وقفة علمية أمام قوله تعالى " وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ" !

  • أحمد نصار
  • الأحد 15 ديسمبر 2024, 2:24 مساءً
  • 211
الأرض

الأرض

 قال الدكتور محمد علي عبد المقصود، أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة القاهرة، وعضو اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة في الجيولوجيا، إنه ليس عند غير المسلمين ما يعرف بالحقيقة العلمية، بل كثير منهم يقول بأنه لا حقيقة في هذا الكون، فعندهم فقط النظرية العلمية، حتى بلغ الأمر ببعض فلاسفتهم أنهم اعترفوا فقط بحقيقة واحدة وهي الموت أما نحن المسلمون فالله هو الحق، ومحمد حق، والقرآن حق، والنار حق، والجنة حق، والموت حق، والبعث حق، والملائكة حق، ورسل الله حق، فمن يبحث في علوم الغرب التجريبية لن يجد عنواناً للحقيقة، لذا أوصي بأن نأخذ ما أصبح ظاهراً عياناً مثبتاً بالعلم التجريبي غير قابل للتغير، فهذه هي الحقيقة العلمية، ولنضرب لذلك مثالاً، وهو شكل الأرض(3)، فقد طرح قديماً كثير من النظريات عن شكلها، ولكن الذي يرى الأرض الآن من الفضاء، وباستخدام أشعة الليزر يقيس أبعادها ويصورها ويدور حولها، ولا ينبغي له إلا أن يقر بحقيقة شكلها التي خلقها الله عليه، فلن يأتي آخر ليقول لنا: إن الأرض إسطوانية الشكل مثلاً !! لقد تخطى العلماء هذه المرحلة وأخذوا يبحثون عن الحقائق الأخرى الغائبة عنهم، حيث لم يكن هناك ما يضيفونه إلى هذه المناقشة، فشكل الأرض مثلاً أصبح اليوم حقيقة علمية لا نظرية علمية وقس على ذلك الكثير.

وتابع: الإنسان عجز أمام حجم الأرض،حيث أن حجمها بالنسبة لحجم الإنسان كبير جداً، فقطرها يقارب13000 كيلو متراً، ومحيطها ( عند خط الاستواء) يقارب 38000 كم، فإذا صغرنا الأرض لتصير كحجم الإنسان، وصغرنا الإنسان بنفس القدر… ولكي نفهم هذا المعنى تخيل أنك أنت الأرض، فكيف يكون الإنسان بالنسبة لك إن حجمه يكون 12. 4 ميللميكرون، أي أنه لا يرى حتى بأعظم المجاهر، إن هذه المقارنة الحجمية تكشف لنا عن ضعف الإنسان وعجزه عن هذا العمل المعجز، وهو فرش الأرض، وتبين لنا معنى عظيماً، فقوله تعالى: { وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 48]، فالهاء تعود على الواحد القاهر، ولا يقدر على ذلك إلا خالقها، وصدق الله العظيم إذ يقول: { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً } [النساء: 28]… إن الإنسان يفكر ويحسب ويبتكر في حيز معلوم، أما الأمور المتعلقة بعظائم الكون وملكوت السماوات والأرض فإنه يقف أمامها عاجزاً، ومن أسباب عجزه ضعفه وصغر حجمه، فإذا علمنا أن الأرض هذه – والتي لا تقدر على فرشها بالنسبة لأجرام السماء كحبة رمل في صحراء مترامية الأطراف، ظهر لنا معنى جديد في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [الذاريات: 47]... فإذا كان فرش الأرض قد أعجزنا، فكيف بالسماوات ومن بناها. إن ( الهاء) هنا في ( فرشناها) تشعرنا بالعجز، وتحول بيننا وبين ما فوق ذلك من آيات، فنغض البصر ونمشي عليها بحياء، وصدق الله العظيم إذ يقول: { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: 4]، فالهاء تشعرنا نحن الجيولوجيين بإعجاز مكاني.

وأردف قائلا: إن الله جلت قدرته جعل لكل مخلوق عمراً يتناسب مع ما خلقه له، فمن المخلوقات كجسيمات الذرة لا يتعدى عمرها لحظات، ومن الحشرات ما يعيش شهراً، ومن الحيوانات ما يعيش أعواماً، ومن الزواحف ما يصل عمره إلى عدة مئات من السنين… فدورة الحياة تختلف باختلاف المخلوق، أما الإنسان فمتوسط عمره بضع عشرات من السنين، وفي الحديث النبوي الشريف: ( أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين )، وقد كان عمره الشريف صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستون عاماً هجرياً، والأرض مخلوق بلغ من العمر حتى يومنا هذا ( 4500) مليون سنة، ولها نهاية هي القيام: {… وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ… } [الزخرف: 85]، وكما أن الإنسان لا يعرف متى ينتهي أجله، فإن الجيولوجيين لا يعرفون متى ينتهي عمر الأرض، إلا أن العجز الزماني يتضح لنا جلياً حين نعلم أن فرش الأرض – وكما سيتبين لنا بعد قليل – قد استغرق، أو قل إنه يلزمه ليصبح على ما هو عليه من إبداع، كل هذا العمر من السنين (4500 مليون سنة)… فكيف للإنسان أن يفرش الأرض، ونعود ثانية لهذه الآية في {فَرَشْنَاهَا } فلا يقدر على فرشها إلا الحي الذي لا يموت. فالهاء تشعرنا نحن الجيولوجيين أيضاً بإعجاز زماني.. وإذا عجزنا عن زمان الأرض فكيف بالسماوات.

