باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
الباحث معتز محسن
دائمًا وأبدًا، يلح هذا السؤال على ذهن من يبحث عن أصله وفصله، كي يقف على أقدام صلبة تقاوم الرياح العاتية كالأشجار السامقة المعانقة للسماء بشموخ وفخر، وهو ما يلح على أذهاننا الآن، عقب توالي التحديات العتيدة في الأيام الأخيرة نحو سؤال الهوية.
في خضم الدعوات الملحة للتجديد، ما بين الخطاب الديني والاجتماعي واللغوي والإنساني، يأتي التساؤل المزمن في عقول الجميع، وهو: "من نحن؟" وهو سؤال تكراري يأتي في أوقات الحروب والثورات والمحن للاستعداد لمرحلة جديدة الكل يترقب تفاصيلها من بين غمام المستقبل.
ما يدور الآن بين الجميع وسط زحام الدعوات، مناظرات متنوعة ما بين الجهرية والسرية، تُخرج من فوهاتها بطاقات تعريفية ما بين إسلامية، مسيحية، مصرية قديمة، حداثية والكل يعاني الشقاء والتعب من التلقي لفوران الكلمات والمصطلحات المتصارعة على التأكيد والتوكيد.
هل من الممكن حسم الصراع الحامي الوطيس حتى ولو بمجهود فردي؟
من الممكن عبر مجهودات المفكرين الفردية، أن يُحسم الصراع إن قمنا بالجمع بين مختلف الأطر والنظريات لتحديد مفهوم الكلمة المطاطية منذ اندلاع خماسين الربيع العربي التي سببت ضبابية في المشهد لصراع القوى السياسية والجماعات المتقاتلة على الأفضلية المرجوة في المشاهد المتتابعة.
نعاني الآن تناحر الأنساب، وهي الآفة التي نخرت في عظام الدولة العباسية بسبب مخلفات الدولة الأموية في تعاملها مع الموالي، وانتقل الصراع بنكهته الجديدة ما بين أنساب العرب وأنساب العقائد، حتى يجد كل متهافت للتميز ضالته فيما عانى منه وقت البحث عن الذات.
الكل عقب المؤتمر العالمي لـ"تجديد الفكر الإسلامي" يتشدق بكلمات منثورة ما بين مؤيد للمؤسسات الدينية ومؤيد للمؤسسات المدنية وإلقاء الضوء على من يتسم بالفضائل، من أجل غد أفضل، لتتسع الفجوة بين المنادين بتلك الشعارات، فيترنح الوطن لتقترب المأساة المنتظرة بانشقاق الأرض بعد انشقاق النفس.
ومن هنا أرى في كلمات العميد الذي نُحر من قِبل المتشددين، العلاج الناجع للأزمة الراهنة بكلماته الخالدة التي تعيد اكتشاف العميد الذي لا نعرفه كواجب فكري ووطني بالدفاع عمن رفع اسم أرض الكنانة عاليًا كي ترقى كما ترقى الأمم المتقدمة، وذلك في مقال كتبه في العام 1933 بمجلة Open Court الأمريكية ومجلة الهلال قائلاً :
سادتي!
كان الفرنسيُّون في بعض أوقاتهم يتحدَّثون عن انتشار ثقافتهم في الأرض فيقول قائلهم: إنَّ لكلّ مثقَّفٍ وطنين؛ أمَّا أحدهما فوطنه الَّذي وُلِدَ فيه ونشأ، وأمَّا الآخَر ففرنسا الَّتي تَثَقَّفَ فيها أوْ تَلَقَّى الثَّقافة عنها. وكنَّا نسمع هذا الكلام، وكنَّا نرى فيه شيئًا مِنْ حقٍّ وكثيرًا مِنْ سَرَف.. ولكنَّ الَّذي أريد أنْ أقوله الآن هو الحقُّ كلّ الحقّ، لا نصيب للسَّرَف فيه مِنْ قريب أوْ بعيد، فلكلِّ مسلمٍ وطنان لا يستطيع أحدٌ أن يَشُكَّ في ذلك شكًّا قويًّا أوْ ضعيفًا، وطنه الَّذي نشأ فيه، وهذا الوطن المقدَّس الَّذي أنشأ أُمَّته وكَوَّنَ قلبه وعقله وذوقه وعواطفه جميعًا، هذا الوطن المقدَّس الَّذي هَدَاه إلى الهُدى، والَّذي يَسَّره للخير، والَّذي عَرَّفه نفسه، وجعله عضوًا صالحًا مصلحًا في هذا العالَم الَّذي يعيش فيه حتَّى إذا أشرف على ختام خطبته، عاد فألهب القلوب بقوله:
أمَّا بعد، فإنِّي أسعد النَّاس وأعظمهم غبطةً بأنْ أشعر الآن بأنِّي أتحدَّث في بلاد العرب، في البلاد الَّتي عاش فيها محمَّد- صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابه، وفي البلاد الَّتي مَرَّ عليها وقتٌ كان أهلها يقولون فيه: ما أشدَّ قرب السَّماء مِنَ الأرض! ثُمَّ مَرَّ عليها وقتٌ، بعد وفاة النَّبيّ، كان بعضهم يبكي لا لأنَّ شخص محمَّد قد انتقل إلى الرَّفيق الأعلى، بلْ لأنَّ خبر السَّماء قد انقطع عنْ هذه البلاد.
وفي نفس السياق لمسيحيي العرب وطنان، وطن نشأوا فيه ووطن روحي مركزه في القدس عبر كنيسة القيامة مكمن المسيح عليه السلام ،ومن هنا يأتي السِّلم الاجتماعي المنشود لأبناء الوطن الواحد بطوائفهم المتعددة من خلال روشتة العميد التي أرجو أن ننظر إليها نظر جد تنجينا من المجهول المنتظر.