باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أوهام ومبالغات وتشويه لسمعة الإسلام
يبدو للكافة أن سيطرة التيار اليساري على الوسط الثقافي حقيقةُ ماثلة وتاريخية ومثيرة للتساؤل، أيضاً وأن هذا التيار لديه الكثير من الأطروحات التي لا تتفق مع ميول المتدينين وهم كثر في مجتمعنا المصري، وأنه يشيع بين المنتمين إليه وصف بعض الاعتقادات بالوهم والخرافة.
ويبدو أن
وجهات النظر هذه كانت أحياناً ردات فعل ضد عاداتٍ موروثة تتسم بالإغراق في
الغيبيات والإيمان بالسحر وغلبة روح التواكل والقدرية وتأليه شيوخ الطرق الصوفية
والحديث الدائم عن الكرامات في حكايات نسجها المخيال الشعبي فيما يشبه أساطير
الفراعنة، كل هذا مع الغلو الذي لا يتسق مع المنطق ولا يؤيده الدين وإن تزيَّا
بثياب الإسلام، وذكر بعض الآيات والأحاديث في تأييد عقائد لا تثبتها آية ولا يقرها
حديث، وغاية ما هناك أن البعض يحبون ليَّ عنق النصوص، وفي كتابه "الأيام"
يرصد لنا عميد الأدب العربي بعض مبادئ وتصرفات الطرق الصوفية وتعظيمهم الشديد للأولياء، أو من يُعتقد أنهم كذلك، واحتفائهم بكتاب دلائل الخيرات مع بعض التعزيمات السريانية
التي يقرأها الناس باعتبارها ضمن الرقى مثل قول الشيخ في الكُتَّاب: "سري
سرندي دبي دبندي سبر سبرتونا البعيد عنا لا يأتينا والقريب منا لا يؤذينا"!.
ويؤكد المؤرخون أن الطرق الصوفية قد سادت وانتشرت في العصر العثماني؛ ذلك أن العثمانيين الأتراك دخلوا الإسلام كما هو ثابت من بوابة التصوف، وظلت الطرق الصوفية في عصرهم تعلو ويعلو مقدار شيوخها حتى أن آخر خلفائهم الأقوياء وهو السلطان عبد الحميد الثاني المتوفي عام 1909م كان صوفياً على الطريقة الشاذلية وكان شيخه السيد أبو الشامات، وعبد الحميد الثاني هذا هو الذي قرَّب إليه أبا الهدى الصيادي وهو أحد رجال الصوفية الكبار وكان يسيطر على ذهن الخليفة بسرد الحكايا والمنامات وربما فعل بعض الخوارق، وفي المقابل تم التضييق على التيار العقلاني وقياداته مثل السيد جمال الدين الأفغاني الذي شاع أنه مات بسرطان الفم غير أن بعض المؤرخين يؤكدون أن الخليفة بعث من وضع له السم في القهوة، كما قد تم اغتيال الشيخ عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب صنائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.
وظل التيار الصوفي له الغلبة وفشلت بعض المحاولات في إصلاحه، بل إن بعض من أرادوا إصلاحه كانوا أحوج إلى الإصلاح؛ فالشيخ المغربي ذو الأصول الجزائرية أبو العباس أحمد التيجاني وهو أحد أبرز المصلحين في الأوساط الصوفية زعم أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقظةً لا مناما، وأنه نصّبه شيخاً، وبارك طريقته، ولقّنه أوراده، وأن من يقرأ الورد المسمى بـ "جوهرة الكمال" سبع مرات يحضر له رسول الله والخلفاء الأربعة والشيخ التيجاني الكبير!.
وذكر التيجاني أن الرسول الأكرم عندما قابله في اليقظة أكد له نسبه الشريف وأنه من ذرية الإمام الحسن بن علي، كما ذكر التيجاني أن له منزلةً ومقاماً كبيراً عند الله ولو حكى عنه لظن السامع أنه يكفر بالله وأن مبغضه وأهل طريقته يخشى عليه من الموت كافراً وأن من يترك طريقته إلى غيرها من الطرق سوف ينتكس حاله وتسوء علاقته مع الله وأن على أتباعه ألا يقوموا بزيارة الأولياء الذين ليسوا على الطريقة التيجانية وأن على رأس كل تيجاني تاجٌ من النور ومكتوب على جبهته سورة الإخلاص "قل هو الله أحد" وأن المريد على هذه الطريقة يدخل الجنة هو وأبناؤه وذريته من أبناءه الذكور.
