التشابهات كدليل على السلف المشترك: منظور واقعي وتاريخي وعلمي

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 11 مايو 2025, 09:04 صباحا
  • 21

كثيرًا ما نسمع التطوريين يستدلون بالتشابهات بين الكائنات على انحدارها من أسلاف مشتركة، كما يستدلون أيضًا بتصنيف الكائنات على هيئة أشجار أو تصنيفات هرمية، ويعتبرون ذلك لب النظرية والدليل الدامغ عليها. على سبيل المثال، يقول البعض:

"إن أشجار النسب هي أكثر التمثيلات المباشرة لمبدأ السلف المشترك - وهو جوهر نظرية التطور - وبالتالي يجب أن تجد مكانًا بارزًا في فهم المجتمع العام للتطور... سوف يُقدّر قطاع واسع من المجتمع الدليل القاطع للسلف المشترك ويستوعب الصرامة العلمية لعلم الأحياء التطوري."
Baum et al., "The tree-thinking challenge" Science 310 (نوفمبر 2005): 979-980.

ثم يتساءل البعض "كيف تفسرون تشابهات الكائنات؟" متظاهرين بأن عبء التفسير يقع على المعترض، بل قد يتمادى البعض لاستنكار ذلك بطريقة مسرحية، مثلًا: "هل يخدعنا المصمم؟ هل يحاول أن يوحي لنا بالتطور؟"، وكأن العقل البشري لا يمكنه أن يستوعب وجود تشابهات أو عمليات تصنيف إلا بسبب أسلاف مشتركة. هذا الكلام لا أساس له من الصحة من عدة أوجه.

الوجه الأول لا يحتاج إلى إدراكه أكثر من أن تنظر حولك: الصناع في كل مكان يمكنهم استخدام قطع وأجزاء متشابهة في منتجاتهم. على سبيل المثال، الأجهزة الإلكترونية تتشارك في مكونات كثيرة ويمكن تصنيفها هرمياً على هيئة شجرة (انظر الصور المرفقة).

الصورتان الأوليان تظهران بعض التصنيفات التي تقوم بها قواعد البيانات للمنتجات المختلفة، حيث ستلاحظ أن بديهيات التصنيف هي جمع الأشياء ذات الصفات المتماثلة. فمثلاً، لدينا تصنيف كبير يُسمى "الإلكترونيات" ينبثق منه تصنيفات فرعية مبنية أيضًا على مقدار التشابه بين الهواتف المحمولة ومعدات التصوير. وفي قلب هذه التصنيفات تصنيفات فرعية أخرى مثل الكاميرات العادية والكاميرات ذات القوائم الثلاثية. وإذا اكتشفنا يومًا ما منتجات جديدة، يمكننا توسيع التصنيف ليشمل أجهزة الكمبيوتر مثلًا، التي ستتفرع بدورها إلى حاسبات محمولة وأخرى مكتبية.

ملحوظة: هذا الشكل التوضيحي لم يتم رسمه خصيصًا لغرض ضرب هذا المثال، بل هو مأخوذ من أحد عروض برنامج إدارة قواعد البيانات. لأن عملية التصنيف الهرمي/الشجري للأشياء حسب صفاتها المشتركة هي عملية عقلية طبيعية وبديهية وليست اختراعًا تطوريًا كما يشعرك بعض أنصار نظرية التطور.

الآن دعنا نرى الصورتين الثالثة والرابعة: شجرة تطور الحيوانات مع ملاحظة أن الشكل الثاني يكمل الأول من عند الحبليات Chordata. الآن، هل لاحظت الفكرة؟

الخدعة التي تمارسها نظرية التطور هي أنها أزالت التصنيف الذي هو مفهوم ذهني، ووضعته مكانه كائن مفترض (hypothetical common ancestor) غير موجود في الواقع. لقد قامت النظرية بتجسيد فرضيات ذهنية واعتبارها أشياء موجودة فعلاً. إن نقاط التفرع الأساسية ليست كائنات حقيقية بل هي تصنيفات وضع التطوريون فرضية لا أساس لها بأنها كائنات، لمجرد أن اعتبارها تصنيفات سيتطلب وجود مصمم، وهذه فرضية يجب التخلص منها. مثلاً، لاحظ في الرسم الثاني نقطة تفرع الحبليات، ستجدها عبارة عن كائن غير موجود في الواقع تم تسميته "Chordate ancestor" (سلف الحبليات)، الذي يفترض كونه أول كائن طور حبلاً ظهرًا. هذا الكائن غير موجود ببساطة لأن الحبليات هي مجرد "تصنيف" وليست كائنًا أوليًا طور حبلاً ظهريًا، وبقية الحبليات هم ذريته المباركة.

