الإعلان عن وظائف للأئمة في الأوقاف يناير المقبل
- الخميس 21 نوفمبر 2024
الروائي صنع الله إبراهيم
عندما حدثت الوقعة الشهير للطفل الفلسطيني محمد الدرة وقتله بين أحضان أبيه لم يأخذ المثقف المصري وقتها أي موقف، وكأن شيئا لم يحدث، لم يتوقف ترددهم على مقاهي وسط البلد ولم تصد نفس أحدهم عن النربيشة ولو يوم واحد ولو حتى من باب "الحداد الشكلي". وقتها المثقف الذي أعلن موقفه صراحة هو روائي مميز من حضن الصعيد، وكان الموقف أن جعل من من ملاءة سرير بيته "بيرقا" وسجل عليها عبارات منددة بالواقعة وطاف بها شوارع الأقصر وكان هذا هو ما في موسوعه أن يقدمه حينها، وأمام صمت المثقفين تجاه هذه الجريمة ينزوي بعدها تماما عن المشهد الثقافي، باعتباره وسطا لا قيمة له وتخلى عن دوره الإنساني في الدفاع عن قضية الإنسان وحقه في الحياة بالدرجة الأولى، هذا الروائي هو أشرف الخمايسي صاحب روايات "منافي الرب وانحراف حاد وضارب الطبل وجو العظيم وخروف وكلب"، قبل أن يسترده لنا الدكتور صبري حافظ عندما أشاد بأعماله في إحدى المجلات الشهيرة، ليكمل مسيرته بالروايات سالفة الذكر التي نالت إشادة النقاد ووصلت بعض رواياته مرتين إلى القائمة القصيرة للبوكر.
وموقف مشابه له بعدها سجله الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم عندما رفض استلام جائزة مبارك وجاءت حيثيات رفضه: «أعلن اعتذاري عن عدم قبول الجائزة لأنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد، وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء في مصر في حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب... لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب، لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل، تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يتعرض للامتهان وللضرب والتعذيب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته».
تسجيل الموقفين للكاتبين سالفي الذكر هنا ليس المقصود من ورائه وصلة تمجيد أو حرق البخور للخمايسي وصنع الله إبراهيم أو غيرهما لكنه مهم لطرح السؤال: ما الذي تغير؟ هل حدث انعطاف في حالة المثقف العربي عموما والمصري خاصة تجاه قضايا مجتمعه أو على المستوى العربي عموما؟ الإجابه بكل صراحة وأسف ووضوح: "لا". والأحداث الأخيرة تثبت ذلك، ولنبدأ مع القضايا الصغرى لكنها قضايا تمثل في جوهرها الإنسان، ونتساءل كم مثقفا كتب رثاء أو قصيدة من أي نوع حول موت طفل صعقا بالكهرباء بسبب نوبة مطر الأيام السابقة؟ وكم مثقفا أدان في قصيدة أو حتى عبر فيس بوك مقتل محمد عيد شهيد الفقر تحت عجلات القطار بسبب سبعين جنيها وبتر قدم صديقه؟ وكم صوتا من المثقفين رفض بلطجة راجح؟ أو حتى أعلم تفكيره لينقد أفلام المقاولات المعبأة بالعنف التي بنتجها السبكي لمحمد رمضان وكانت عاملا جوهريا في استشراء العنف في مجتمع مسالم بطبعه؟ ولنوسع الأمر، ونتحدث عن القضايا الكبرى التي نعرفها جميعا، غزة النازقة في قلوبنا وحارقة أكبادنا كم مؤتمرا شعريا ينعقد عنها لإحياء القضية سنويا؟ كم قصيدة كتبت بجهود فردية تهاجم ما يجري هناك؟ كشمير التي يذبح أطفالها بدم بارد فقط لأنهم أقلية أين المثقفون منهم، وأين هم أيضا مما يحدث في الصين وأقلياتها هناك؟ وأين وأين... وكيف... وهل؟
يا للأسف اكتفى كبار مثقفينا «الشيبان» بالتكويش على مناصب يجلسون على كراسيها منذ الستينيات في حين اكتفى صغار مثقفينا بالجلوس على المقهى ينفث الواحد منهم من منخاريه دخان الشيشة ويحق الباطل ويبطل الحق وهو على هذه الحال، حتى فيس بوك خلت حساباتهم من أي تفاعل مع قضاياالإنسان التي هي بالدرجة الأولى قضية المثقف، وربما سجل تفاعلا عبر فيس بوك يثبت فيه أنه مثقف من خلال صورة عارية لفنانة أو لوحة عارية لرسام عالمي يسجل تعليقه عليه بأنها غاية الروعة والجمال. وإذا أحب أن يصل إلى ذروة تسجيل وجوده كتب بوست هاجم فيه الشيخ الشعراوي.
من أسف أن نقول إن مرتضى منصور رغم كل تحفظاتنا عليه ورفضنا لأفعاله استطاع أن يعري نخبة العار ويسجل إنسانية أكثر من أجدع مثقف من مثقفينا حاليا، واتخذ خطوات فعلية على الأرض عندما تولى قضية محمد عيد صريع القطار ومحمود البنا شهيد الشهامة في المنوفيه. وبعد نستطيع أن نقول إن مثقفينا الآن لا يستحقون أكثر من أمرين الأول بصقة سميكة «نخمة» في على وجوههم ركلة تزيحهم عن المشهد تماما.