ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
الكاتب الملحد إسماعيل أدهم
لم يعد الإعلان عن الإلحاد أمراً مفاجئاً للكثيرين، فقد أعلن البعض إلحادهم في مصر وذلك بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ولعل أشهرهم الملحد أحمد حرقان، غير أن إعلان الإلحاد في حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين كان اعترافاً صادمًا وتصريحًا جريئاً يصل حد الوقاحة في مجتمع كان ولا يزال يؤمن بالأديان ويرتبط وجدانيًا بالإسلام ويبني المساجد ويحترم العلماء.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القراء الآن: من هو الملحد الذي جازف وأعلن إلحاده للكافة وصرَّح بكفره أمام الملأ؟ إنه إسماعيل أدهم الكاتب التركي الذي عاش في مصر وحصل على الدكتوراه من موسكو في علوم الرياضيات ومات منتحراً عام 1940 وهو في شرخ الشباب.
وقد أخرج إسماعيل أدهم قنبلته الفكرية على هيئة كتاب جعل عنوانه "لماذا أنا ملحد" وإن أردنا فهو كتيب لأن عدد صفحاته ليس كبيراً كما أن مضمونه ليس بالعمق الذي يجعل منه وثيقة فكرية مهمة.
لقد انتمى إسماعيل أدهم لأسرة مسلمة ونشأ مسلمًا غير أن الشك بدأ يجول في ذهنه حتى وصل إلى الإلحاد الكامل وكتب فيه ونافح عنه وحاول أن يعطيع المسوغات العقلية وأن يفلسف هذه النزعة وقد ذكر أنه سعيدٌ مطمئنٌ بإلحاده لكننا لم نجد أثراً لهذه السعادة بل إن المتواتر عن هذه الشخصية من أخبار تفيد بحزنه وشقاءه.
وقد ذكر أنه سار على درب الإلحاد بعد دراسته للرياضيات في الإتحاد السوفيتي وكانت نتيجة حياته ودراسته هناك أنه خرج من الأديان وترك المعتقدات كلها وآمن بالعلم وحده وأن دهشته كانت كبيرة عندما وجد نفسه أسعد حالاً وأكثر اطمئناناً من حالته التي كان يغالب فيها نفسه وهو يحاول أن يحتفظ بمعتقده الديني ويجهر صراحة في كتابه فيقول: فأنا ملحد ونفسي ساكنةٌ إلى هذا الإلحاد مرتاحةٌ إلية وأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف!.
ويخبرنا الدكتور قدري حفني في إحدى محاضراته أنه في مرحلة الثلاثينيات والتي شهدت تعدد الأحزاب السياسية المختلفةبل وبزوغ حركة الإخوان المسلمين وجدنا الالمفكر الإسلامي " أحمد زكي أبو شادي " ينشر مقالة له بعنوان (عقيدة الألوهية) وفيه يطرح جذور عقيدة الألوهية في الإسلام، وقد أثار هذا المقال كاتباً مصرياً شاباً هو الدكتور إسماعيل أدهم الذي ما لبث أن رد عليه بمقالٍ مطول سماه " لماذا أنا ملحد" وقد حوله إلى كتيب فيما بعد، وفيه يروي ذكرياته الشخصية وهو يعاني الأهوال من جراء حيرته واضطرابه بين الشك والإيمان ثم انتهى به الأمر إلى الإلحاد الذي سكنت إليه نفسه واستقرت.
بيد أننا نفاجأ أن السعادة التي تحدث عنها أدهم كانت ادعاءاً محضاً وأنه كان تعيساً إلى الدرجة التي لم يعد فيها قادراً على التحمل فأنهى حياته بيديه وترك خطاباً بائساً إلى رئيس نيابة الإسكندرية يفسر فيه رغبته في الخلاص بالموت لأنه كاره للحياة زاهد فيها، وإمعاناً في الكفر يوصي في الخطاب بعدم دفن جثته في مقابر المسلمين وأن يحرق جسده الميت، وواقعة الانتحار هذه تكررت مع أسماءٍ عدة جهرت بإلحادها أو عُرِفَ عنها ذلك الإلحاد وهي تكشف لنا عن حالة الألم الوجداني الماثل في كيانات الملحدين وأنهم أناسٌ مرتعبون يخافون المصير رغم تصريحهم بتحدي الخالق ومقولتهم "إذا كان موجوداً فليهلكنا أو يعاقبنا " ذلك أن الملحدين يعرفون وجود الإله في قرارة أنفسهم لكنهم يغالبون إحساسهم ويدفنون خواطرهم ويتظاهرون بالإنكار.
