باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
شعبان القاص
يثير بعض الملحدين والحاقدين شبهات شنيعة حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة صفية بنت حيي زعيم اليهود بالمدينة، ينتقون من السيرة بضع فقرات وينزعونها من سياقها تماماً، ويصورون أن الأمر تم غصباً وقهراً، يقولون : "يقتل أباها وعمها وزوجها وأهلها ثم يتزوجها رغما عنها"، و قبل الرد عليهم لا بد من إالزامهم بالمنطق أولاً، لذا أقول لهم:
طالما ارتضيتم أن تأخذوا من السيرة (*) فلا تؤمنوا ببعضها وتكفروا ببعض، ولتكن السيرة حكماً بيننا أو لتخرسوا إلى الأبد.
يأخذون من السيرة أن أبا أيوب بات يحرس رسول الله عندما دخل بالسيدة صفية خوفا عليه منها، وهذا صحيح وله سبب، ولا يأخذون مثلاً قول السيدة صفية: "ما رأيت احداً قط أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد رايته ركب بى من خيبر وأنا على ناقته ليلاً، فجعلت أنعس فتضرب رأسى موخرة الرحل، فيمسنى بيده ويقول يا هذه مهلا".
ويكفي للتدليل على خلو السيرة من الكذب والتعصب والهوى أنها أوردت ما قالته السيدة عائشة والسيدة حفصة في حق السيدة صفية، حين قالتا:
" نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفية نحن أزواجه وبنات عمه".
فقال لها: هلا قلت وكيف تكونان خيراً منى وزوجي محمد رسول الله وأبى هارون وعمى موسى.
لما تزوج النبي من صفية لم يكن يعلم وهو يعتذر لها ويترضاها، ويضع لها ركبته– رحمة وحنانا– لتضع عليها قدمها وهي تركب الناقة، لم يكن يعلم وهو يعاملها برقة بالغة ليواسيها وينسيها مرارة الأحداث، لم يكن يعلم أن الله قد هيأ قلبها لقبوله ومحبته منذ كانت طفلة تحفظ ولا تعي، وظهر هذا الحب والتقدير من أول لحظة، حين ثنت ركبتها ووضعتها على فخذه ولم تضع قدمها لتركب الناقة، ولم يكن أبو أيوب أيضاً يعلم أنها كانت تخاف على النبي أكثر منه.
ونحن أيضا لم يكن لنا أن نصدق أنها تحبه- ولا تكون مثل قريبتها التي أهدت إليه شاة مسمومة– لو لم نقرأ ما روته السيدة صفية وهي تؤرخ لدخول النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، وتؤرخ في نفس الوقت لدخول حقيقة نبوته إلى عقلها وقلبها البكر الذي لم يعرف التعصب أو الهوى فتقول:
"كنت أحب ولد أبى إليه وإلى عمى أبو ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبى وعمى أبو ياسر مغلسين "بعد الفجر"، قالت: فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، قالت فهششتت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغم، وسمعت عمى وهو يقول لأبى: أهو هو؟
قال: نعم والله.
قال: أتعرفه وتثبته قال نعم، قال فما في نفسك منه؟
قال : "عداوته والله ما بقيت".
شاء الله أن تسمع صفية هذا الكلام وهي صغيرة، تحفظ الكلام ولا تدرك معناه، وهكذا رمى أبوها- دون قصد- بذرة الإسلام في عقلها وقلبها، حين أقر واعترف أمامها بأن محمداً هو النبي المنتظر وأنه يعرفه ويثبته، ثم رأت بعينيها ما كان من أبيها وغدره على مدى سبع سنوات تقريباً، مقابل وفاء النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه مرة بعد مرة.
رأت كيف كان النبي يتقرب من اليهود، وكيف رفض أبوها التعايش السلمي مع المسلمين في المدينة وفضل التعامل مع الوثنيين من أهل مكة فطرده النبي منها، ورأت جُبن أبيها وقومها، رغم القوة التي كان يمتلكها مقابل ضعف وقلة عدد المسلمين بعد هزيمة أحد.
ذهبت معه إلى خيبر وهناك تزوجت من أحد زعماء اليهود- وبالمناسبة لقد تزوجت وهي في نفس عمر السيدة عائشة تقريبا فقد كانت طفلة عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة- وهذا ما نفهمه من النص السابق "فهششتت إليهما كما كنت أصنع " ومع ذلك ينكرون على النبي زواجه بفتاة صغيرة ولا ينكرونه على اليهودى الذي تزوج صفية!!
ظل أبوها على عداوته التي أقسم عليها حين قال: "عداوته والله ما بقيت" طاف بالقبائل وجمع الأحزاب ليحاصروا المدينة وحرض يهود قريظة لينقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ويسمحوا للأحزاب بدخول المدينة من ناحيتهم فكان جزاءه القتل ذلك الذي كان يتمناه للنبي.
حتى زوجها اليهودي كان يدرك أن محمداً نبي مرسل، ولكنه استجاب لحقده وتعامل معه على أنه ملك، ولقد ظهر هذا الانفصام في الهزيمة النفسية التي بدت عليه حين دفعته الغيرة لأن يضرب صفية على وجهها ضربة تركت أثراً تحت عينها، كانت يومها نائمة في حجره تقص عليه ببراءة الحلم الذي رأته في منامها كانت قد رأت كأن القمر وقع في حجرها فإذا به يلطمها بيده لطمة قوية ويفسر حلمها بقوله: "تتمنين ملك يثرب" يقصد محمداً وهكذا رمى هذا الأحمق حبه في قلبها كزوج.
بالتأكيد كانت صفية تتعذب حين تتجاذبها الحيرة، هل تتبع أباها الذي رباها بحبه وحنانه؟ أم تتبع رسول الله الذي أقر أبوها أمامها برسالته؟ لكن بعد مقتله بسبب تلك العداوة غير المبررة التي كان يكنها هو وقومها للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعدما رأت ما كان عليه زوجها وقومها من تآمر وخسة، وبعدما رأت أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، من ذا الذي يلومها حين تفتح قلبها لحبيبها وزوجها محمد رسول الله؟!!
لقد كان حب النبي لصفية مادة لتعليم المجتمع عدم التعصب للجنس والعرق عندما رفع نسبها إلى موسى وهارون عليهما السلام، ولتعليم الأخلاق فقد قال لعائشة رضي الله عنها عندما اغتابت صفية: "لقد قلت كلمة لو مزجت بالبحر لمزجته".
كان الهدف من زواج النبي، صلى الله عليه وسلم، بها إثبات أن الصراع مع اليهود ليس بسبب العرق بدليل أن صفية أصبحت أماً للمؤمنين لها كل التقدير والاحترام الواجب لكل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
* تم الاعتماد على عدد من المصادر منها مثلا:
سيرة ابن هشام
السيرة النبوية.. عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي الصلابي
تاريخ الإسلام للذهبي.
البخاري، "كتاب المغازي.. غزوة خيبر".