باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
الروائي مبارك أحمد عثمان
أحمد بيلو يشبهني بنسبة 95%.. و"الوفاء للخلايا السرطانية" تدور بين
مصر والسودان
بدأت كتاباتي بالقصة القصيرة.. ولهذه الأسباب اخترت القاهرة منطلقا لمسيرتي الأدبية
يشارك الكاتب الروائي السوداني مبارك أحمد عثمان هذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ51 برواية "جوهرتان في أكفان الموتى" الصادرة عن درا أطلس للنشر والتوزيع، "جداريات" أجرت معه حوارا حول الرواية والأعمال الأخرى، فأكد أن العمل يقدم رسالة اجتماعية حول المرأة خاصة المطلقة وينتصر لها، وأن أحمد بيلو بطل الرواية يتماس مع حياته كثيرا، كما كشف أنه خاض تجربة القصة القصيرة قبل الانتقال إلى الرواية وأشياء أخرى جاءت في طيات الحوار في السطور التالية:
لكم أسعدني هذا اللقاء، لمن لا يعرفني، مبارك أحمد عثمان
من مواليد مدينة القضارف بالسودان عام 1971م، تخرجت في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم
في عام 1996م. وأعمل حاليًا كاتبًا بدولة
قطر.
منذ وقتٍ مبكر، أمسكت بالقلم لشتل الحروف في مسامات
الكلمات لتنبت نصًا جميلاً، وأول أعمالي الكتابية كانت قصة بوليسية بعنوان "زحف الأبالسة " في معارضة قصص "الشياطين الـ 13" الشهيرة آنذاك.
وتطور شغفي للكتابة إبان المرحلة الجامعية، وكان أول
مقال سياسي لي عام 1992م في الجرائد الحائطية بعنوان (التهميش التام.... لإبراهيم
نايل إيدام) عندما بدأ النظام البائد في السودان إعفاء ضباطها الانقلابيين لتمكين
جماعة الإسلام السياسي للانفراد بالسلطة فكان العميد إبراهيم نايل إيدام أول ضحايا
الإعفاء. وجد المقال قبولا غير منتظر، فرَكِبَنِي غرور الشَّيْطان؛ فطوّعت قلمي بعده
فأطاعني:
ما
الرسالة التي تحملها "جوهرتان في
أكفان الموتى»؟
إنها رسالة اجتماعية لحثّ الشباب للزواج من النساء
المطلقات، فليس كل امرأة مطلقة خبيثة المنشأ، لئيمة الطبع، دنيئة النّفس، فقد يجد المرء السعادة من المرأة المطلقة ما لا يجده
من الفتاة العذراء، وربما جلبتْ العذراء الشّقاء، فكل حياة زوجية خلت من السعادة
فهي حياة شقاء، فبطل الرواية "أحمد بيلو" تزوج من زميلته المطلقة "سلوى المعاليك" فوجدها فتاة عذراء لأنّ زوجها كان
"عنينًا" ويعاني من مشاكل ذكورية لا شفاء يرجى منها. فعاش معها "أحمد
بيلو" في سعادة مُسّكرة، ووجد فيها من العواطف ما فرّج همّه، وأشفى صدره وأثلج قلبه.
وتزوج الشّاب “الأمين تلج" امرأة مطلقة ووجدها أيضا فتاة عذراء لأن زوجها كان "متأنث" فوجد فيها من السعادة ما لم يجده من الفتاة العذراء، فقال مخاطبًا بطل الرواية "أحمد بيلو": "وجدتها فتاة "عذراء" كبيضةٍ مكنونة.... طَيِّبٌ ريحُها..... مليحٌ نحرُها..... فيها أنبلُ العواطف..... وأقدسُ المشاعر...... قلبها يفيضُ إِيماناً وتقوى...... دسمةُ الشراب...... لذيذة العناق، فزوجها لم يستطع فضّ عذريتها لأنه كان متأنثًا".