ونلحظ من كلام إسماعيل أدهم عن نفسه أنه يقع دائمًا في التناقض الشديد فهو يخبرنا بالشيء وعكسه، من ذلك مثلاً أنه يتحدث عن والدته المسيحية فيقول: "وأمي مسيحية بروتستانتية ذات ميل لحرية الفكر والتفكير، ولا عجب في ذلك فقد كانت كريمة البروفيسور وانتهوف الشهير. ولكن سوء حظي جعلها تُتَوَفَّى وأنا في الثانية من سِنِي حياتي". والسؤال التلقائي الذي يبادرنما الآن هو: كيف عرف أنها كذلك، وقد ماتت وهو فى الثانية؟ أم تراه يزعم أنه كان من الوعى والعبقرية بحيث كان يستطيع، فى هذه السن التى لا يفهم الإنسان فيها شيئا أكثر من حاجته للطعام والشراب والسرور بالمناغاة والتدليل وما إلى ذلك، أن يدرك سعة أفق أمه وحريتها الفكرية؟
ورغم كلامه عن تعصب والده الشديد وتطرفه الديني لكننا نعرف منه أن أختيه كانتا مسيحيتين على ديانةوالدتهما معنى ذلك أن والده لم يكن متعصباً بالمرة وأن البيئة الإسلامية التركية التي عاش فيها كانت على استعداد لاحتواء من هم على غير الإسلام، ثم يحكي لنا أن أختيه كانتا تذهبان إلى الكنيسة، وحاصل هذا الكلام إذا أعملنا فيه المنطق أن الوالد لم يكفل لهما حرية الإيمان بالمسيحية فحسب بل إنه ترك لهما أيضاً حرية ممارسة الشعائر والصلوات، وقد كان طبيعياً أن يحاول تعليم ابنه إسماعيل مبادئ الإسلام وهيئة الصلاة وأركانها وأن يجعله يذهب لحضور الخطبة والصلاة يوم الجمعة وأن يطلب من زوج عمته تحفيظه القرآن، فأين التعصب في أمورٍ تعد من البدهيات؟
يبدو لنا والحال كذلك أن إسماعيل أدهم لم يعرف فضيلة الإنصاف وأن التعصب لم يأتٍ من المسلمين بل صدر ممن هاجمهم وأعمل فيهم قلمه ولسانه.
وقد عرّف أدهم الإلحاد بأنه: " الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته وأن ثمَّة لا شيء وراء هذا العالم " ويرى أن فكرة (الله) فكرة أولية كانت ضمن مستلزمات الجماعات البشرية منذ ألفي عام ومقامها كفكرة فلسفية أو مكانها في عالم الفكر الإنساني لا يرجع إلى ما فيها من عناصر القوة الإقناعية وإنما يعود لحالة يسميها علماء النفي بـ "التبرير" ومن هنا فإنك لا تجد لكل الأدلة التي تقام من أجل إثبات وجود السبب الأول الأول قيمة علمية أو عقلية، ثم يسترسل في كلامه غير القائم على أدلة فيقول: إن أصل فكرة الله تطورت عن حالات بدائية وأنها شقت طريقها إلى عالم الفكر من حالات الوهم والخوف والجهل بأسباب الظواهر الطبيعية وأن معرفتنا بأصل فكرة (الله) تذهب بالقدسية التي كنا نخلعها عليها.
وحتى الآن لم يقدم لنا الملحدون العرب منذ إسماعيل أدهم وإلى يومنا هذا أية أدلة مبنية على التفكير العقلاني بوسائله المعروفة عند الفلاسفة تثبت أن الله غير موجود وهي حالة عامة شملت معظمهم في مصر والعالم العربي فإلحادهم ليس له مبرر منطقي وهو حالة من المروق والتعبير عن الرغبة في التحلل والخلاص من القيود والتحريمات وقد توالت ردود العلماء على أدهم ومن ذلك الكتاب الذي ألفه الراحل عبد المتعال الصعيدي بعنوان " لماذا أنا مسلم " ولا يزال علماء الدين يتكلمون في العقائد بما يحفظ عقيدة المسلمين وما يثبت خواء الملاحدة وضلالهم.