوب امتاز بالدقة والرقي، حيث اقترب الكاتب من قضية شائكة ليرويها ببساطة وعذوبة مست القلوب،  وجعلتني أتساءل معه: أيهما أنسب ليصبح العزف مميزا  وجود الكلمات قبل اللحن أم اللحن قبل الكلمات؟  كما راقت لي أيضا صورة الغلاف اللافتة ليكتمل بها الجمال.

تعليقات