وهي أيضا رسالة للأمهات في دول الخليج لمراعاة الشعور النبيل لبناتهنّ والسماح لهنّ للتعبير عن مشاعرهنّ إبان فترة المراهقة ولو بقدر قليل في المناسبات الاجتماعية لتجنب ما هو أخطر في الجامعات المختلطة، فالرواية كشفت كم طالبة جامعية حاولت عبثًا للدفاع عن نفسها بيدّ أنها فقدت عذريتها لأنها عاشت حياة الانغلاق العاطفي في برجها العاجي، ولم تندمج في المجتمعات لتطوع بكلمة "لا" في وجه من يتحرش بها.
كما أنها رسالة سامية لطلاب الجامعات للتحلي بصفات الفضيلة وقهر النفس العمارة بالسوء عند توفر الملذات المحرمة، فبطل الرواية الرعوي "أحمد بيلو" لم تغوه مفاتن زميلته الحسناء "سلوى المعاليك" أثناء خلوتهما بفندق في تركيا عندما هيّئت له نفسها وقالت"هيت لك"، فقهر عاطفته الجامحة وأجاب: "معاذ الله أن أدنّس سيرتك العطرة، وأجلب لأسرتك الكريمة العار، فأنت طالبة نقية...، طاهرة... عفيفة... لم تمسها يد" فقد كان بداخله جمال النّفس الإنسانية فيعظم في نظرها.
غالبا ما يمر الروائيون بالقصة القصيرة قبل كتابة الرواية.. ألم يمر مبارك عثمان بهذه المرحلة قبل الدخول إلى عالم الرواية؟
كتبت أكثر من (15) قصّة
قصيرة في مذكراتي وضمّنت (6) منها في رواية "جوهرتان في أكفان الموتى" بلسان بطل الرواية "أحمد بيلو" الذي سطرها في دفتر محاضرات زميلته الحسناء "سلوى المعاليك". وجميع القصص مُدونة في باب "إيقاع
قلب الفتاة...في شراك الدهاة".
إلى أي مدى تماست رواية جوهرتان في أكفان الموتى مع السيرة الذاتية للروائي مبارك عثمان؟
الرواية تشبهني بنسبة 95%، فقد كنتُ لا أبالي أي مهنة أمتهنها في الصبا، وتحمَّل ثقلَ الكدِّ حتَّى لا أشربَ مِن كأسِ الذُّلِ قطرة، فالعمل ليس عيبًا، وهكذا فعل بطل الرواية "أحمد بيلو" تمامًا عندما تزوج من زميلته الثرية "سلوى المعاليك" فعمل حمالًا في حظائر البهائم، ليسدَّ رمق جوعه عندما لم يجد وظيفة. ويعود في المساء وبدنه يفوح برائحة عبق البهائم والروث فتقول له سلوى معاتبة:
"إنَّك تُحمّلُني حُزنك، منظرك تعافه النُفوس، ويندى له الجبين، لمَ لا تطلب مني مالاً وتتركَ هذه المهنة الرذيلة؟". يجيبها بعزّةِ النفس:
"يا عزيزتي، ليس في الدُّنْيا رذيلة، غير طلب المعونة مِن الزوجة". تنفجر عاطفتُها، فتسيل دموعُها فتقول:
"فوالله، لبسط يدك
لزوجك، لأشرف لك مِن هذه المهنة".
تزيده دموعها كبرياءً:
"وتالله، لكف اليد عن
الزوجة، والعمل لحمل شاة بكتفٍ، ونحرِ ناقةٍ بسيف، لهو سبيلُ الفضيلة".
تقول بحكمة:
"نحنُ نَسَبُ مودَّة،
ونَسَبُ فِراش، وما جرى في ظنّي، أنّك ستجعلُ المالَ حاجزاً بيننا".
وتماست مع سيرتي لأني كنت أكفّ يدي عن السؤال عندما
أعمل مع ذوي المالِ، فالسؤال يُوردُ مهالكَ التسوُّل، ومَنْ تسوَّلَ، فقد رضي
بالإهانةِ حَظّاً، وبالذِلةِ نصيباً، فكفّ اليد يقرِّب المرء مِن الغِنَى، ويباعدُه
مِنْ الفقر، وهكذا فعل بطل الرواية "أحمد بيلو" عندما نزلتْ به نكبةٌ
مِن النكباتِ المالية، فعزم إلا يمد يده إلى والدة زوجته "سلوى
المعاليك" حتى لا يرى أَنّه رجل متسول كما توهم والدها قبل زواجها أن
"بيلو" رجل متسول، وفقير أجرب.
وتماست مع سيرتي في حياة البساطة، والعيش على الكفاف، والعفو عند المقدرة، والتسامح والتحلي بصفات الفضيلة وهكذا كانت سيرة "أحمد بيلو" في الرواية.
ألا ترى أنك تأخرت في إصدار أعمالك؟
لي حجة بيّنة في ذلك، فقد كنت أتهم عقلي بالكساد، أحسسّت أنه ينقصني الكثير من المعرفة لأكون جديرًا بالكتابة، وكلما تمهلت كثيرًا كان عملي أثمن وأجود، وكلما تسرعت كان عملي أقبح وأسمج، فرحت أردد بصري في كتب الأدب، وأقلب عقلي في كتب المرسلين ورسائل الأولين فدخلت مرحلة النضج.
ثمّ أني لست أركض وحيدا في هذا المضمار، فقد سبقتني الأديبة والناقدة التونسية الرائعة فتحية دبش بإصدار بكورتها إنتاجها الجميلة "رواية ميلانين" في عام 2019م رغم مسيرة أدبية رائعة، ورحلة طويلة تنقطع دونها الأنفاس في كتابة القصص القصيرة الشيّقة.
وكما سبقني الأديب السوداني والمقالات والقاص المميز الأستاذ عمر الصايم أيضا بإصدار روايته الأولى "مارخدر" في عام 2015م بعد مسيرة حافلة في كتابة القصص القصيرة الأدبية في الصحف والمجلات.
وعندما أحسست فقط بأني أستطيع أن أقدم عملا رائعا قد يجد قبولًا من القراءـ لحظتها شرعت في إصدار الرواية.
لك روايتان قيد الطبع رواية «الوفاء للخلايا السرطانية»، ورواية «هاشم وليمة».. ما ملامح العملين؟
الوفاء للخلايا السرطانية تتحدث عن حرب دارفور عام 2003م وفرار بطل الرواية إبراهيم كديس بأعجوبة من معارك تطهيرية شنّتها مليشيا الجنجويد في السودان، طحنت آلة الحرب قريته "مهاجرية" التي تقع شرق نيالا طحن الرحي بثفالها، ودكّت قذائف طائرات الأنتنوف الطائشة حصون أُسرته الآمنة وسوّتها مع الأرض. فوجد جسد أبيه الواهن أشلاءً.... وأطراف أمه الطاعنة متناثرةً، ودماء أخواته تسقي الأشجار وينتهي به الفرار إلى مصر ليتعرف على بطلة الرواية/ لين الغالي التي تأويه إلى حضنها، وتغدق عليه بمالها دون أهلها فيتزوجها وتصاب بالسرطان فيؤجل الانتقام من الجنجويد لحين أن يوفي لها في بقية حياتها ولو قليلًا لتمريضها ولكنها تموت.
أما ملامح رواية "هاشم وليمة" فهي عبارة عن درويش متصوّف في الخرطوم، يرتدي جلباب مرقعاً بألوان زاهية خضراء، وسروال قصير يصل فوق نصف ساقيه، حافي القدمين.... حاسر الرأس...شعره متناثر وضارب في الشيب...يحيط بوجهه المضيء لحية طويلة غير مهذبة ومصبوغة بالحناء، ويطوقّ نفسه بمسبحة طويلة من ثمرة " اللالوب" تسمى الألفية لاحتوائها على ألف حبة وتتدلى بحرية وتلتف حوله، وعلى مقربة منه مبخرة تتصاعد أبخرتها حوله. يظن الناظر إليه أنه "مجنون".
ويرى هذا الدرويش في الحضرة الصوفية ما لا يراه الشاهد، وينكر بالحجة ما يظهر بالعيان، ويعالج المصروع بالصفعة، والمشلول بمياه الأمطار، وكان أكثر مريديه من النساء. فكان يضرب الزانية بيده في مؤخرتها حتى لا تزني، ويُقبّل الكاذبة في شفاها حتى لا تكذب وتخوض في القطيعة. ويغمز الصدور الناهدة، ويغرص الخدود الناضرة حتى لا تتبرج المرأة وتكشف مفاتنها.
