هيثم طلعت يرد على قول الملاحدة بأن «وجود كوكب بهذا الإتقان كالأرض هو أمر طبيعي»

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 23 ديسمبر 2024, 10:55 مساءً
  • 65
هيثم طلعت

هيثم طلعت

يقول بعض الملاحدة إن الأرض من الطبيعي أن يكون بها إتقانٌ، فهناك كواكب كثيرة ليست فيها حياة. فوجود كوكب بهذا الإتقان كالأرض هو أمر طبيعي بالنسبة لعدد الكواكب الكبير؛ أليس كذلك؟

وفي هذا الصدد، فند الدكتور هيثم طلعت، الباحث في ملف الإلحاد هذه الشبهة بالتفصيل، وبدأ بطرح سؤال: ما عَلاقة وجود كواكب كثيرة بنقد دليل الإتقان؟

وبين أن القضية ليست موادَّ أوَّلية، فليس بما أنني في غابة مليئة بكافة الخُضر والثمار والحيوانات، ليس معنى ذلك أن يظهر أمامي فجأةً في وسط الغابة إناء طعام مطبوخ شهيٍّ؛ فالقضية ليست موادَّ أوَّلية!

 وأيضًا ليس معنى توافُر الرمال في صحاري العالم، ليس معناه أبدًا أنني من الطبيعي أن أجد المعالجات الرَّقْمية والشرائح الإلكترونية التي تُصنع من الرمال، حولي في كل مكان في الصحراء!

 وشدد على أن القضية ليست موادَّ أولية؛ القضية صُنع وإتقان، فليس مجرد وجود مجموعة كواكب تكون كافية لأن يظهر بينها كوكب بهذا الإتقان كالأرض.

 

وأوضح  القضية إتقان وخلق وصُنع {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، فوجود كواكب أخرى كثيرة لا يبرر إطلاقًا وجود حياة على كوكب الأرض، فوجود كواكب أخرى لا يبرر تشفيرًا جينيًّا بداخلك يضبط كل وظائفك وأعضائك وهرموناتِك بضبطٍ مبهرٍ قبل أن توجد أنت بنفسك!

ذكر أن التشفير الجيني هو: جينات تحمل معلومات داخل كل خلية من خلاياك وخلايا كل كائن حي، والجين هو: شريط طويل جدًّا مكتوب عليه بنظام الشفرة أو بنظام الترميز مكتوب عليه خصائص ومعلومات كل عضو من أعضاء جسدك.

 

فمثلًا حتى ينشأ الكبد في الجنين لا بد أن يتواجد عدد مُعيَّن من الجينات، يُكتب عليهم بنظام الشفرة كيفية تكوُّن الكبد، ثم يتمُّ فك هذه الشفرة فيظهر كبدك! كل عضو من أعضائك، وكل إنزيم، وكل هرمون كلها تُشفَّر داخل الجينات الخاصة بك.

ويوجد في كل خلية من خلاياك 30 ألف جين تشفر لكل وظائفك.

وأوضح أن الحياة معلومة وليست بمادَّة، والنظم البيولوجية في جميع الكائنات الحية هي نظم معلوماتية وليست نُظمًا ماديَّة، مردفا: "عدد الحروف التي كُتبت بها جيناتُك هي أربعة مليارات حرف داخل كل خلية من خلايا جسدِك"، متسائلا: هل هذا الإعجاز يتمُّ تبريره بأن هناك كواكب أخرى كثيرة؟

ونوه إلى أن المشكلة أن الملحد يتعامل مع الكائنات الحية، ومع النظم المٌبدَعة بإتقان من حوله، يتعامل معها كما يتعامل مع لعبة البازل جيم Puzzle game، حيث يفكك الملحد مكونات الحياة والنظم المُبدَعة، يُفككها ثم يقوم بإعادة تجميعها من أماكن مختلفة.

 وقال إن الملحد يُفكك المطلوب ثم يعيد تجميعه! وطريقة تفكير الملحد غريبة جدًّا، متسائلا: هل وجود غابات كثيفة يبرر ظهور صينية طعام مُعدَّة بعناية؟ هل وجود كواكب كثيرة يُبرر ظهور أربعة مليارات حرف داخل كل خلية من خلاياك بمنتهى الضبط تشفر لوظائف جسدك، بحيث لو اختلَّ حرف واحد منها ربما حصلت مشكلة كبيرة؟

واستطرد طلعت: بُرهان الإتقان هو بُرهان عقلي حقيقيٌّ، يؤكد الخلق الإلهي والعلم والقدرة، ولا يمكن تجاوزه بهذه الخيالات الإلحادية، مشددا على أن إن الحاجة إلى ضرورة تبرير هذا الإتقان، وهذا التشفير، وهذه الحياة، وهذا الكون، وهذه النظم المعلوماتية، ضرورة تبرير كل هذا بإثبات الخالق، هي حاجة عقلية ماسَّة.