ونظراً لشيوع الطرق الصوفية وتعاليمها التي لا تنسجم ولا تتفق مع روح العصر في مناطق الأرياف والأحياء الشعبية وهي الأماكن التي خرج منها الكثيرون من أتباع الأحزاب والتجمعات اليسارية في مصر فقد كان طبيعياً أن يصبوا جامَّ غضبهم على هذه الطرق ومشايخها والمؤسف أن هذا الغضب امتد لهيبه ليشمل الدين ذاته عند البعض.
ومن هنا يمكن القول أن رجال التصوف في شكله العام وصيغته المعلنة التي استقر عليها في العصور المتأخرة ساهموا بشكلٍ واضح في انتشار الإلحاد، وفي إحدى افتتاحياته لمجلة أدب ونقد الصادرة عن حزب التجمع اليساري أكد رئيس تحرير المجلة الشاعر حلمي سالم أن أحد مشايخ الطرق في قريتهم بالمنوفية كان يحضر إلى منزلهم بدعوى من والده ويوضع له الطعام والذبائح فيأكلها مع مريديه وحين يدخل إليه حلمي سالم يقوم فوراً بتقبيل يده في تقليدٍ منتظم رباه عليه والده، إلى أن دخل الجامعة وانضم إلى التيار اليساري وحينها رفض أن يقبل يد الشيخ كما كان يفعل فقال الشيخ: ابنك بلشفوه في الجامعة يا حاج سالم، وكلمة بلشفوه نسبةً إلى البلاشفة وهم الذين قاموا بثورة أكتوبر في الإمبراطورية الروسية وأعلنوا نهاية حكم القياصرة وقيام الاتحاد السوفيتي أول دولة وأكبر دولة شيوعية في العالم.
ومن المعروف والمتواتر أن سيطرة المتصوفين في العصور المتأخرة على الوجدان الشعبي لعبت فيها الكرامات دوراً بالغاً، والكرامة هي كل خارق للعادة يجريه الله على يد ولي ظاهر التقوى إظهاراً لمكانته أوتدعيماً لمواقفه أونصراً له على أعداءه أو لتثبيت بعض المبادئ في قلبه، غير أن هذه الكرامات هي ليست كذلك إلا فيما هو ظاهرٌ للناس إذ أن بعضها يدخل في مفهوم السحر.
وهذا ما أكده لنا عبد السلام محمد بدوي في كتابه "من أنباء الرسل" عند الحديث عن السحر في إطار الكلام عن قصة النبي سليمان عليه السلام، وقد ذكر عبد السلام في البداية أن عامة المعتزلة يعتقدون أن السحر ليس إلا تمويهٌ بالتخييل والإيحاء، وباللغة المعاصرة نستطيع القول أن السحر عند المعتزلة هو نوعٌ من الخداع البصري يستوي في ذلك مع ظاهرة السراب ورؤية سير الأشجار والأعمدة وهي تسير أثناء ركوب القطار، غير أن جمهور علماء السنة يؤكدون وجود السحر وأن التخييل من جملته ولا يشمل السحر كله، وأن وراء التخييلات أموراً ورد بها السمع وأثبتها القرآن إذ يقول جل شأنه في سورة البقرة " واتبعوا ما تتلو السيطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" (آية 102) سورة البقرة، وقد زعم اليهود فيما أورده محمد بن إسحاق أن بعض أحبار اليهود لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا سليمان في الأنبياء قالوا: يزعم محمد أن ابن داود كان نبيا، والله ما كان إلا ساحرا.. وحتى الآن لا يعترف اليهود بنبوة سليمان وتلك هي المفارقة بل يقولون "سليمان الحكيم" والآية الكريمة آنفة الذكر توضح أن السحر يمكن تعلمه، فهل ما يمكن تعلمه لا تكون له حقيقة؟