قس على ذلك كل نقاط التفرع الأساسية: تصنيف الفقاريات (الكائنات ذات العمود الفقري) يتحول إلى كائن غير موجود وهو "سلف الفقاريات" وأول كائن طور عمودًا فقريًا ورثته منه ذريته. هكذا دواليك، كل هذه تصنيفات (مفاهيم ذهنية) يتم تجسيدها، وبعد ذلك يسهل البحث في الأحافير عن أي كائن قديم يحمل الصفة ثم القول بأنه السلف المشترك أو كائن قريب منه.

إن ما يزعم التطوريون أنه دليل على التطور هو في الواقع عملية تصنيف تم السطو عليها، وحذف المجموعات التصنيفية منها، ووضع كائن خرافي غير موجود (سلف مشترك) مكانها، ثم الزعم بأن هذا دليل على التطور. يشبه الأمر بالضبط أن أقول لك أن هناك سلفًا إلكترونيًا انحدرت منه الإلكترونيات، وتفرع منه سلف كان هو الهاتف المحمول الأول وآخر هو الحاسب الآلي الأول، ثم منه تفرع الحاسب الآلي المحمول الأول والحاسب الآلي المكتبي الأول، ثم انحدرت منهما الأنواع المختلفة، ثم أبحث لك عن بعض الأجهزة القديمة وأزعم أنها تمثل هذه الأسلاف المشتركة.

إن الحواسب تشبه بعضها البعض أكثر مما تشبه باقي الأجهزة الإلكترونية لأنها مصنفة معًا أصلاً وفق تشابهاتها، لأنها حواسب آلية وليست لأنها انحدرت من سلف مشترك، تمامًا كما تشبه الرئيسيات بعضها البعض أكثر مما تشبه باقي الكائنات لأنها رئيسيات مصنفة معًا وفق التشابه ابتداءً، وليس لأنها انحدرت من سلف مشترك. ونفس المثال ينطبق على كل شيء آخر؛ فمدى تقارب أي طرازين من الهواتف أو الحواسب وكونهما "أبناء عمومة" في نموذج شجرة العائلة ليس دليلاً على انحدارهما من سلف مشترك، بل هو تقارب من حيث التصميم والمتطلبات الوظيفية.

لاحظ أيضًا وجود حالة "التدرج" في التشابهات التي يستدل بها التطوريون. مثلاً، إذا انتقيت صفة ما، ولتكن معالج البيانات processor، فستجد عادةً أن المعالجات الخاصة بالحواسيب المكتبية أقرب إلى بعضها من تلك الخاصة بالهواتف المحمولة، وربما تمثل تلك الخاصة بالحواسيب المحمولة "مرحلة انتقالية" ممتازة. ونفس الشيء، مثلاً، بالنسبة لسعة التخزين، فستجد تدرجًا "تطوريًا" ممتازًا بين متوسط سعات التخزين للهواتف والحواسيب المحمولة ثم المكتبية. وكل هذه التدرجات طبيعية جدًا من منظور تصنيفي بحت بلا أي تحول من جهاز إلى آخر.

لاحظ أيضًا: لا علاقة لهذا بالطبع بعنصر التكاثر، فالحبليات ستظل حبليات والفقاريات ستظل فقاريات والثدييات ستظل ثدييات لأن هذه عملية تصنيف، حتى لو فرضنا جدلاً أنها كلها خسرت القدرة على التكاثر وأصيبت بالعقم. خاصة أن كون الكائنات تتكاثر ليس معناه أنها تتحول إلى كائنات أخرى. هذه مجرد قصة تطورية خرافية أخرى يحاولون بها الاستدلال على القصة الخرافية الأولى الخاصة بأن المفهوم الذهني للتصنيف هو في الواقع كائن متجسد.

لتوضيح الصورة أكثر: إذا طورنا تقنية نسخ ذاتي (تكاثر) للأجهزة الإلكترونية، هل سيتغير التصنيف؟ بالطبع لا، بل سيظل كما هو، وستظل الحواسب والهواتف تصنيفات فقط أضيفت إليها خاصية التكاثر.

الخاتمة:

هنا قد يعترض التطوريون قائلين: "لكن هذه المنتجات تتطور عبر الزمن لأننا نطور علومنا. فهل يطور مصممكم علومه؟" وهذه من الأسئلة اللطيفة، ولكن إذا دققت في السؤال ستلاحظ أن التطوري الذي يزعم دائمًا أنه يتحدث بالعلم المحايد لا يقدم لك دليلًا علميًا هنا بقدر ما يحاول نفي وجود المصمم للاستدلال على التطور. وسنتناول في منشورات قادمة، إن شاء الله، كيفية بناء النظام البيئي ودور الكائنات البسيطة في تأسيس هذا النظام.

الخلاصة: من الواضح أن مزاعم "المصمم الذي يوحي لنا بالتطور" هي مزاعم سطحية للغاية. فإذا كان هذا هو حال المصممين من حولنا، فهل هم أيضًا يخدعوننا ويحاولون الإيحاء بالتطور؟






تعليقات