التضليل التطوري: مراجعة نقدية لأحدث الأبحاث

  • جداريات Jedariiat
  • السبت 22 مارس 2025, 8:36 مساءً
  • 42

التشابه الجيني والسلف المشترك: أسطورة علمية؟

ينتشر في الأوساط العلمية وبين المتابعين للعلوم الشعبية مفهومٌ مفاده أن التشابه الجيني بين الكائنات الحية يُعد دليلاً قاطعًا على السلف المشترك. غير أن هذا الادعاء، الذي يُروَّج له على أنه "حقيقة علمية"، يفتقر إلى أسس تجريبية متينة.

في ورقة بحثية حديثة نشرتها دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، تم تقديم محاولة لإعادة بناء السلف المشترك لجميع الحيوانات باستخدام خوارزميات حسابية معقدة. ووفقًا للورقة، فإن جميع الثدييات الحالية، من خلد الماء إلى الحوت الأزرق، تنحدر من سلف مشترك عاش منذ حوالي 180 مليون سنة. لكن المثير في الدراسة هو الطريقة التي تم بها التوصل إلى هذه الفرضية.

الخوارزميات: أداة حسابية أم مصدر للحقيقة؟

تعتمد الورقة على خوارزميات ذكية مصممة لإعادة بناء التسلسل الجيني للأسلاف بناءً على بيانات إدخال معينة، وهو ما يُعرف في الأوساط العلمية باسم "إعادة بناء تسلسل الأسلاف". غير أن هذه العملية ليست تجريبية بحتة، بل تعتمد على تكهنات رياضية وتحليل إحصائي يفتقر إلى التأكيدات المخبرية الحاسمة.

يطرح هذا النهج إشكالية كبيرة، إذ تفيد ورقة بحثية نُشرت في مجلة التكنولوجيا الحيوية الحاسوبية والهيكلية أن هذه الأساليب الإحصائية لا تقدم دائمًا نتائج موثوقة. وتشير الورقة إلى أن البيولوجيا الجزيئية والبيولوجيا التطورية كانتا منفصلتين تمامًا لعقود، مما يعكس الفجوة بين البحث التجريبي والتحليل الإحصائي.

هل يمكن اعتبار نتائج الخوارزميات حقيقة علمية؟

تؤكد الورقة البحثية أن اختيار نموذج إحصائي غير دقيق قد يؤدي إلى استنتاجات غير واقعية حول شجرة التطور، وهو أمر لا يوجد حوله إجماع علمي حتى الآن. كما أن هناك تضاربًا بين برامج المحاكاة المختلفة المستخدمة في هذا المجال، ما يثير تساؤلات حول مدى موثوقية هذه النتائج.

في تعليق على هذه القضية، قال ريتشارد بوجز، أستاذ علم الجينوم في جامعة كوين ماري: "دوكنز يعطي انطباعًا بأن جميع الجينات تعطي نفس شجرة التطور عند تحليلها، وهذا ببساطة غير صحيح. لو كان الأمر كذلك، لكان بناء شجرة الحياة أمرًا في غاية السهولة، لكنه ليس كذلك في الواقع."

الإشكاليات المستمرة في إعادة بناء شجرة الحياة

في ورقة بحثية نُشرت في أبريل 2020 في مجلة Nature، جادل المؤلفون بأن الأساليب المستخدمة في إعادة بناء المسارات التطورية معيبة بشكل جوهري. هذا ما يعكس الفجوة الكبيرة بين التحليلات الإحصائية والبيانات التجريبية، والتي لا تزال غير قادرة على تقديم دليل قاطع حول صحة فرضية السلف المشترك.

التناقضات في الأدلة الجينية والتطورية

على الرغم من التأكيدات التي توحي بأن قضية السلف المشترك قد حُلت، فإن الواقع العلمي يعكس صورة مختلفة تمامًا. ففي دراسة نُشرت في مجلة The Royal Society، أشار الباحثون إلى أن تاريخ تطور الثدييات لا يزال موضع نقاش، وأنه على الرغم من التقدم في تحليل الجينوم، فإن بعض الادعاءات حول حل مشكلة النسب التطوري تستند إلى تحليلات غير دقيقة.

تشير الدراسة إلى وجود اختلافات جوهرية بين البيانات المستخلصة من علم الوراثة وعلم التشريح، حيث يمكن أن يكون التشابه المورفولوجي دليلًا ضعيفًا للعلاقات التطورية. وهذا ما يثير التساؤل حول مدى دقة الفرضيات القائمة على إعادة بناء الجينوم.

معضلة تحديد الأسلاف المشتركة

في ورقة بحثية أخرى نُشرت في دورية Current Biology عام 2017، ناقش الباحثون الصعوبات المرتبطة بتحديد أصل الحيوانات وتطورها. وتشير الدراسة إلى وجود خلاف علمي حول ما إذا كان الإسفنج أو الهلام المشطي هو السلالة الشقيقة لبقية الحيوانات، وهو ما يعكس غياب إجماع واضح حول أصل الحيوانات نفسها.

الخلاصة

إن الادعاءات حول إعادة بناء السلف المشترك لجميع الحيوانات باستخدام الخوارزميات لا تزال موضع جدل واسع في الأوساط العلمية. فبينما تؤكد بعض الدراسات صحة هذه الفرضيات، تبرز دراسات أخرى التناقضات الكبيرة في البيانات الجينية والتشريحية، مما يثير تساؤلات عميقة حول مدى موثوقية النظريات التطورية التقليدية.

قد يكون من المبكر الجزم بصحة أو خطأ أي من هذه الفرضيات، لكن الواضح هو أن العلم لا يزال في مرحلة البحث والتقصي، وأن ما يُقدَّم أحيانًا على أنه "حقيقة علمية" قد يكون في الواقع مجرد فرضية قيد الاختبار.


تعليقات