كيف يأتي اختيار البدايات والنهايات في أعمالك؟
أن تحمل البدايات رصانة اللغة والإثارة والتشويق للقارئ منذ أول صفحة لتسكن في روحه، وأختار النهايات بأن أجعل القارئ يحسّ بالشجن والعاطفة نحو أبطال الرواية وتترك أثرًا حزينا في نفسه، فهكذا كانت نهايات الرواية بأن تعاطف القراء مع الحسناء "سلوى المعاليك" لأنها "عقيم" لا تنجب، فمن يرث ثورتها المفاجئة التي تركتها أمها إلا ابن يخرج من أحشائها؟ فتدفن ألمها تحت السجود ويظهر ذلك في النص التالي:
أقبلتْ في إجراء الفحوصات الطبية، ولم يظفر الإنجاب بأدنى أمل، استسلمتْ للقدر، عزفتْ نفسها عن الزينة، فتركتْ جمالها للفطرة، نذرتْ ما تبقى من حياتها للنسك والعبادة، أكْثَرتْ منْ أعْمال الخيّر والصدقة، دفنتْ يأسها في طول السجود، بعدما يئستْ من المحيض. فقالت سلوى تخاطب زوجها "أحمد بيلو" عندما ورثت تركت أمها:
(مالي ولهذه الأملاك إنها لك وحدك! آه والله ما تمنيت مثل طفلاً يبكي بين حجري فيعزيني، ويبتسم في وجهي ويسليني إذا لبست رداء الشيخوخة، ... آه ما أقسى حرمان الأمومة)
تقوم رواية
«جوهرتان في أكفان الموتى» على البطل أحمد بيلو وحبيبته سلوى» من خلال تيمة الحب
التي تجسد قضية الطبقية وهذه تيمة اشتغلت عليها أعمال سابقة فما الجديد الذي تقدمه
في روايتك؟
وتيمة الحب عادة تزين
النّص وتزكيه وتجعله جاذبًا للقراء، فلا يوجد عمل روائي أو شعري أو نثري يخلو عن
الحب، فمعظم الروايات العالمية التي تعاطت الحب كانت جاذبة فخذ مثالًا رواية "الحب في زمن
الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز، ورواية نجيب محفوظ “الحب
فوق هضبة الهرم".
وفي الشعر، معظم أشعار
نزار قباني كانت عن الحب حتى لُقّب بشاعر الحب ولا ننسى الشاعر محمود درويش في
ديوانه الرائع “أحبك أو لا أحبك”.
الجديد في الرواية، أنها تتناول لوعة الحب في ظاهرها، ولكن في باطنها رسالة اجتماعية أخلاقية عبر بريد الحب لحثّ الشباب للزواج من النساء المطلقات.
ماذا تمثل المرأة لمبارك عثمان عموما وفي أعماله بشكل خاص؟
المرأة عمومًا هي من ترفع شأن السرد والحوار وترقيه، وهي من تحرك الأحداث في الرواية، فالمرأة في أعمالي ليست هي الأم والأخت والزوجة أو الحبيبة، بل هي ذلك السحر الذي يرفع من قدر الرجل إذا وافق مزاجها العاطفي، وتحطّه إذا خالف غرائزها مهما كان منزلة الرجل. ويتمثل ذلك في أن بطلة الرواية الحسناء "سلوى المعاليك" كرهت حبيبها الوسيم في الجامعة "عادل"، لأنه يتزين بزينتها، وكان عادلًا على درجةٍ مُتناهِية من الوسامة في الوجه، والجمال في الأناقة فقالت لبطل الرواية "أحمد بيلو":
"لا يكون هذا الفتى وسيمًا في نظري حتى يكون طاغي الرجولة قوي البنية، وعندما اكتشفت فيه أنوثته وإفراطه في الزينة، اشمأزت نفسي، وتقيأت معدتي فكيف يتزين بزينتي؟ فلن أتزوجه. لن أتزوجه".
تضيف:
"أريد زوجًا صلدًا، صخرًا، يابسًا كالحطب، عندما أضربه براحتي، يسقط من جسده دُرابة "حجر".
