نظرية التطور بين الموقف العلمي والرؤية الدينية
- الأحد 30 مارس 2025
النبات
من يتأمل آيات من سورة (يس) خاصة التي تتحدث عن نعم الله النباتية علينا، في قوله تعالى: ” وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35} سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36} ” (يس/33-36).
فقد قال الشيخ
عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان في
تفسير الآيات السابقات: (وَآيَةٌ لَّهُمُ) على البعث والنشور
والقيام بين يدي الله تعالى للجزاء على الأعمال، هذه (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) أنزل
الله عليها المطر فأحياها بعد موتها. (وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ
يَأْكُلُونَ) من جميع أصناف الزروع ومن جميع أصناف النبات التي تأكله أنعامهم.
(وَجَعَلْنَا فِيهَا) أي في تلك الأرض (الحية) جنات، أي بساتين فيها أشجار كثيرة،
وخصوصا النخيل والأعناب، اللذين هما من أشرف الأشجار. (وَفَجَّرْنَا فِيهَا) أي في
الأرض (مِنْ الْعُيُونِ). (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ) قوتا وفاكهة وأدما ولذة.
(وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي وليس لهم فيها صنع ولا عمل، إن هو إلا صنعة
أحكم الحاكمين، وخير الرازقين وأيضا فلم تعمله أيديهم بطبخ ولا غيره، بل أوجد الله
هذه الثمار غير محتاجة لطبخ ولا شيء، تؤخذ من أشجارها فتؤكل في الحال. (أَفَلَا
يَشْكُرُونَ) من ساق لهم هذه النعم، وأسبغ عليهم من جوده وإحسانه ما به تصلح أمور
دينهم ودنياهم، أليس الذي أحيا الأرض بعد موتها، فأنبت فيها الزروع والأشجار وأودع
فيها لذة الثمار وأزهار ذلك الجني من تلك الغصون وفجر الأرض اليابسة الميتة
بالعيون بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى إنه على كل شيء قدير، وفقا لما ذكره الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن
الكريم، الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى، أستاذ علوم
النبات ـ جامعة عين شمس ـ جامعة البحرين.
وتابع: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا) أي
الأصناف كلها (مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ) فنوع فيها من الأصناف ما يعسر تعداده،
(وَمِنْ أَنفُسِهِمْ) فنوعهم إلى ذكر وأنثى، وفاوت بين خَلقِهم وخُلُقهم وأوصافهم
الظاهرة والباطنة. (وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) من المخلوقات التي قد خلقت وغابت عن
علمنا، والتي لم تخلق بعد فسبحانه وتعالى أن يكون له شريك أو ظهير أو عوين أو وزير
أو صاحبة أو ولد أو سميٌّ أو شبيه أو مثيل في صفات كماله ونعوت جلاله، أو يعجزه
شيء يريده.
وأشار إلى قوله تعالى
" وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا
مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ" موضحا أن هذه الآيات من آيات الإعجاز العلمي
النباتي في القرآن الكريم وتبدأ بأهم العمليات الحيوية الزراعية وهي إحياء الأرض
الميتة، وهي تحويل الأرض المعدنية الصخرية الأصل إلى أرض مفتتة بفعل العوامل
الفيزيائية (الحرارة والرياح والإحتكاك والتفتت والتفكك وعمليات التجوية
المختلفة)، والعوامل الكيميائية من ذوبان وتحلل وتفاعل كيميائي، وعوامل إحيائية
(نباتية وحيوانية وكائنات حية دقيقة)، وبعد تكوين التربة الزراعية يحيها الله
تعالى بالكائنات الحية الدقيقة (فطريات، بكتيريا، اكتينوميسيتات، طحالب، نبات ,
حيوان) وتتحول من أرض صخرية – حصوية – رملية ميتة إلى أرض حية مأهولة بالعديد من
الكائنات الحية المستوطنة فيها حيث يوجد في العشرة أمتار المكعبة من التربة الحية
(200) ألف حشرة و(100) ألف نوع من العثة و(20) مليون دودة خيطية، و(25) ألف مليون
حيوان صغير علاوة على ملايين الفطريات والبكتيريا والطحالب والفيروسات والأكتينوميسيتات،
وقبل أن تحيا الأرض تكون غير قادرة على الإنتاج الزراعي، وبعد إحيائها تتحول من
أرض ميتة قاحلة صحراوية سبخة إلى أرض حية، وعندما تحيا الأرض بالماء والكائنات
الحية، فإنها تنتج الحبوب أصل الغذاء في العالم من القمح والشعير والأرز والذرة،
وتنتج بذور الفول والفاصوليا واللوبيا والعدس وغيرها من البذور والحبوب التي
يأكلها الإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة.
وأضاف أنه في هذه الأرض الحية المروية بالمطر والأنهار توجد الجنات
الغناء المثمرة المنتجة بجميع أنواع الفواكه والخضراوات المغذية والجميلة، ونباتات
الأدوية، والزينة , والألياف والصموغ، والراتنجات والعصائر، والروائح والزيوت
علاوة على إنتاج سيد الشجر النخيل ذات المنافع العديدة والأشكال الجميلة، والثمار
الطيبة المغذية المفيدة، وكذلك الأعناب المفيدة والمغذية، وفجر الله العيون في
الأرض لتأتيها بالمياه الجوفية من أماكن بعيدة وكل ذلك يؤدي إلى الإنتاج النباتي
الوفير والمفيد للإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة.
وأكمل أن كل هذه الأجناس والأنواع والأصناف
المتنوعة والمتشابهة والمختلفة، والمتآلفة، والمتنافرة والمتكافلة،والمتكاملة ,
والمفترسة، والمتطفلة، والمتعايشة في البيئة الأرضية بمناطقها الجغرافية والزراعية
المختلفة والمتباينة التركيب، المختلفة الحرارة والموقع الجغرافي بما يحدث نوعا من
التباين الحيوي، والتكامل الإقتصادي، والوحدة المصيرية للإنسان والحيوان والنبات
والكائنات الحية الدقيقة والمكونات غير الحية للبيئة الأرضية وهذه كلها آيات كونية
تدل على القدرة الإلهية والتفرد في الخلق والإيجاد والإبداع والهداية سبحانه
وتعالى رب كل شيء ومليكه سبحانه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هداه لما يصلح عليه
حياته وهذا كله يدلل على أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لغاية مقدرة، وهو المحيي
والمميت للأرض والإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة والموجد للأرض ومكوناتها
ومعادنها وثرواتها وقوانينها ودوراتها الحية وغير الحية الفيزيائية والكيميائية
والأحيائية وقدر فيها أرزاقها وما يصلح حياة سكانها وهو القادر على الإحياء
والإماتة والبعث والحساب سبحانه وتعالى صاحب الخلق والأمر.
وختم قائلا: إن كل هذه النعم التي أوجدها الله سبحانه وتعالى لنا، وسخرها لنا تحتاج منا إلى شكر لله وإلى الحفاظ عليها وعدم الإفساد فيها وإستثمارها وتعمير الأرض بنواميس الله في الخلق وفق شرع الله ومنهاجه فسبحانه القائل (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ).