التضليل التطوري.. بين الأسطورة العلمية والواقع التجريبي

  • أحمد حمدي
  • الجمعة 28 مارس 2025, 8:06 مساءً
  • 59

الأسطورة التطورية والتشابه الجيني

تعد فكرة "التشابه الجيني يدل بالضرورة على سلف مشترك" من أكثر الادعاءات انتشارًا في الأوساط العلمية والإعلامية، حيث يتم تسويقها كـ"حقيقة علمية" غير قابلة للنقاش. ومع ذلك، فإن هذا الادعاء يتطلب مراجعة دقيقة نظرًا لافتقاره إلى أدلة تجريبية قاطعة.

ورقة بحثية حديثة: إعادة بناء السلف المشترك للحيوانات

نشرت دورية PNAS (وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم) مؤخرًا دراسة تدعي "إعادة بناء السلف المشترك لجميع الحيوانات"، وجاء في التقرير:

"كل حيوان ثديي حديث، من خلد الماء إلى الحوت الأزرق، ينحدر من سلف مشترك عاش منذ حوالي 180 مليون سنة، لا نعرف الكثير عن هذا الحيوان، لكن تنظيم الجينوم الخاص به قد أعيد بناؤه الآن (بشكل حسابي) من قبل فريق دولي من الباحثين."

هذه النتيجة تم التوصل إليها عبر خوارزميات مصممة بذكاء تعمل على بيانات يتم إدخالها يدويًا، بهدف إعادة بناء التسلسل الجيني للأسلاف الافتراضية. لكن هل يمكن اعتبار هذه الطريقة دليلًا علميًا حقيقيًا؟

لماذا هذا هراء علمي؟

غالبًا ما تُظهر الدراسات التطورية انفصالًا واضحًا عن التقدم العلمي الحقيقي، وكأن كل باحث تطوري يعيش في عالمه الخاص. الدراسة المشار إليها اعتمدت على طريقة إحصائية غير تجريبية وادعت بثقة أن مسألة السلف المشترك قد تم حلها نهائيًا.

الخوارزميات الإحصائية: هل تقدم رؤية حقيقية؟

نجاح الداروينية وازدهارها تزامن مع طرح سطحي يتجاهل المشاكل الحقيقية. في عام 2021، نشرت مجلة التكنولوجيا الحيوية الحاسوبية والهيكلية ورقة ناقشت مشاكل الطرق الإحصائية لإعادة بناء الأسلاف، حيث جاء فيها:

"نادرًا ما تكون الاستنتاجات حول التطور التاريخي واضحة مثل تلك الموجودة في البيولوجيا الجزيئية."

وأضافت الورقة:

"في العقود الماضية، اتخذت البيولوجيا التطورية والبيولوجيا الجزيئية التجريبية مسارات منفصلة تمامًا."

هذا يؤكد أن إعادة البناء الحاسوبية تعمل دون الاعتماد على بيانات البيولوجيا الجزيئية التجريبية، مما يجعلها شبيهة بالأساطير أكثر من كونها علمًا.

كما أشارت الورقة إلى مشكلة رئيسية:

"على الرغم من أن اختيار نموذج غير دقيق قد ينتج عنه شجرة غير واقعية، لا يوجد إجماع حول المعايير التي يجب اتباعها لتحديد النموذج الأنسب للبيانات."

هذا يعكس التضاربات الكبيرة في مجال تحليل شجرة الحياة، حيث أن بعض البرامج تستبعد تلقائيًا بيانات لا تتناسب مع الفرضية المطلوبة.

الانتقادات العلمية لمزاعم التطوريين

ريتشارد بَغز، أستاذ علم الجينوم في جامعة كوين ماري، انتقد بشدة المبالغات التطورية، قائلاً:

"دوكنز يعطي الشخص العادي انطباعًا بأن كل جين في كل كائن حي يعطي نفس شجرة النشوء والتطور عند تحليله مع الأنواع الأخرى. هذا ببساطة غير صحيح."

في عام 2020، نشرت Nature ورقة بحثية كشفت عن مشكلات خطيرة في الأساليب المستخدمة لإعادة بناء المسارات التطورية، مما يطرح تساؤلًا هامًا: لماذا يستمر التطوريون في تقديم هذه الادعاءات رغم فشلها علميًا؟

التناقضات في نظرية السلف المشترك

على الرغم من التأكيدات الواردة في دراسة PNAS، لا يزال أصل الحيوانات وتطورها معضلة علمية كبرى. فقد نشرت مجلة The Royal Society ورقة بحثية تؤكد أن:

"على الرغم من الاهتمام الكبير بالثدييات، فإن تاريخها التطوري لا يزال في قلب النقاشات العلمية الحادة."

وأضافت الورقة:

"تحليلات الجينوم الكاملة وعدت بتقديم إجابات واضحة، ولكن العديد من الاستنتاجات تستند إلى تحليلات إشكالية وبيانات رديئة."

كما أن الورقة تسلط الضوء على تناقضات كبيرة بين التخصصات العلمية التي تحاول رسم العلاقات التطورية، حيث تختلف نتائج علم الوراثة عن نتائج الدراسات المورفولوجية.

في عام 2017، نشرت Current Biology ورقة بحثية ناقشت تعقيدات أصل الحيوانات، وأشارت إلى خلاف كبير حول موقع "الإسفنج" و"الهلام المشطي" في شجرة الحياة:

"بعض التحليلات تدعم الإسفنج كسلالة شقيقة لبقية الحيوانات، بينما تدعم أخرى الهلام المشطي."

الخلاصة

ما نراه هنا هو فشل واضح في علم البيولوجيا التطورية عبر جميع التخصصات. لا يوجد دليل تجريبي حقيقي يدعم فكرة السلف المشترك، ومع ذلك، تحاول بعض الدراسات، مثل ورقة PNAS، تقديم نتائجها على أنها حقائق مطلقة.

السؤال الذي يجب طرحه: لماذا يتم الترويج لهذه الادعاءات رغم تناقضها مع الأدلة العلمية؟

الجواب يكمن في التحيز التأكيدي الذي يدفع بعض العلماء التطوريين إلى تقديم تصوراتهم الشخصية على أنها حقيقة علمية، رغم غياب الأدلة الداعمة.

وبالتالي، فإن قصة السلف المشترك لا تزال غير واضحة، بل وتزداد تعقيدًا مع مرور الوقت، مما يجعلها أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الحقيقة البيولوجية.


تعليقات