واقع الفيلم المصري بين الصعود والانحناء

  • حاتم السروي
  • الأحد 09 يونيو 2019, 6:07 مساءً
  • 1654
غلاف كتاب الفيلم المصري الواقع والآفاق للدكتور وليد سيف

غلاف كتاب الفيلم المصري الواقع والآفاق للدكتور وليد سيف

واقع الفيلم المصري بين الصعود والانحناء


صدر مؤخراً عن الهيئة العام لقصور الثقافة ضمن سلسلة آفاق السينما كتاب (الفيلم المصري.. الواقع والآفاق) للناقد السينمائي الدكتور/ وليد سيف، والكتاب دراسة عن واقع الفيلم المصري مع رصد وتحليل لتراجع السينما المصرية وانحدارها ثم محاولة الصعود مرة أخرى منذ عام 1997 حيث مثل فيلم (إسماعيلية رايح جاي) بنجاحه الجماهيري اللافت بداية المحاولة للنهوض من جانب صناع الأفلام السينمائية في مصر.

وتشمل الدراسة الفترة الواقعة بين عامي 1997 و2012 أي على مدى عقدٍ ونصف وكان الدافع إلى كتابة هذا المصنف كما يقول الدكتور وليد أن قراءة خريطة صعود الفيلم المصري وهبوطه والنظر إليها بعين الطائر باتت ملحة وحتمية نتيجة ما يثار دائماً عن تدهور أحوال السينما المصرية وفقاً لتصريحات الخبراء وصناع السينما والفنانين أيضاً.

فالسينما المصري لم تسترد عافيتها حتى الآن بالكامل رغم ظهور أفلام حاولت أن تخرج عن الإطار الهزلي وأن تقدم أعمالاً جيدة على المستوى الفني وتخاطب وعي المشاهد وما قيل عن أزمة السينما المصرية يتجلى من خلال عدة نقاط وهي كما رصدها الدكتور وليد سيف كالتالي:

-       السينما كصناعة لم يعد بإمكانها ملاحقة التطورات التقنية العالمية في أدنى مستوياتها.

-       كتجارة شهدت فشلاً في تحقيق الأرباح من السوق الداخلي أو حتى في الحفاظ على مصادر التمويل والأسواق الخارجية ناهيك عن عجزها عن توسيع هذه الأسواق.

-       وهي تشهد تراجعًا على المستوى الفني بشهادة النقاد ما يجعلها عاجزة عن التواجد بقوة في المهرجانات الدولية الكبرى، في الوقت الذي أصبحت فيه أفلام الشرق الإيرانية والتركية والهندية تحقق نجاحًا عظيمًا وتوجد لنفسها مكانة كبيرة على الساحة العالمية.

-       كما أنها عجزت عن التعبير عن قضايا المجتمع أو تلبية احتياجات الجماهير التي بدأت تنصرف عن هذا الفن بعد فترة من الرواج الكاذب.

-       كتراث لم تعد السينما ملك المصريين وأصبحنا نسمع كل يوم عن ظهور كيانات جديدة تسعى لامتلاك هذا التراث

وفي كتابه عن الفيلم المصري يتناول وليد سيف حقيقة هذه الاتهامات بالدراسة التحليلية المقارنة، ومن خلال الوثائق والإحصائيات يرصد واقع السينما المصرية بين الأمس واليوم أو بين بدايات السينما ورحلة صعودها كفن وصناعة وتجارة ثم سنوات انحدارها وتراجعها على كافة المستويات مع الرصد الدقيق لما آل إليه حالها في العقود الثلاثة الأخيرة وذلك لتحديد أهم مشكلاتها والمعوقات التي تواجهها والدور المفترض الذي ينبغي أن تقوم به الكيانات المعنية لإعادة الروح إلى السينما المصرية والوصول بها إلى مكانها اللائق كفن جماهيري محبوب وتجارة يمكن أن تدعم اقتصادنا القومي كما كانت تفعل في الأربعينيات والخمسينيات.

ويتحدث وليد سيف عن مرحلة ازدهار السينما المصرية إذ يبدو لنا أنها وصلت على المستوى الفني في خمسينيات القرن الماضي وحتى بداية السبعينيات إلى درجة تكاد تضارع أرقى الأفلام العالمية، وكان صناع السينما عندنا يلاحقون كل ما يطرأ على السينما العالمية من تقدم تقني على مستوى الصوت والصورة بل والخدع والمؤثرات الخاصة أيضًا، وقد برزت مؤسسة استوديو مصر في النصف الثاني من الثلاثينيات كأول كيان سينمائي اقتصادي كبير تم إنشاؤه على أسس علمية وحقق انتاجاً غزيراً ومنتظما.

وهكذا وصل الفيلم المصري إلى مرحلة القمة وتكامل في إنتاجه المميز مختلف العناصر الفنية وبدأت اللغة السينمائية فيه تتطور بشكلٍ لافت ومطرد اعتباراً من منتصف الستينيات لتعبر عن نفسها في أعمال فنية رائعة عكست فهمًا عميقًا للفن السابع.

