اجتماع مثير للجدل لثلاثة من قادة الفكر الإلحادي في القاهرة يثير تساؤلات واسعة.. هيثم طلعت يعلق
- الثلاثاء 18 فبراير 2025
تثير قضية "كيرياس جويل" والقرى اليهودية الحسيدية المشابهة في الولايات المتحدة وكندا تساؤلات جوهرية حول مفهوم "تحرير المرأة" الذي تروج له القوى الغربية، خاصة في سياقات تدخلاتها العسكرية والسياسية. فرغم التشدّد الذي تعيشه النساء في هذه المجتمعات من حيث اللباس والتعليم والسلوك الاجتماعي، فإن هذه الممارسات لم تُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان من قبل الدول الغربية، على عكس ما يُمارس تجاه المجتمعات الإسلامية أو الدول التي لا تتماشى مع المصالح الاستراتيجية للغرب.
كيرياس جويل، وهي
مستوطنة حسيدية في ولاية نيويورك، تُعرف بالتزام سكانها الشديد بتعاليم اليهودية
الحسيدية، حيث يعيش أفرادها في عزلة ثقافية واجتماعية عن المجتمع الأميركي العام.
يتم الفصل بين الجنسين في المدارس، وتُفرض قواعد صارمة على اللباس والسلوك، لدرجة
منع الفتيات من قيادة الدراجات. هذه الأنماط الحياتية ليست فريدة من نوعها، إذ
توجد مجتمعات مشابهة مثل "كيرياس توش" في كندا التي تتبنى نظامًا أكثر
صرامة في تطبيق التعاليم الدينية اليهودية.
على الرغم من هذه
القيود المفروضة على النساء، لم تتعرض هذه المجتمعات لضغوط دولية أو إعلامية
مشابهة لما تتعرض له الدول الإسلامية التي تفرض قيودًا مشابهة بدوافع دينية أو
ثقافية. فلماذا لم نرَ حملات غربية لتحرير المرأة الحسيدية؟ ولماذا لم تُوجَّه
العقوبات لهذه المجتمعات كما وُجِّهت ضد دول إسلامية بحجة انتهاك حقوق النساء؟
يجيب الباحث عبد الله
الوهيبي في كتابه "التبرج المسيس" على هذه التساؤلات من خلال تحليله
للسياسات الغربية تجاه قضايا المرأة. يرى الوهيبي أن أميركا والدول الاستعمارية
السابقة لم تكن يومًا راعية للحريات ولا مدافعة عن حقوق الإنسان إلا بقدر ما يخدم
مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. فخطاب "تحرير المرأة" لم يكن سوى أداة
من أدوات الاحتلال لإحداث شرخ في المجتمعات المستهدفة، وإيهام الأقليات العرقية
والمذهبية بالمظلومية من أجل استخدامها لتحقيق أهداف سياسية.
من الواضح أن المعايير المزدوجة في قضايا حقوق المرأة تعكس ازدواجية السياسة الغربية التي تتدخل فقط عندما يكون هناك مصلحة جيوسياسية أو اقتصادية. أما في الحالات التي لا تحقق لها مكاسب، فإنها تغض الطرف عن الانتهاكات، بل أحيانًا تدعمها.
إن هذه المقاربة تُظهر
بوضوح أن الخطاب الغربي حول "تحرير المرأة" ليس بالضرورة بدافع حقوقي
بحت، بل هو أداة تُستخدم حينما تتطلب الحاجة السياسية ذلك. وهذا يستدعي إعادة
النظر في مدى صدقية هذه الشعارات ومدى تسييس قضايا المرأة في سياق الصراعات
الدولية