وكانت تشير بذلك ضمنا إلى بطل الرواية الرعوي العملاق والوحش الإفريقي "أحمد بيلو" ليتزوجها، فقالت تمازحه:
"لم يخدعني شعوري منذ أول وهلة رأيتك فيها
إنك.... فحلٌ جميل تعيش في مجاعة شهوانية، طوبى لتلك التي تشعلها بحرائقك".
لماذا اخترت مصر منطلقا تدشن من خلاله مسيرتك الأدبية؟
جاء ذلك متزامنًا مع بداية انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورتها الـ51، ومعلوم أن مصر منتدى ثقافى للأدباء ولا ينكر أحد دورها الرائد في حركة الإبداع ونهضتها، فضلاً عن توفر دور النشر. فرأيت أنها المكان الأنسب للانطلاق، وستجعل الرواية سريعة الانتشار، حيث إن عدد الحضور يفوق أي معرض آخر.
ماذا يمثل لك كلا من: -
نجيب محفوظ:
يمثل أبو الأدب العربي بلا جدال، ومؤسس الرواية العربية الحديثة بلا منازع، قدم أعمالًا عظيمة في الروايات التاريخية مثل "رودابيس، وعبث الأقدار وكفاح طيبة"، ثم الروايات الاجتماعية التي تدور أحداثها في الأحياء وفي الطبقات الوسطى مثل روايات "زقاق المدق والقاهرة الجديدة، وخان الخليلي" ثم عرج على الروايات الملحمية مثل روايات "أولاد حارتنا" وانتهاءًا بالرواية العبثية مثل روايات "ميرامار وثرثرة فوق النيل ويوم قتل الزعيم". أديب لا يجود الزمان بمثله.
الطيب صالح
يمثل نموذجا لامتلاك أدوات الإبداع الروائي الناجح، ورواية "موسم الهجرة إلى الشمال" تقف شاهدة على إبداعه وتفرده في الكتابة ولم تزل مادة أدبية عميقة قابلة للقراءة والتحليل والدراسة جيًا بعد جيل، من أمعن النظر في عمق رواياته يجدها رسائل لتأصيل المحبة والوئام والتسامح.
عماد البليك
يمثل متعة القراءة وشهيتها، لا يملّ القاري معنى كلماته ولا يضلّ مغزى عباراته، ولا أعلم أدبيًا أكثر نتاجًا ولا أعمّ فكريًا في المعرفة منه، ولا أديبًا جمع بين الصحافة والأدب، والنقد والتأليف كما جمع المفكر الشاب والروائي عماد البليك إذا قارن المرء بين حداثة سنّه (48 ربيعًا)، وقُرب ميلاده (1972)، وتتجلى عبقرية البليك كونه يملك حاسة قياس لغة السرد والحكي، وأي لغة تليق بالرواية وما موضع حسنها وقبحها، فدوّن بصفحته بالفيسبوك" البعض يكتب حزمة مقالات ويسميها رواية"، وكتب أن لغة الرواية الخالدة "موسم الهجرة للشمال" لا تصلح لكتابة الرواية اليوم. لأنها تجاوزت مفهوم اللغة الشعرية، فمن يكتب بذلك إلا أديبًا يملك ناصية الأدب وأدواته الكتابة كعماد البليك؟ وتمثل رواية "شاورما" أعظم ما كتب البليك!
عمر فضل الله
ظاهرة أدبية تاريخية متفرّدة بلا منازع، ومتميّزة تجمع بين الخيال الأدبي والحقيقة التاريخية، رواياته هشّت لها الأسماع، وارتاحت لها القلوب واتصلت بالأذهاب فلا تنسى. أعماله قوالب أدبية مستوية الجودة، رائعة الحكي، وبسرده الجميل أعاد إلى الرواية السودانية روحها وبهائها بعد غياب الطيب صالح في الثرى.
رواياته أثرت المكتبة العربية، تعرّفت عليه عبر أعماله الأدبية قبل أن التقيه عشية فوز روايته "أنفاس صليحة" بجائزة كتارا عام 2018م. مدحه الناقد السوداني/مجذوب عيدوس: "تعلمنا أن النّص وحده يقدم كاتبه".