وقال: لو صعدنا أنا وأحد الملحدين على أحد الكواكب واكتشفنا جهازًا مُعقدًا يعمل بضبطٍ مبهرٍ، وحتى لو لم نفهم وظيفته بعدُ، هل يمكن إنكار الصانع لهذا الجهاز لمجرد ضخامة حجم الكوكب الذي نحن عليه؟

وواصل: البداهة العقلية تدفعنا أنا والملحد حين نرى هذا الجهاز للقول بالموجِد القادر، والذي ينكر هذه البداهة العقلية الذي يُنكر المُوجِد هو المُطالَب بالدليل وليس المُثبِت، مؤكدا أن الملحد في هذا الكون المبهر، في هذا الكون الأنيق هو المُطالب بالدليل وليس المؤمن!

 

 

ولفت إلى أن المُثبت للخالق يتفق مع البداهة العقلية، أما المنكر للخالق فهو معاند لهذه البداهة، مستطردا: "أنا صراحة أتعجَّب ممن يحاول أن يُسفسط بُرهان الإتقان في الكون بهذه الفروض الغريبة"، موضحا أن قِوام العلم التجريبي الحديث على رصد برهان الإتقان في الكون وفي الحياة، ثم يحصد العلماء الجوائز على ما رصدوه من إتقان!

وقدم طُرفة غريبة تُبين مدى معاندة الملحد ظاهريًّا لبرهان الإتقان، في الوقت الذي يُسلم فيه لهذا البرهان داخليًّا:

ذات مرة كتب الملحد اللاأدري كارل ساغان، رواية اسمها "كونتاكت"، يحكي فيها عن كيف أنَّ العلماء يبحثون عن ذكاء خارج الأرض.

 

وفي الرواية اكتشف العلماءُ سلسلة طويلة من الأرقام الأوَّلية قادمة من الفضاء الخارجي؛ ولأن هذا التسلسل الأولي يفيد قيمة رياضية مُحدَّدة، قيمة تدلُّ على نوع من الضبط، فكان هذا دليلًا عقليًّا كافيًا ليقطع هؤلاء العلماء في الرواية بأن هذه الرسالة قادمة من حضارة أخرى تحاول التواصل معنا!

كل دراسات البحث عن ذكاء خارج الأرض Search for Extraterrestrial Intelligence ستكتفي تمامًا برصد إشارة مثل هذه لتثبت وجود حضارة أخرى تحاول التواصل معنا!

الطرفة هنا أن كارل ساغان كاتب هذه الرواية هو لاأدريٌّ شهيرٌ، لكن عقله يُسلِّم بحقيقة أن التعقيد والنظام في رسالة صغيرة هو دليل على برهان الإيجاد والإتقان!

مُجرَّد سلسلة من أرقام أوَّلية ستقطع بوجود حضارة عملاقة؛ فكيف تَنسب أيها الملحد، كيف تنسب أربعة مليارات حرف داخل كل خلية من خلايا جسدك، والتي لو اختلَّ حرف واحد منها لربما حصلت كارثة، كيف تنسب كل هذا الإتقان إلى هذه المراوغات التي تفترضها؟

ليس من العقل في شيءٍ الاحتكام إلى خيالات وسفسطات وتخمينات لمنع تفسير الظاهرة في إطارها الدلالي على الخالق، هذا محض تحكُّم لا أكثر، وتعطيل لوظيفة العقل، {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].

ثم دعوني أتساءل: بأي دليل من خارجنا نحن مطالبون بالتمرُّد على برهان الإتقان الذي نستشعره؟

بأي دليل من خارجنا نحن مُطالبون بالتمرُّد على ما وقع تحت نظرنا وعقلنا ورصدنا؟

الآن الموقف انقلب: نحن الذين نُلزم الملحد بالتسليم بما ترصده الحواسُّ من إتقان، وهو يرفض ويعاند الرصد النظري والحسي، مع أنه يدعو دائمًا إلى الاستدلال بالرؤية المادية!

الإتقان هو: حقيقة مستقرَّة في هذا الكون، وفي نظم الكائنات الحية.

والعلم نفسه مُؤسَّس على أمل أن الكون به إتقان، العلم مؤسس على أنَّ العالم عقلاني -مستوعَب عقليًّا- ولو لم يُسلِّم العلم بهذه الحقيقة، فهذا يعني أنه لا مكان للعلم أصلًا، ولن تكون هناك معادلة رياضية صحيحة سارية يمكن تتبُّعها والتثبت منها والثقة بها!

فالعلم مُؤسَّس على أن الكون لا بد أن يكون متقنًا ولا بد أن يكون فيه ضبط وإبداع!

ولذلك فالعلم التجريبي وَضع ما يُعرف بمبدأ "الوتيرة الواحدة" Uniformitarianism والذي يؤكد أنَّ قوانين الطبيعة ثابتة عبر الزمان وعبر المكان، وهذه القوانين يمكن قياسها والثقة بالقياس.

 فالعالَم به ضبط دقيق، سواءً رصدناه أو لم نرصده، والعلم يُسلِّم بهذه الحقيقة حتى قبل البحث والكشف، وإنه {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]. سبحانه هو: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7].

تعليقات