رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

"من أنباء الرسل".. وجبة دسمة من الثقافة الدينية

  • حاتم السروي
  • الأحد 09 يونيو 2019, 11:20 مساءً
  • 1202
غلاف النسخة القديمة من الكتاب

غلاف النسخة القديمة من الكتاب

" من أنباء الرسل ".. وجبة دسمة من الثقافة الدينية

يقع كتاب " من أنباء الرسل " الذي أعادت دار الشعب طبعه مؤخراً ضمن سلسلة كبيرة وفخمة من عيون الكتب التي تحدثت عن قصص الأنبياء، ولقد وصف الله أخبار أنبياءه الكرام بأنها أحسن القصص ففيها العبرة والعظة والتسلية لنبينا صلى الله عليه بعد أن ناله المشركون بالأذى وسخروا منه وأغروا به سفهائهم ورموه بالحجارة في الطائف حتى نزل الدم من جبهته الشريفة ووضعوا على ظهره سلا الجزور وهو ساجدٌ في حرم الله كما وضعوا الشوك في طريقه؛ فجاءت قصص الأنبياء لتدخل الصبر على قلبه  ولتخوف وتنذر مشركي مكة من عاقبة كفرهم.

ومؤلف الكتاب يتسم بعمق الثقافة الدينية وكثرة القراءات وجدية البحث وقد جدَّ في قراءة بعض الكتب قبل أن يشرع في كتابة هذا السِّفر النفيس ولعل أبرز ما قرأه في ذلك السياق كتاب " قصص الأنبياء " للأستاذ عبد الوهاب النجار، و" قصص القرآن " لجاد المولى، و "عرائس المجالس " لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي .

وفي التفسير قرأ تفسير النسَفي المسمى " مدارك التنزيل " وقد أبلى صاحبه بلاءً حسناً في ميدان النحو والرواية، وقرأ " مفاتح الغيب " لفخر الدين الرازي وهو أوسع كتب التفسير أفقًا كما يرى وأكثرها تفريعًا واستنباطاً، وقرأ بعد ذلك " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير والكشاف للزمخشري، وروح المعاني للألوسي وتفسير الخازن والقرطبي والبيضاوي.

كما أنه قرأ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وخرج من هذه الجولة بمعلومات وأخبار انتقاها بعناية مع حكم صادق كما يقول على ما تم دسه في ثنايا هذه الكتب من إسرائيليات وتخاريف وخاصةً ما تم وضعه ضمن كتاب عرائس المجلس للثعلبي حيث أن فيه الكثير من أوهام اليهود وشعوذات المجوس بحيث يشعر قارئه في بعض الأحيان أنه يقرأ حكاية من (حكايات ألف ليلة وليلة) والجدير بالذكر أن في هذا الكتاب أيضًا من الآراء القيمة والدرر الغوالي ما يؤكد لنا أن ما في العرائس من الحشو والترهات واللغو مفضوح هو منتحل على صاحبه.

ويخبرنا المؤلف أن ما دفعه إلى تلك الجولة الشاقة المضنية هو حرصه على سلامة موقفه أمام ربه عز وجل يوم نأتيه فرادى ويسألنا كمسلمين عن موقف كل رسول مع قومه وموقف كل قومٍ مع رسولهم؛ فالمسلم شاهدٌ على الأمم السابقة جميعًا يوم القيامة والله سبحانه يقول " وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " ومن المعلوم أن الشهادة على السماع باطلة وإنما تنبغي الرؤية؛ فكيف نرى قصص الأنبياء؟ كيف نشاهد أحداثًا مضت وانقضت؟ تلك هي فحوى هذا الكتاب وذلك هو مبتغاه.

ويصل المؤمن إلى رؤية قصص الأنبياء إذا كانت عنده حق يقين، هكذا يعلمنا عبد السلام محمد بدوي، وبهذا يكون سماعنا للقرآن شهودًا ولعل هذا هو المقصود من قوله عز وجل " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد " ولتقريب المعنى يقول:

إن اليقين على ثلاث درجات: علم اليقين.. عين اليقين.. حق اليقين

وعلى سبيل المثال نحن نعلم علم اليقين أن هناك فاكهة اسمها التفاح ولكن بعضنا لم يرها بعد، فإذا رأوها أمامهم وقيل إن هذا هو التفاح أصبح العلم بالشيء عينا فإذا لمسوها وذاقوها انقلب العين حقا.

ومن هنا يلزم المؤمن أن يرى القصص القرآني بالدرجة الكبرى وهي حق اليقين ليعيش مع القصة وأحوالها ونقاشاتها وصراع الخير والشر فيها والنتائج التي أرانا الله إياها لتستتم العبرة وتكتمل العظة وتتحقق الذكرى ويستطيع المسلم أن يكون صادقًا في شهادته يوم الدين.

