رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

صلاح جاهين من " ناصر يا حرية " إلى مباركة كامب ديفيد

  • حاتم السروي
  • السبت 15 يونيو 2019, 9:08 مساءً
  • 3455
صلاح جاهين الفن والفكر والصدمة والانتحار

صلاح جاهين الفن والفكر والصدمة والانتحار

صلاح جاهين يكفر بالثورة ويكتب " خلي بالك من زوزو "

الناقد السينمائي سمير فريد: جاهين انتحر والانتحار متاح للجميع وتحريمه وهابية عفنة

بهاء جاهين يرد: عيب  يا سمير

صلاح جاهين يحب على زوجته ويخبرها فتطلب الطلاق

صلاح جاهين يعلم بمرض والده فيختفي

لا يبدو لكل متأمل أن آراء الناس تستمر على وتيرة واحدة، فالكثيرون غيروا آرائهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس، وتتعدد أسباب هذا التغير بين تغير القناعات بسبب التفكير العميق وبين الصدمات التي يتعرض لها البعض.

من بين أولئك الذين غيروا آرائهم من النقيض إلى النقيض وبشكل يثير التساؤل هو الراحل صلاح جاهين الذي كتب الكثير من الأغنيات الحماسية في تمجيد الرئيس عبد الناصر والتي غناها له عبد الحليم حافظ ولحنها كمال الطويل ثم حدثت له أكبر صدمة في حياته وهو المعروف بحساسيته المفرطة، وذلك بعد أن تواترت الأخبار بالهزيمة في الخامس من يونيو سنة 1967 عندها فقد جاهين معنى الأمل في مستقبل زاهر لمصر وهو الذي كان يحلم بدار أوبرا في كل قرية قرية وتماثيل رخام على ضفاف الترع والمصارف!، وفقد إيمانه بمبادي ثورة يوليو وشعر بأنه باع الوهم وروج الكذب وشارك في أكبر خديعة عرفها التاريخ المصري الحديث.

وقد دخل جاهين في نوبة اكتئابية كبرى، والحق أن تلك النوبات لم تكن جديدة على جاهين، فشخصيته العبقرية يمتزج فيها الفن مع الكآبة، وقد عرفت عنه تصرفات عجيبة تكاد تقترب من الجنون.

من ذلك مثلاً أن زوجته الصحفية سوسن زكي طلبت منه الطلاق بعد أن صرَّح لها بحبه للسيدة منى قطان، وبعد طلاقها منه وزواجه من منى قطان عاد إليها بعد أن عرف أنها لا زالت تحبه وأنها تقدر العشرة التي كانت بينهما وقد حكى جاهين نفسه عن تعدد زوجاته في حلقة مسجلة بالأبيض والأسود مع الإعلامي طارق حبيب في مرحلة السبعينيات، وكان إلى ذك كثير الاختفاء وكلما أصيب بأزمة في حياته اختفى، وقد مرض أبوه بالسرطان فاكتئب وقرر الاختفاء وظل عشرة أيام لا حس ولا خبر حتى لجأت أخته إلى عبد الحليم حافظ علَّها تجده عنده فأخبرها العندليب أنه لا يعرف عنه شيئاً لكنه بالتأكيد سيعثر عليه، وفوجئ قراء الأهرام بإعلان من عبد الحليم لا يقل جنوناً عن جاهين حيث كتب فيه: " ارجع يا صلاح أهلك بيدوروا عليك " وعاد صلاح إلى المنزل ليكتشف أهله أنه كان مختبئاً في منزلهم بالإسكندرية الذي يصيفون فيه!!.

وبعد وفاة الرئيس عبد الناصر ألف جاهين بعض الأفلام والأغاني وانقلب على كل المعاني التي يدعو إليها في أشعاره وأغانيه فيما يبدو أنه كفر بالثورة ومبادئها، ومن ضمن الأفلام التي كتبها " خلي بالك من زوزو " وقد لقي بسببه انتقادات عديدة وبالأخص من الطلبة اليساريين الذين كانت تموج بهم الجامعات في ذلك الوقت، ولم يعرهم جاهين أذنيه ولا اهتم بكلامهم بل على العكس بدا أنه سعيد بإيرادات الفيلم الذي بقي في دور العرض مدة 56 أسبوعاً متصلاً ليحقق بذلك رقماً قياسياً بالنسبة إلى الأفلام التي سبقته أو التي تزامنت معه.

وبحسب الكاتبة نهى الخشاب في موقع مبتدأ الإلكتروني فقد أيد جاهين سياسات الرئيس السادات وكان من أشد مناصريه حتى أنه دافع عن اتفاقية السلام وانتقد كل من هاجمها ويقال أن هذا قربه من السادات، وربما فسر لنا هذا الانتقاد اللاذع المرصع بالشتائم الفاخرة التي كالها له الراحل نجيب سرور.

وفي عام 1986 وصل جاهين إلى السادسة والخمسين من عمره وأصيب بأزمة نفسية حادة واكتئاب شديد أحزن كل أصدقاءه ومحبيه حتى أن الفنانة سعاد حسني عندما رأته أصيبت بالاكتئاب هي الأخرى، وحتى الآن لا نعرف إذا كان جاهين قد مات منتحراً أم لا؟ وبحسب إحدى الروايات فإنه قد انتحر ولم ينتحر، وتفسير ذلك أنه فقد  شهيته تحت تأثير الاكتئاب ولم يشعر بما حوله ورفض الطعام لمدة ثلاثة أيام فمات، ومن العجيب أنه في الوقت الذي حاربت فيه أسرته ولا تزال تلك القصة التي شاعت عن انتحاره وأفادت بأنه مات بسبب اختلاط الأدوية الكثيرة التي كان يعالج بها من أمراضه، وجدنا الناقد السينمائي سمير فريد يؤكد أنه انتحر  في جريدة المصري اليوم وعلى شاشة إحدى القنوات الفضائية وهو تصريح مسجل وموثق ثم يشفع ذلك بسؤال أكثر إثارة للعجب وهو " ما المشكلة في الانتحار؟؟ إن الذين يحرمون الانتحار هم أصحاب الفقه البدوي الوهابي العفن، فالانتحار متاح ومباح للجميع، انتحروا حتى تتخلصوا من أوجاعكم أيها التعساء " تلك هي فحوى كلامه وهو كلام لا يستحق عناء الرد، ومع ذلك رد عليه الشاعر بهاء جاهين ابن الشاعر الراحل وقال " عيب تقول صلاح جاهين انتحر ".

وسواء انتحر صلاح جاهين أم لم ينتحر فإن نوباته الاكتئابية المتتالية تدفعنا إلى التساؤل عن تاريخنا المعاصر كيف تكون كتابته وكيف يمكن تلقيه، إن المعاصرين لهزيمة 67 أعادوا النظر في مواقفهم وانقلبوا إلى الضد ودعموا بكل حماسة سياسات مختلفة تماماً ولا يزال البعض يصرون على طرح النظرة الموضوعية جانباً والتعامل مع الحقبة الستينية باعتبارها العصر الذهبي والنموذج الأمثل، ولازلنا نريد معرفة الحقيقة وقراءة التاريخ بشكل أكثر اختلافاً وحيادية.


تعليقات