معتز محسن يكتب: نقطة تحول من مالكولم إكس إلى مالك شاباز

  • معتز محسن
  • الأربعاء 04 ديسمبر 2019, 6:39 مساءً
  • 741
مالكولم إكس "مالك شاباز"

مالكولم إكس "مالك شاباز"

في الأونة الأخيرة انهالت الاتهامات جزافًا على الإسلام كدين يدعو للعنف والسحل وسفك الدماء والعديد من الاتهامات المتنوعة، نتيجةً لتخمة الانشقاقات عن المنهج الحنيف، من أجل أغراض سياسية وسلطوية كانت المشهد الرئيسي فيما نعانيه الآن من تشوهات انتابت خاتم الرسالات.

في فترتي الخمسينيات والستينيات ظهر شاب أسمر يمتلك قوامًا طويلاً ، ووسامة من نوع خاص وعيونا يشع منها الكثير والكثير من التساؤلات والمفاهيم، إنه مالكلوم ليتل الذي تحول إلى مالكلولم إكس عقب دخوله الإسلام أثناء فترة سجنه بتهمة السطو من العام 1948 وحتى العام 1952 عن طريق جماعة أمة الإسلام برئاسة الأليجا محمد.

أصبح إكس خطيبًا مفوهًا ومتحدثًا رسميًا لأمة الإسلام، الجماعة المناهضة برداء الدين لعنصرية البيض تجاه السو ،  بشعارهم العجيب "السود هم شعب الله المختار!!".

من هذا الأساس انطلق "إكس" يدعو للمساواة عبر استخدام القوة والعنف مع الاستناد بما ورد في القرآن الكريم، عكس مارتن لوثر كينج قس كنيسة "إلبينزر" صاحب دعوة المقاومة السلمية، وبدأ نجمه  يعلو في الأفق من أجل اقتناص حقوق الإنسان والحريات من فم السلطة الأمريكية في عهد كل من "دوايت أيزنهاور ، جون كيندي ، وليندون جونسون".

بأوامر إكس كثرت الاحتجاجات والمشاكسات مع الأمن بحرق محلات وأملاك البيض، من أجل الانتقام لما حدث لأبيه القس "إيريل ليتل" في العام 1931 وهو في السادسة من عمره حينما رأه يقتل على يد عصابة "كلوس كلو كلان" عقب حرقهم لمنزلهم في مشهد مريع لم يرحل من مقلتيه حتى آخر العمر.

كل هذه الأحداث التي نسجها بإصبعه كآمر وناهٍ لأتباعه جاءت من تعاليم جماعة أمة الإسلام التي تدعو إلىتفوق الجنس الأسود وسيادته على الأبيض، ووصف البيض بأنهم شياطين وأن الملاك أسود والشيطان أبيض، فكانت عقيدة منحرفة باطلة أشبه بالحركات الباطنية، فقد أعلن زعيم الحركة إليجا محمد بأنه رسول من الله، وأن الإله ليس شيئًا غيبيًا بل يجب أن يكون متجسدًا في شخص وهذا الشخص هو "فارد" الذي حل فيه الإله وهو جدير بالدعاء والعبادة، لذلك فالصلاة عندهم هي قراءة الفاتحة مع دعاء مأثور والتوجه نحو مكة واستحضار صورة "فارد" في الأذهان. كان إليجا محمد لا يؤمن إلا بما يخضع للحس، لذلك فهو لا يؤمن بالملائكة والغيبيات والبعث عنده عقليًا للسود الأمريكيين فقط، والصوم عندهم في شهر ديسمبر من كل عام مع إلزام كل عضو بالحركة أن يدفع عُشر دخله لصالح الحركة، ويمكن القول أن هذه الحركة كانت تنظر للإسلام على أنه إرث روحي فقط سوف ينقذ السود من سيطرة البيض عليهم.

تنقل "إكس" بنشر الدعوة بين البارات والمراقص مع تعيينه إمامًا للعديد من المساجد التابعة للحركة ، وسافر في العام 1959 إلى مصر وغانا والسعودية وسوريا وقابل الرئيس جمال عبد الناصر وكاد أن يؤدي فريضة الحج لولا ظروف مرضه كإرجاء للموعد المكتوب في اللوح المحفوظ تماشيًا مع الأحداث المستقبلية في حياته الزاخمة.

