باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
د. وليد كسّاب
تتداول وسائل التواصل
الاجتماعي منذ أيام منشورًا لواحدةٍ تدَّعي أنها كَتبتْ روايتها الأولى بطلبٍ من
دار نشرٍ رأت فيها روائيةً لا تُبارى.. ليست هذه هي المشكلة؛ لكن المشكلة أنها
أنجزت الرواية في أسبوعٍ فحسب!!
ولو صحَّ المنشور لكان مصيبةً
جديدةً تُضاف إلى مصائبنا العظام؛ فالكتابة
الروائية ليست رفاهيةً.. ولا هي مجرد سردٍ لأحداثٍ متلاحقةٍ، ولا هي حبكة درامية
أو فيلم (أكشن)؛ لكنها مشروعٌ متكاملٌ يحتاج إلى كَدٍّ وتعبٍ حتى يخرج النَّصُّ في
قالبٍ مَشُوقٍ مستحقٍّ للنشر.. أقول: "مستحق للنشر" وليس مجرد النشر؛
فالمطابع صارت تقذف من أرحامها كل غثٍّ وسمين، وأضحى القراء أسرى لدى (السوشيال
ميديا) والإعلانات الممولة يتلقَّفون هذا الطرح دون تدقيق أو تَرَوٍَّ.
والحقيقة إنني
أُصاب بكثيرٍ من الإحباط عندما تأتيني بعض الروايات من دور نشرٍ لتقييمها والنظر
فيها؛ فإذا بي أجد مُتصِّدرين للكتابة لم يستكملوا أدواتها وتقنياتها ولا يُقيمون
جملةً عربيَّةً صحيحةً.. فهل تكفي مشاهدة الأفلام الأمريكية لعمل حبكة درامية؟ وهل
قراءة روايةٍ أو روايتين أو حتى بضع رواياتٍ تكفي لكتابة روايةٍ متكاملةٍ؟!
لا شكَّ أن الكتابة
الروائية مضنيةٌ ومرهقةٌ للكاتب المُجيد الذي يحترم نفسه ويحترم قُرَّاءه،
والأمثلة على هذا كثيرة جدًّا؛ ولعل أبرزها –إذا نظرنا إلى التنوع التاريخي
والجغرافي على سبيل المثال- الروائي نجيب الكيلاني الذي يصول بينا ويجول جغرافيًّا
وتاريخيًّا؛ فرواية (عذراء جاكرتا) تدور أحداثها في إندونيسيا، و(عمالقة الشمال)
في نيجيريا، و(الظل الأسود) في إثيوبيا، و(ليالي تركستان) في تركستان كما يبدو من
اسمها، وغيرها من الروايات.. وفي كل روايةٍ يستذكر جيِّدًا تاريخ البلد الممتد
وجغرافيته وعاداته وتقاليده حتى يخرج العمل متكاملًا.
وهناك أيضًا الرواية الأيقونة (السائرون نيامًا) وهي من أجمل
الروايات التي أظهرت براعة سعد مكاوي في هضم الموروث التاريخي وإخراجه في عملٍ
أدبيٍّ مائزٍ من العيار الثقيل.. ففي الرواية صورةٌ حيةٌ نابضةٌ لحياة مصر نهاية
دولة المماليك، وما مرَّ بمصر من فقرٍ وجوعٍ..
فلا عجب أن تكون ضمن قائمة أفضل الروايات العربية عبر التاريخ.
كذلك أعمال
العم الجميل محمد جبريل التاريخية تنبئ عن رجلٍ يذاكر حتى يخدم أعماله.. يدرس
المرحلة بكل تفاصيلها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية، حتى الشتائم التي كانت
معروفة في ذلك الوقت أحسن الرجل توظيفها، ولعل أشهر رواياته في هذا الإطار
(قلعة الجبل) وهي تُظهر مدى هضمه لهذه الحقبة التاريخية المهمة.
ومن الروائيين المعاصرين الأستاذ محمد منسي قنديل، وله روايتان يبدو جهد
الروائي فيهما واضحًا: الأولى: رواية (قمر على سمرقند) وتدور أحداثها في مدينة سمرقند بدولة
أوزبكستان حاليًا، والثانية: رواية (كتيبة سوداء) وتدور أحداثها بين أفريقيا والمكسيك ..إلخ. ورغم
أنها ليست الأفضل بين رواياته لكنه بذل فيها جهدًا جهيدًا، فبحث في التاريخ
والجغرافيا لعدة دولٍ، وذاكر عادات الشعوب في مأكلها ومشربها وملبسها.
وهناك أيضًا: الروائية
التركية الأشهر (أليف شفق) التي تخرج علينا بين الفينة والأخرى برواية (متعوب عليها).. يعني
تكتبها بعد دراسةٍ عميقةٍ لعدة فروعٍ من المعارف كالفلسفة والتاريخ وعلم النفس
والاجتماع وغيرها، حتى علم المخطوط (الكوديكولوجيا)، وتشهد على هذه الجهود
رواياتها (قواعد العشق الأربعون) و(لقيطة إسطنبول) و(الفتى المتيم) و(حليب أسود) وأخيرًا
(الفتاة التي لا تحب اسمها) وغيرها من أعمالها الأدبية التي تستحق الثناء على
تقنياتها وإنْ اختلفنا معها في كثير من توجُّهاتها الفكرية.
فيا
مَنْ تدَّعون كتابة الرواية دون أن تبلغوا مبلغها؛ إنَّ السفينة لا تجري على
اليَبَسٍ! فرفقًا بالقراء وبأنفسكم!
***
كتبه
وليد عبد الماجد كساب
عضو اتحاد كُتَّاب مصر