وعلى سبيل المثال نجد أفلامًا على شاكلة (الحرام) للمخرج هنري بركات عام 1965، و(مراتي مدير عام) لفطين عبد الوهاب عام 1966، والزوجة الثانية لصلاح أبو سيف ، والبوسطجي لحسين كمال عام 1968، و(غروب وشروق) لكمال الشيخ وقد تم عرضه عام 1970، ووصلن هذه المرحلة المتميزة ذروتها مع فيلم (الأرض) ليوسف شاهين عام 1970.

بعد هذه المرحلة تراجعت السينما المصرية وشاهدنا أفلام السبعينيات بكل ما تحمله من تردي وأضحى من العسير جداً على أجود أفلامنا أن تصمد للمقارنة مع أفلام السينما العالمية، على أن وليد سيف يعود فيذكر لنا أن مرحلة الثمانينيات حتى منتصف التسعينات شهدت عددًا من الروائع المهمة والإبداعات تمثلت في عدة أفلام نذكر منها (سواق الأتوبيس) لعاطف الطيب عام 1983، و(الطوق والأسورة) لخيري بشارة في نفس التوقيت بحسب وليد سيف و(الكيت كات) عام 1991 ومخرجه داود عبد السيد، و(ليه يا بنفسج) لرضوان الكاشف عام 1993.

وقد عمد مخرجو هذه الأفلام إلى رصد التغيرات الحاصلة في المشهد الاجتماعي داخل مصر وكان عليهم أن يواجهوا السوق السينمائي الذي يخشى من أسمائهم الجديدة ومن الشائعات التي ارتبطت بهم ووصمت أعمالهم بتهمة عدم تحقيق الرواج التجاري ولكن أرقام الإيرادات كذبت ذلك فقد حاول بعضهم أن يوفق بين متطلبات السوق وبين أن يقدم السينما التي يحلم بها وهذا بحسب ما ذكره الناقد الفني أحمد رأفت بهجت في كتابه (مصر مائة سنة سينما) الصادر عام 1996 ضمن إصدارات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

على أن محاولات هؤلاء المخرجين لم تفلح في القضاء على التردي العام السائد في مجال السينما من كل الجوانب، بدءاً من مستوى الصوت الذي كان سبباً في ضياع الفرصة للعديد من أفلامنا في المشاركة بالمهرجانات الدولية وحتى مستوى الأستوديوهات والمعامل بل وصل التردي إلى دور العرض.

ويوضح وليد سيف أن ازدهار الإنتاج السينمائي في الثمانينات كان كمياً حيث انتمت أغلب الأعمال إلى سينما المقاولات وكان هدف صناعها أن تنزل في دور العرض لمجرد تسجيل تاريخ عرض سينمائي في مصر يسمح لها بالتصدير إلى الخارج لتصبح سلعة تباع في أسواق الفيديو وبعد أن قدمت السينما المصرية عام 1986 عدد 96 فيلم وجدناها تقدم عام 1997 سبعة عشر فيلماً فقط على أن الأمور تغيرت ابتداءً من هذا العام وشهدت السينما شيئًا من التعافي مع غلبة أفلام (كوميديا الفارص) أو الإضحاك من أجل الضحك وهي كوميديا تعتمد على الهزل فقط مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأفلام لم تقم على الدعائم الفنية التي يقوم عليها الفن الهزلي في الدول المتقدمة سينمائياً؛ فحتى أفلام الضحك من أجل الضحك تقوم على أسس لم يعيها منتجو هذه الأعمال ومن قاموا بتمثيلها أو ربما تغافلوا عنها، على أن وجوهاً مثل أحمد حلمي صاحب (عسل أسود) و(آسف للإزعاج) وأحمد السقا الذي أخلص للأكشن هي أسماء حاولت أن تقدم فناً حقيقياً وحتى الآن لم تتعافى السينما المصرية بالشكل المرجو وهناك نوعية من الأفلام لا تعرفها دور العرض رغم أنها تجذب المشاهد المصري مثل أفلام الرعب ولا يخلو الأمر من بعض المحاولات في هذا الإطار.

وحتى الآن يبدو الفارق بين الفيلم المصري والأجنبي في حجم الإنتاج الكبير للأفلام الأجنبية والصورة الجيدة والمبهرة والصوت بحيث تبدو إمكانيات الفيلم المصري متواضعة إذا ما قورنت مع الفيلم الأجنبي، والكتاب هو رصد لواقع السينما المصرية مع خلفية تاريخية جاءت في البداية وقد أصابتنا بنوع من الحسرة ويضع الكاتب يده على المشكلة ثم يبين طرق الحل ويكشف لنا الإمكانات المتوفرة التي يمكن استغلالها مع الأخذ في الاعتبار أن الاهتمام بالسينما تأكيد وتدعيم لقوتنا الناعمة وهي أيضاً صناعة يمكن أن تدر دخلاً جيداً إذا أحسنا استغلالها.

 


تعليقات