ساهم في اعتناق عدد كبير للإسلام ، منهم الملاكم الشهير كاسيوس كلاي الذي تحول اسمه إلى محمد علي كلاي في العام 1963 مع بزوغ نجمه كمتحدث قوي ولبق يستطيع المناظرة في قضية العنصرية بشاشات التليفزيون  بالولايات المتحدة الأمريكية ، مناديًا بأن للإنسان الأسود حقوقًا إنسانية قبل حقوقه المدنية ، ولابد أن يُكرم كبني آدم يعيش حياةً آدمية لا يشوبها شائبة تجعله في عزلة عن الحياة الطبيعية.

ظل مناديًا لتلك المبادئ إلى أن نشبت الخلافات بينه وبين الأليجا محمد الذي وجد فيه ما يتنافى في تعاملاته مع الإسلام ، ليجد صوت زوجته "بيتي ساندرز" يعانق صوته الباطني بإستحالة دعوة الإسلام لتلك الترهات الأممية القريبة من أممية بني إسرائيل عقب تحريفهم للتوراة.

أجرى إكس تحرياته حول خفايا قائده المتزوج لثمانية فتيات إلى جانب محظياته اللاتي أنجب منهن العديد من الأبناء سفاحًا ، ليجد نفسه يعيد نية الحج في العام 1964 والتي أرجأت في العام 1959 وقبلها طاف بالبلاد الإسلامية ما بين إندونيسيا وسوريا وجبهة التحرير الفلسطينية ومصر التي صلى بأزهرها وتقابل مع الشيخ محمد الفحام الذي علمه الصلاة الصحيحة وتعاليم الدين الحنيف كتهيئة نفسية للرحلة المباركة بأرض الحرمين التي عانق فيها مسلمون بيض بعيون زرقاء ، تقاسم معهم الطعام في صحن واحد ، وشرب معهم من كوب واحد ليصل إلى معادلة نهائية توصله إلى اليقين الذي وصل إليه الصحابي الجليل سلمان الفارسي بوحدانية الله وسماحة الإسلام قائلاً في رسالة لزوجته: "تعلمت من رحلة الحج العدالة والمساواة مع أبناء الدين الواحد من أقطار مختلفة ولغات شتى ، من هنا أعلن أن إدانة كل أسود تساوي إدانة كل أبيض".

عقب عودته من رحلة الحج أعلن إنشقاقه عن جماعة أمة الإسلام وعن اسمه الجديد "الحاج مالك شباز" وتأسيس مؤسسة المسجد الإسلامي الساعية للقضاء على سرطان العنصرية من خلال مبادئ الدين الصحيح البعيد عن تشويهات البشر من أجل مآرب أخرى.

جذبت المؤسسة الجديدة عددًا كبيرًا من أنصار جماعة أمة الإسلام ، لتخرج من الصدور الحاقدة براكين الغضب الملتهبة التي طالته يوم إغتياله في يوم 21 فبراير من العام 1965 من فوهات بنادق الشر لجماعة أمة الإسلام ومكتب التحقيقات الفيدرالية.

قُتل شاباز عقب محاولة إغتيال فاشلة أثناء حرقهم لمنزله كتكرار لما حدث لأبيه ومنزلهم القديم ولكن بأيدي سوداء تلك المرة ، كتكرار لما يحدث بين أبناء الأمة الواحدة عبر تحريكهم كعرائس الماريونيت بأصابع مخابراتية لا تمل من تدبير المؤامرات والملاحم الدموية.

عند مواراة الثرى ، إكتشف الداعية السوداني أحمد حسون بعدم إجراء مراسم الغسل والتكفين لجسد شاباز ، وإجراء المراسم على الطريقة المسيحية ليقوم بنفسه بغسله وتكفينه ثم الصلاة عليه يوم مثواه الأخير ، كدليل على أن هناك من العرب والمسلمون من يخدموا الدعوة في بلاد الغرب على النهج الصحيح ، بعيدًا عن مبالغات الغرب الضروس تجاه خير الرسالات.

أُسدل الستار على حياة شاباز جسدًا لكنه يحلق فينا برحيق أفكاره التي نتنسمها في أوقات المحن التي نحياها من جماعات الشر المستمرة في تشويهها لتعاليم الإسلام السامية ، فهل سيظهر  شاباز جديدليزيل تلك الترهات السرطانية من قوام الدين الحنيف؟


تعليقات