باحث في ملف الإلحاد يرد على شبهة تشابه الإسلام باليهودية: الفرق جوهري في العقيدة والمبدأ
- الثلاثاء 13 مايو 2025
سورة النور
قال الدكتور محمود نجا، الأستاذ بكلية الطب بجامعة المنصورة والباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، إن اللعان في الشريعة الإسلامية هو وسيلة شرعية يلجأ إليها الزوج في حال اتهامه لزوجته بالزنا دون وجود شهود، حيث يحلف الزوج أربع شهادات بالله إنه من الصادقين، وترد الزوجة بأربع شهادات أنه من الكاذبين، مما يترتب عليه التفريق بين الزوجين، ونفي نسب المولود عن الزوج، ويُنسب لأمه فقط، ويُترك الأمر بعد ذلك لحكم الله الذي يعلم الصادق من الكاذب.
وتساءل الدكتور نجا: "لماذا يُلزم القاضي الزوج باللجوء إلى اللعان إذا كان بحوزته دليل (شاهد) غير نفسه يثبت زنا الزوجة أو نفي نسب الولد؟"، مستشهدًا بقوله تعالى:
**﴿وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾ [النور: 6]، موضحًا أن اللعان لا يكون إلا في حالة غياب الشهداء، وهو ما يستدعي إعادة النظر في معنى "الشهداء" في هذه الآية.
وأشار إلى أن الفقهاء حملوا "الشهداء" في آية قذف الزوجة على نفس عدد الشهداء في قذف المحصنات، أي أربعة، وهو اجتهاد له وجاهته، لكنه يظل مقبولًا فقط إذا تماثلت القضيتان، بأن يكون الاتهام قائمًا على المشاهدة المباشرة للزنا. أما إذا جاء الزوج بدليل علمي قاطع على أن الحمل ليس منه، فلابد من مراجعة هذا الفهم للآية.
وأوضح نجا أن الزوج يتمتع بإمكانية تقديم أدلة لا تتاح لغيره، كونه الشريك في العلاقة الزوجية ويعلم تفاصيلها. وطرح عدة أمثلة تدعم ذلك، منها:
أن تلد الزوجة بعد أربعة أو خمسة أشهر فقط من الزواج، ما يدل على أن الحمل سابق للعقد.
أن يكون الزوج مصابًا بعقم طبي موثق، يجعل الإنجاب مستحيلًا.
أن يكون الزوج مسجونًا أو مسافرًا خلال فترة الحمل، وقد حاضت خلالها الزوجة أكثر من مرة، مما ينفي إمكان حدوث الحمل منه.
وأكد أن هذه الأدلة تعد "شواهد علمية"، وقد أقر بها العلماء ضمن مفهوم "إمكان التناسل"، وهو ما يجعل الحديث النبوي "الولد للفراش" مقيدًا بالإمكان الزماني والمكاني والقدرة. واستنكر أن يُطلب من الزوج في هذه الحالات إحضار أربعة شهود على واقعة الزنا، وهو أمر مستحيل في مثل هذه الوقائع.
وقال إن اللجوء إلى اللعان في ظل وجود دليل علمي قطعي هو تغليب للظن على اليقين، وهو مخالف للقاعدة الشرعية: "اليقين لا يُزال بالشك"، بل إن الحكم بالفراش أو اللعان هو احتكام إلى الظن في غياب دليل، أما إذا وجد دليل علمي يقيني، فيجب تقديمه والعمل به.
واستشهد الباحث بواقعة وقعت في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حيث أنكر أحد الأزواج نسب طفل وُلد لزوجته بعد ستة أشهر من الزواج، فاعتُبر هذا دليلاً على وقوع الزنا، وأمر الخليفة برجم الزوجة. غير أن الصحابي عبد الله بن عباس احتج على هذا الحكم، مستدلًا بقوله تعالى:
﴿وَحَمْلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهْرٗا﴾ [الأحقاف: 15]
وبقوله:
﴿وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: 233]
ليؤكد أن أقل مدة حمل في الإسلام هي ستة أشهر، وبالتالي لا يصح حد الزنا على المرأة.
كما أورد نجا حديثًا نبويًا شهيرًا عن رجل أنكر نسب ولده لأنه وُلد أسود البشرة، بينما هو أبيض، فظن أن ذلك دليل على زنا زوجته. فرد عليه النبي ﷺ برد علمي بديع، وضرب له مثلاً بالإبل وألوانها، وأرجع اختلاف لون الولد إلى "عرق نزعه"، في إشارة إلى الوراثة.
وختم الدكتور نجا حديثه بالقول: "النبي ﷺ لم يُطالب الأعرابي باللعان أو بإحضار أربعة شهود، بل رد عليه بحجة علمية أقوى، وهو ما يفتح الباب لفهم مرن للنصوص عند توفر الشواهد العلمية القطعية".