أصل الحياة.. هل يمكن للعلم تقديم إجابة؟

  • أحمد حمدي
  • الجمعة 28 فبراير 2025, 00:24 صباحا
  • 83

في دراسة حديثة نشرتها مجلة الأنظمة الحيوية في عدد يناير 2025، أكد الباحث ديفيد أبيل أن نشوء الحياة البيولوجية عبر العمليات الطبيعية غير الموجهة هو أمر مستحيل من الناحية الإحصائية والعلمية. ووفقًا لما جاء في الورقة البحثية، فإن كافة الأدلة التجريبية تفيد بأنه لم يسبق ملاحظة نشوء أي نظام وظيفي معقد تلقائيًا من المادة غير الحية.

غياب آلية طبيعية لتفسير نشوء الحياة

توضح الدراسة أن النظريات العلمية القائمة، والتي تعتمد على فكرة التنوع العشوائي والانتقاء الطبيعي، تفتقر إلى الآليات القابلة للاختبار التي تفسر كيف يمكن أن تنشأ الحياة في ظل الظروف الطبيعية. كما تؤكد أن الادعاءات القائلة بأن "الوقت الطويل" كفيل بحدوث ذلك، لا تقدم آلية تفسيرية مقنعة.

وأشار أبيل في ورقته، التي جاءت بعنوان:
"Chance and Necessity Do Not Explain the Origin of Life"
(الصدفة والضرورة لا تفسران نشأة الحياة)،
إلى أن الطبيعة غير الحية لا تمتلك الخصائص القادرة على إنتاج أو تشفير المعلومات الجينية التي تشكل أساس الحياة. كما شدد على أن النظم الحيوية، بما في ذلك الشيفرة الوراثية، تعمل وفق برامج خوارزمية لا يمكن تفسيرها بالعمليات الفيزيائية والكيميائية فقط.

التحديات التي تواجه الفرضيات الطبيعانية

يرى الباحث أن الفرضية الطبيعانية (Naturalism) التي تفترض أن العمليات الطبيعية وحدها كافية لتفسير نشأة الحياة، تواجه معضلات علمية عديدة، منها:

  1. عدم قدرة العمليات الفيزيائية والكيميائية على توليد تعليمات جينية ذات معنى وظيفي.
  2. عدم وجود آلية طبيعية يمكن أن تفسر كيف نشأت الشيفرة الوراثية من المادة غير الحية.
  3. استحالة تفسير نشوء التشفير الجيني (Encoding & Decoding) من خلال قوانين الفيزياء وحدها.

وفي هذا السياق، أشار أبيل إلى أن الاعتقاد بأن العمليات الطبيعية العشوائية يمكن أن تنتج نظمًا بيولوجية معقدة هو أشبه بالإيمان الأعمى وليس استنتاجًا علميًا قائمًا على أدلة قابلة للاختبار.

هل يمكن للعلم الإجابة عن سؤال أصل الحياة؟

تؤكد الدراسة أن البحث في أصل الحياة يواجه حدودًا معرفية وعلمية، إذ أن غياب الآليات التجريبية القابلة للاختبار يجعل من المستحيل التحقق من فرضيات نشوء الحياة طبيعيًا. كما أن المنهج العلمي التجريبي، القائم على الملاحظة والتكرار، لا يمتلك القدرة على الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأصل الحياة، مما يجعلها مسألة تتجاوز نطاق العلم الطبيعي.

الخلاصة 

  • لا توجد أدلة علمية أو تجريبية تدعم فرضية نشوء الحياة من العمليات الطبيعية غير الموجهة.
  • الفرضيات الطبيعانية حول أصل الحياة تعتمد على السرديات الافتراضية أكثر من اعتمادها على أدلة تجريبية واضحة.
  • الزمن الطويل ليس تفسيرًا علميًا لكيفية نشوء الحياة، بل مجرد محاولة لسد الفجوات النظرية.
  • العلوم الطبيعية قد لا تكون قادرة على تفسير أصل الحياة أبدًا، مما يستدعي إعادة النظر في الفرضيات الحالية والبحث عن منهجيات جديدة.

النتيجة: العلموية في مأزق؟

تسلط هذه الدراسة الضوء على أزمة العلموية (Scientism)، وهي الفكرة التي تفترض أن العلم الطبيعي قادر على تفسير كل شيء، حيث يظهر أن ملف أصل الحياة يمثل نقطة عجز رئيسية في هذه الفرضية. ووفقًا لما جاء في الورقة البحثية، فإن الافتراض بأن جميع الظواهر البيولوجية يمكن اختزالها إلى عمليات فيزيائية وكيميائية بحتة لا تدعمه الأدلة العلمية، مما يستدعي إعادة النظر في الأسس الفلسفية لهذه الرؤية.

أفق البحث المستقبلي

في ظل التحديات التي تواجه النظريات الحالية، تدعو الورقة البحثية إلى اتباع نهج بحثي جديد لفهم أصل الحياة، بعيدًا عن النماذج التقليدية التي أثبتت قصورها. ومع استمرار البحث في هذا المجال، يظل السؤال حول كيفية نشوء الحياة البيولوجية أحد أكبر الألغاز التي لم يتمكن العلم من حلها حتى اليوم.

تعليقات