ولم يرد الكاتب أن يكون مصنفه تاريخًا يحصر كا ما دار في حياة أنبياء الله ورسله أو يسرد ما جرى فيها من أحداث؛ فحياة كل رسول بحرٌ زاخر بالصراعات المريرة والكفاح المضني وقد صالت فيها أقلام وكتبت عنها مؤلفات ضخمة ومجلدات فخمة، وإنما أراد المؤلف عرض بعض ما جال في خاطره حول قصص الأنبياء من أفكار راسخة في ذهن الكثيرين وتحتاج إلى تصحيح من خلال كتاب الله وسنة نبيه الكريم، فالعناية بتصويب المعلومات حول هذا الموضوع الجليل عملٌ محترم لما لها من أثر في العقيدة وعمق في السلوك العام.

كل هذا مع الاحتفاظ بهيكل القصة وتسلسلها وعرض جميع أحداثها ثم مناقشتها بطريقة تجعلك ترى قبل أن تقرأ، وقد حرص المؤلف على عرض ما يلائم الفطرة ولا يصطدم مع العقل ونبذ الأوهام والتخرصات، ويبدو الكتاب خطوة جادة وجيدة في سبيل فهم القرآن الكريم ودراسة قصص الأنبياء والاستفادة مما فيها من أحكام ودروس وعبر.

والكتاب يشن حربًا شعواء على ما حفلت به كتب التفاسير من أخبار الإفك التي لا تليق بأنبياء الله ومن ذلك مثلاً قولهم أن داود عليه السلام دخل محرابه ووقف يصلي ويقرأ الزبور فتمثل له الشيطان في صورة حمامة من ذهب فيها من كل الألوان الحسنة فوقفت بين رجليه ومد يده ليأخذها فبعدت فتبعها فطارت وأخذ داود ينظر إليها وبرتفع في إثرها حتى رأى (بَتْشَبَع) زوجة أوريا تستحم في بستان على بركة مياه وكانت عريانة وجميلة فأثارت داود ولما رأت ظله نفضت شعرها فغطى جسمها فازداد بها إعجابا، وكان زوجها أورِيَّا بن حنَّان الحيثي يحارب ضمن جيش داود في البلقاء مع ابن اخت داود؛ فكتب داود إلى ابن اخته أن يجعل أوريا أمام تابوت العهد الذي كان اليهود يتبركون به ويخرجونه في الحروب حتى ينصرهم الله وكان المتقدم أمام التابوت لا يحل له الرجوع إلا بالنصر أو الشهادة فقدمه ابن اخت داود فانتصر؛ فأمره داود أن يعيد معه الكرَّة فأعادها فانتصر، فأمره داود أن يفعل به كما فعل وأن يقدمه أمام التابوت ففي هذه المرة قتله الأعداء فترملت زوجته (بتشبع) ولما انقضت عدتها تزوجها داود والسرور يملأ قلبه.

وهي قصة كما نرى تصور داود عليه السلام رجلاً شهوانيًا يمتلئ حقدًا على أوريا الذي لا ذنب له ويدبر له مكيدة فيجعله في مقدمة الجيش حتى يهلك ثم يموت المسكين فيزوج داود امرأته بعد هذه الحيلة القذرة! وهذا كله مع أن الله يخبرنا عن عبده داود عليه السلام في سورة (ص) فيقول: " وأيناه الحكمة وفصل الخطاب "وقال عنه أيضًا "وإن له عندنا لزُلفى وحسن مآب" ومدحه فقال " نعم العبد إنه أوَّاب ".

ولعل ما سبق من الأخبار الكاذبة والحكايات البشعة هو ما جعل علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه فيما يرويه عنه سعيد بن المسيب يقول: " لو سمعت رجلاً يتحدث عن داود عليه السلام بما يرويه القُصَّاص لجلدته ستين ومائة " وذلك لأن حد قاذف الناس ثمانون جلدة وحد قاذف الأنبياء مائة وستون.

ويرد الكاتب أيضًا على من زعم أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني ويفنِّد هذا الرأي تمامًا بأدلة من القرآن الكريم وبراهين منطقية تتسم بالوجاهة ويكفينا أن نعرف قسوة الإسكندر وحرقه لأعداءه وادعاءه الألوهية بل إنه قتل أوفى أصدقاءه (كليتوس) حين لامه في دعواه الكاذبة بأنه رب يُعبَد ثم إن الإسكندر لم يتجه نحو الغرب، وهذه القسوة وذلك الكفر وتوجه المقدوني نحو المشرق ينفون تمامًا أنه ذو القرنين الذي رفض أخذ مقابل على بناءه للسد الذي يحمي الناس من هجمات يأجوج ومأجوج وإفسادهم في الأرض، كما أن سور الصين العظيم ليس هو سد ذي القرنين لأنه حجري والسد المذكور في القرآن معدني تم بناؤه من الحديد المنصهر الذي أفرغ عليه النحاس المذاب كما أوضحت لنا الآيات في سورة الكهف.

وختامًا يبدو لنا " من أنباء الرسل " سعيًا مشكورًا ومجهودًا يحفزنا لاحترام صاحبه وقراءة كتابه بعناية.

تعليقات