هل يتعمد إبراهيم عيسى تشويه التاريخ الإسلامي؟ (فيديو)
- الخميس 21 نوفمبر 2024
طه حسين عميد الأدب العربي
مما لا شك فيه أن العميد ترك آثارًا قوية عميقة في نفوسنا وأفئدتنا كي ننهل منها وقت المحن، مثلما هو نهل من محنِه ومحن غيره عبر المعايشة أو القراءة في سير الآخرين، كي تنهض أمتنا من غفوتها التي أصابتها لأسباب عدة.
إن أردنا استلهام التجربة، فعلينا بالرجوع إلى أفكاره المنقوشة بأحرف صخرية متجذرة بالأوراق كي تبقى صلدة حتى لا نضل الطريق ، وهناك من لم يَعِش في عصر متخم بالرموز العظيمة كطه حسين ذلك الرجل الجريء الذي خلق بقلمه عصرًا لم يخش السؤال والتفنيد وقت إقصاء من يملك التفكير والاستفهام.
من هنا جاءت عُلبًا سحرية اختلفت في أشكالها مع وحدة الهدف بتوصيل المعلومة إلى المتلقي دون عناء ومشقة في عصر قلت فيه القراءة، فكانت لجداريات العصر "السينما ، التليفزيون ، الدراما الإذاعية" الفضل الكبير في تجسيد عصر ذلك المغوار في فكره وعلمه بشكل حي يجمع بين الصوت والصورة كي لا تضل الأجيال عن طريق رسمه الأجداد من أجل الإعمار والتنوير.
في العام 1973 عقب وفاته مباشرةً ، قامت الإذاعة بإحداث السبق بحفر ذكراه بأوعية ماسبيرو من خلال الأثير كي لا ينتهي أبدًا في التحليق على مر العصور، ليأتي المسلسل الإذاعي الشهير "قاهر الظلام" عن رواية كمال الملاخ وسيناريو وحوار سمير عبد العظيم، جسد شخصية طه حسين الفنان القدير محمود مرسي بمصداقية شديدة جعل من الأداء الصوتي الرسالة الفورية في إشراك المستمعين لمعايشة السيرة الثرية المخضبة بالدموع والمعاناة مع ذكاء اختيار العندليب الأسمر في حفر الأحداث الدرامية بصوته وكأنه ينقش على البردي سيرة لا تنضب أبدًا مستعينًا بآلامه ومعاناته الكبيرة في تضفير جو من النجاح والتميز مع عمالقة الموسيقى محمد عبد الوهاب، محمد الموجي، وعلي إسماعيل مقدمين لوحات غنائية تذكرنا على الدوام برحلة الشقاء والنجاح.
حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا حفز "الملاخ" على التوجه لبوصلة السينما من أجل إشراك الأجيال الجديدة في تلمس خطوات التألق عبر الصوت والصورة ، مستعينًا بمجال المصريات الذي جعله يقدر دور الصورة في تثبيت إطار الحدث لدى العقول كخير شاهد على تطورات الأزمنة ، ليتحول العمل الإذاعي إلى تابلوه سينمائي في العام 1978 لنجم الشاشة في السبعينات محمود يس ، متقمصًا ببراعة مرحلة الأستاذية مع الاستعانة بزمن الاسترجاع حسب الضرورة الدرامية في الربط بين الزمنين.
أخرج الفيلم عاطف سالم وكتب السيناريو والحوار الكاتب صبري موسى وهي جرأة تحسب للمنتج سعد شنب بإخراج هذا العمل في وقت سادت فيه أفلام المقاولات و التجارية المعتمدة على جذب الجمهور بطريقة رخيصة متحديًا مقولة: "الجمهور عاوز كده" ناقلاً موقع التصوير من مصر إلى مكمن الأحداث الحقيقية في بلاد النور والجمال بجامعتها العريقة "السوربون" التي شهدت ميلاد عبقرية مخلصة تسعى لإيجاد المناخ الصحي للعقل والتنوير كما فعل جده الأكبر الطهطاوي.
سجل "شنب" على شريط السينما ملحمة العميد الخالدة والباقية مستلهمًا جينات العبقرية المتيبسة من هبوب رياح الانفتاح، لتمتد المقاومة للدراما التليفزيونية في العام 1979 بمسلسل "الأيام" عن سيرة العميد الشهيرة التي كتبها في العام 1926 وحولت دراميًا عبر أمينة الصاوي ويوسف جوهر مع إخراج المتميز يحيى العلمي، وتغريدة المطرب الكبير ذو الصوت الشجي مرسخًا نبرته الفولاذية في لقطات المسلسل على صخر التميز كما هو موجود بتتر المقدمة التي زُينت بكلمات الشاعر الكبير سيد حجاب، وأداء النجم الصاعد أحمد زكي الذي حمل لواء البطولة المُفجرة لموهبته النادرة على مدار تاريخ التمثيل.
