معتز محسن يكتب: جون لوك.. الرافض للتسامح مع الإلحاد

  • معتز محسن
  • الأحد 22 ديسمبر 2019, 5:43 مساءً
  • 1132
الباحث معتز محسن

الباحث معتز محسن

يعتبر الفيلسوف والمفكر البريطاني جون لوك (1632 - 1704)، من رواد الفلسفة والفكر في العالم الأوروبي وقت عصر النهضة الذي انتشر في أوروبا بأكملها عقب الحروب الصليبية، وكسر تابوهات صكوك الغفران والحروب المقدسة التي اشتعلت من كلمة بسيطة قالها بابا الفاتيكان "البابا أوربان الثاني" : "اذهبوا إلى المشرق فهي بلاد الزبد والعسل".

الفيلسوف البريطاني جون لوك


في أوقات النهضة الأوروبية التي انتهجت مبدأ العلمانية، لفك الحصار المفروض على العقل باسم حرية الإبداع والابتكار والاختراع بعيدًا عن عيون متلصصة تراقب كل من يبتكر الجديد، كي لا يصاب بالهرطقة والتكفير لتظهر أفكارًا حرة تصل إلى حد إنكار وجود الله ، إستنادًا إلى الظلام الذي ساد أوروبا  بسبب التسلط الكهنوتي الذي أوقع الجميع في حيز الصدأ والتيبس.

وسط هذه البولفونية الزاخمة، خرج "لوك"بنتيجة منطقية أراد بها أن ينقذ الجميع من الوقوع في شرك الجانب الآخر من التطرف، بإعلانه الصريح عبر فلسفته الإيمانية بأنه لا تسامح مع الإلحاد في مقولته الخالدة: "لا يجوز التسامح أبدًا مع من ينكرون وجود الله، ذلك أن الوعود والمواثيق والأقسام التي هي روابط المجتمع الإنساني،لا حرمة لها ولا إعتبار لدى الملحد، لأن استبعاد الله حتى ولو بالفكر يحل كل شيء  ويحطم كل الفضائل التي أتى بها الدين من أجل إنقاذ البشرية من براثن الضلال والظلام، ومن هنا أعلن عن عدم تسامحي مع من ينكرون بوجود الله".

كلمات ذهبية نسجت بأنامل مرمرية ، لتحفر نفسها بين صفحات كتابه الخالد "رسالة في التسامح" الصادر باللغة اللاتينية في العام 1689 دون أن يوقع عليه اسمه، كنوع من جس النبض بذكاء المفكر ولمحة الفيلسوف لمن يسنون الأقلام ويعدون المقصلة لأصحاب الأفكار الجديدة كما وضح في مقولته: "دائمًا الآراء الجديدة ما تكون موضع شبهةٍ، وعادةً ما يقوم الناس بمعارضتها، من دون أي سببٍ وجيه يُذكر سوى أن هذه الآراء لم تصبح شائعةً بعد".

بدأ الناس يتساءلون عن صاحب هذه الأفكار المستنيرة الملتحفة بالوسطية المنشودة، وما إن نال الكتاب الإعجاب بدأت اللغات تتسابق في ترجمة المؤلَف المبهر ما بين الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والهولندية كدليل حي على شفافية الرسالة المطروحة في هذا الوسيط المُنير.

بعد ذلك أصبح المضمون رسالة خالدة على مر العصور ، ليؤكد في صفحات التاريخ بمدى كلاسيكيته وبقائه أبد الدهر عبر تحليلات الفلاسفة والمبدعين والنقاد وعلماء النفس كترياق فوري لمن صدأ قلبه عن ذكر الله.

تعليقات