ويذكر لنا عبد السلام محمد بدوي أن رجلاً في محافظة الشرقية كان يجري الخوارق ويخبر بالمغيبات وينسبه من يعرفوه إلى الصلاح والولاية وكان يعطب كل من اعترض عليه ويؤذيه وكان الرجل في حقيقة الأمر ساحراً سفلياً ينسب ذاته إلى أهل التصوف ويدخل في خلوته بجوار بيته وهي نجسة وتحت كل رجل من رجليه مصحف والظلام يعم المكان ويستحضر الجن بعزائم وطلسمات ليست من الكلام العربي ثم يقول آمنت بكم وكفرت بالله، وقد مات هذا الرجل وتم غسله وتكفينه ولما خرجت جنازته طار نعشه في الهواء وعلا أكتاف حامليه وتخطى الجمع الحاشد واستقر في بركةٍ قذرة، وكان من بين المشيعين ثري من أثرياء القرية يشغل منصباً كبيراً في القصر الملكي في ذلك العهد فلما رأى هذه الواقعة أمر ببناء ضريح للمتوفى في مكان المستنقع الذي تلطخت فيه جثته وتجفيف البركة وأوقف خمسة أفدنة على الضريح، وتقرر تعليم الطفل الصغير ابن المتوفى على نفقة وزارة الأوقاف بالأزهر الشريف وأظهر الغلام تفوقاً وذكاءً واجتهادا وبعد تخرجه تم تعيينه مدرساً في المعاهد الأزهرية وكان يتأمل فيما يسمعه عن كرامات والده وإيذاءه لمعارضيه وقد تعلم في الأزهر أن الولي لا يؤذي معارضيه وكيف يطير نعش أبيه وهذا ما لم يحدث للخلفاء الراشدين والصحابة وتابعيهم فهل يكون الرجل أكرم على الله منهم؟ فما كان من الشيخ الأزهري إلى أن سأل والدته كيف كان أبوه يعبد الله وأين؟ فأخبرته أنه كان يدخل خلوته بجوار المنزل وهي مقفلة منذ عشرين عاما، فلما جن الليل أخذ الابن مفتاح الخلوة واصطحب معه مصباحاً كهربائياً صغيراً وبعد جهد فتح باب الخلوة فوجدها غرفة ضيقة لا تزيد على متر ونصف في مترين وفي وسطها يقبع سندان صغير تكسوه الأتربة ولما أزال التراب عن السندان بيديه وجد فوقه نقوشاً وإلى جواره مطرقة صغيرة فضرب بها السندان وإذا به يسمع صوتاً يتردد في جنبات المكان ويصدر عن أكثر من واحد "لبيك" وهزته رعدة المفاجأة ثم نزلت على قلبه سكينة الإيمان فقال: من أنتم؟ قالوا نحن أنسباء الله وأحباؤه، فقال: وما شأنكم؟ قالوا: نحن خدام تلك الأسماء المنقوشة وسنقوم لك بما تريد.. فقال: هكذا دون أية شروط؟ قالوا: لنا شرط واحد لو أديته لك علينا حق السمع والطاعة، قال: وما هو؟ قالوا: أن تنجس مكاناً وتجلس فيه على هذا السندان وتجعل تحت كل من رجليك مصحفاً وتبول في إناء به لبن ثم تقول: آمنت بكم وكفرت بالله.
فقال في ألمٍ وحزن: هل معنى ذلك أنكم كنتم تخدمون أبي؟، قالوا: نعم..قال: ونفذ لكم هذا الشرط؟، قالوا: نفذه، على أنه كان يتعبنا بكثرة العمل فانتقمنا منه وطرنا بنعشه ولوثنا جسده في المستنقع.
وبيقين المؤمن صرفهم العالم الشاب ودمر السندان والمطرقة وبعث إلى الباشا صاحب الوقف يخبره بكل شيء في خطاب نشرته مجلة "الاثنين" قال فيه إن أبي الذي أوقفت عليه معاليك خمسة أفدنة ليس من أولياء الله بل قد مات كافراً فنرجو استرداد الوقف وهدم الضريح وأما الذي تم انفاقه على تعليمي من هذا الوقف فأنا على استعداد لرده مقسطاً خصماً من راتبي؛ فتأثر الباشا وأرسل إليه رداً يفيد بتنازله عن الأفدنة الخمسة له نظير شجاعته الأدبية وإظهاره الحق وإن كان مراً.
فهؤلاء هم أولياء الشيطان الذين أشاعوا الخرافة بين الناس وسمحوا للملحدين أن يهاجموا الدين ويشنعوا على أتباعه ويرونه مصدر الخرافة ومنبع الأوهام، وتلك هي الكرامات الزائفة التي ربطت الناس بتصوف مزعوم ليس له حظ من تعاليم الإسلام.