نجح "يس" و"زكي" في التصدي لكل مرحلة حسب المساحة المتاحة للوعاء الفني للعملين، فياسين نجح في التعبير عن الوزير والأكاديمي والشخصية الفولاذية التي تحدت عوار الزمن الذي لم يتمكن من عزيمته ليطبع على صخر الحياة ، تفاصيل كثيرة لعصر بأكمله واجه الرياح العاتية ما بين مصر وفرنسا دون أن تهن عزيمته بإتمام المهمة لإضاءة شمعة تتغلب على ظلام العقول والأفئدة.
أما "زكي" فنجح في التركيز بتضاريسه المصرية الخالصة برسم ملامح الطالب الأزهري الذي لم نراه من قبل محولاً الكلمات المرسومة في السيرة الثرية إلى واقع تمثيلي دقيق يبرز لنا المناخ السائد في عصر الطالب الأزهري ثم المدني ، ومواجهاته العاتية ضد ظلامية بعض المشايخ والأساتذة المحافظين.
توالت الأعوام والعميد يبحث عن وعاء جديد يظهره للأجيال الجديدة من زوايا جديدة لديمومة مسيرته حتى وهو مواريًا الثرى ، فجاء العام 1990 مُشركًا المسرح في نيل شرف إلقاء الضوء على صاحب البصيرة اللامعة في مسرحية "رحلة التنوير" التي عرضت عصرًا بأكمله متضمنة سيرة العميد ، الذي جسد دوره على خشبة المسرح القومي الفنان القدير مفيد عاشور.
تعود الدراما مجددًا بإبراز العميد في الحلقة الأخيرة من مسلسل "الوسية" للمخرج إسماعيل عبد الحافظ بطاقة مرور النجم أحمد عبد العزيز ، عن سيرة خليل حسن خليل في العام 1991 ويطل علينا مجددًا مفيد عاشور منتقلاً من المسرح للسينما في المشهد الأخير وزير المعارف العموميه ، وهو يحفز صاحب السيرة بالنهل من ثقافة الغرب في بعثته بلندن متقنًا أدائه التمثيلي واللغوي بسلاسة ويسر.
تمر السنون ويأتي العام 2004 بظهور مسلسل "فارس الرومانسية" عن يوسف السباعي ، لنجد الفنان محمد ريحان يجسد بدقة واجتهاد دور المفكر المشجع للمواهب الجديدة أثناء إطلاقه لسلسلة "اقرأ" التي علمت الأجيال معنى الإطلاع الحقيقي مستلهمًا أول كلمة وردت وقت نزول الوحي كرد عملي على من شكك في عروبة وإسلام وإخلاص من أنقذ التراث من ربق العطن والتحلل.
يأتي العام 2011 ليطل علينا بتحفة هامة أخرجتها أنعام محمد علي وكتبها الكاتب محمد السيد عيد ، بعنوان "رجل لهذا الزمن" عن علي مصطفى مشرفة وعلاقته بالعميد الأستاذ والأكاديمي ومواقفه المشرفة بحماية حرم الجامعة من تدخلات الداخل والخارج ووقوفه بجانب أينشتاين العرب ناصرًا ابن وطنه من تسيد الإنجليز بين جدران الجامعة ، جسد شخصية العميد الفنان الراحل إبراهيم يسري مقتربًا منه قلبًا وقالبًا ، مضفيًا لمسته الخاصة بتقمصه للشخصية مجنبًا نفسه المقارنة بالسابقين.
تعود سيرة الأيام على مسرح مرةً أخرى من خلال فرقة المسرح الحديث ويعانق "عاشور" العميد تمثيليًا مضفيًا ملمحًا جيدًا يزيد من نضج الأداء التمثيلي متذكرًا تجربتيه السابقتين معه ، في تناول سيرته العطرة بعبق العلم والفكر.
سيظل العميد كتابًا مفتوحًا لن يمل المبدع من استلهام سيرته التي لن تنضب أبدًا ، مادام في الحياة من يسعون للحقيقة والمعرفة كالماء والهواء.