ولفت إلى أن الضوء المسافر بسرعته الهائلة (300.000كم/ثانية) يستغرق مئات السنين ليصل لأقرب نجم خارج مجموعتنا الشمسية, ناهيك عن أطراف المجرة(4)، عن الأرض – ومعها مجموعتنا من الكواكب – ترحل حول مركز المجرة فتكمل دورة كاملة في (200) مليون سنة… فما بالك بسائر المجرات وبالكون المنظور… كيف يتسنى للإنسان وعمره لا يعدو بضع عشرات من السنين أن يرحل عبر هذا الكون، إن الإنسان يعلم ولا يقدر وحتى علمه قليل: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].، فالعجز الزماني في موضوع الأرض يعمل حائلاً بيننا وبين الجرأة على ما عداه من الكون…. !!

 

ونوه إلى وزن الإنسان ووزن الأرض، حيث أن متوسط وزن الإنسان معلوم لنا – وهو حوالي 70 كجم. ولننظر الآن تدريجياً إلى الأوزان التي حولنا، فكيف بوزن مخرجات أعمال الترميم لشقة سكنية، فكيف يوزن البيت كله، إنه أكبر بالتأكيد، فكيف بوزن المدينة التي نعيش فيها، فكيف بوزن قارة مثل إفريقيا، وكيف بوزن خزان مياه صغير… هل تقدر على حمله ؟ فما هو وزن البحر الأبيض المتوسط مثلاً ؟.. وكيف بوزن المحيط الأطلسي ؟.. بل كيف بوزن المياه على الأرض والقارات.. ؟؟ المعروف عندنا أنه كلما زادت الكتلة كلما زاد الوزن حتى تصل إلى الأرض وما عليها، إن وزنها (6 × 10 24) طن، وهو رقم من الصعب أن نجد له منطوقاً، لقد وزن الإنسان من زمن طويل الأرض وهو واقف عليها واستخدامه في ذلك ميزاناً كبير الحجم ارتفاع 5 أمتار وله أربع كفات ( لا اثنتان) وقد استطاع أن يعرف وزن الأرض الهائلة – والتي يعيش عليها – فلا يكاد يرى لصغر حجمه، إنه دائماً يعلم ولا يقدر فيخر ساجداً لله: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر: 28]، وقد استخدم الله في الآية وصفاً لا يقدر عليه إلا العليم الخبير، وهو ( الخشية)، لأن من عَلِم عِلْم اليقين أحس بقوة الله وشعر بعجزه هو فيُحدث في نفسه خشية، والخشية غير الخوف، فالخشية خضوع وانكماش ولزوم للحد.

وأشار إلى أن هذه الأرض الهائلة الوزن معلقة في الفضاء من غير عمد تسبح في كون الله بقدر معلوم، فمن ذا الذي رفعها وأبقاها من غير عمد ؟.. ويحتدم النقاش، فيقول قائل منا: إن هناك قانوناً جديداً يحكم العلاقة بين كتلة الأرض والشمس وحركة الأرض حول الشمس، ينتج عنه إمكانية بقاء الأرض معلقة.. هكذا أثناء دورانها. فيقول قائل: إنني أرى في هذا قمة الإعجاز لأنه القانون الحاكم للكتلة قد تغير، فبعد أن كان على الأرض يزداد الوزن بازدياد الكتلة ظهر في السماء قانون يلاشي الوزن، هذا التغير العكسي في القوانين لتحقيق مصلحة ما – وهي بقاء الأرض معلقة – هو ما يعرف بالتدبير، والذي يشير حتماً لوجود مدبر لهذا الكون.

وتابع: من هنا وقبل أن نرى معجزة ( فرش) الأرض نتوقف قليلاً لنعلم كم تعجزنا الأحجام وكم يعجزنا الزمان وكم تعجزنا الأوزان أمام قدرة الحنان المنان في فرش الأرض ورفع السماء: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً… } [البقرة: 22]. ولا أقول بأسماء الله الحنان والمنان لسجع أو لحسن بيان، ولكن لأن في بديع خلق السماوات والأرض حنان من الله ومنة على عباده، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم… إذ يقول مناجياً ربه: ( يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض، لبيك لا شريك لك لبيك ).

أما من الناحية الجيولوجية، فقد وصف العليم الخبير الأرض بأنها مهد: { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }... ولقد بدا الإعداد لفرش الأرض على ما نراه عليها الآن بتكوين قشرتها، فعمر الأرض (4500) مليون سنة، لكن أقدم الصخور عمراً على الأرض يبلغ (3. 800) مليون سنة، وما بين الزمنان كانت الأرض كتلة من سوائل وغازات لا شكل لها، مرتفعة الحرارة، واستغرق تكوين شكلها – نتيجة لدورانها حول نفسها واستقرار هذا الشكل – بتكوين قشرة خارجية صلبة (5) زمناً كبيراً، وهنا نرى إعجازاً رائعاً في كتاب الله، إذ يقول الخالق العليم: { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30]… والإعجاز في قوله: { بعد ذلك }، فلم يتم دحي الأرض في أول خلقها بل استغرق ذلك زمناً، فقال العليم الخبير: { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] وسواء كان الدحي متأخراً عن خلق السماوات أو خلق الأرض، فإنه جاء متأخراً، لقوله { بعد ذلك } ولم يكن متزاملاً مع ما قبله… فالجيولوجيين يعلمون أن ( بعد ذلك) قدرها ( 700) مليون سنة، فتبارك الله أحسن الخالقين.

نقلا عن موقع إعجاز القرآن والسنة

تعليقات