أكاديمية بناء تحتفل بتخريج الدفعة التاسعة في حفل علمي فريد لنقد الإلحاد
- السبت 19 أبريل 2025
تعبيرية
كثيرا هم الذي راحوا يروجون ويزعمون أن حديث البخاري عن طول أبينا آدم (ستون ذراعاً في السماء) حديث غير علمي لكونه مخالف لعلوم زماننا التي تري إستحالة وجود جسد بهذه الضخامة، فلا تحمله العظام ولا تقوي الأعضاء علي خدمته، ولا وجدنا حفريات تدل عليه. وكما أشكل هذا الحديث علينا، فقد أشكل أيضاً على ابن حجر العسقلاني عند شرح الحديث، حيث استشهد بقري ثمود، وهم الأقرب زمناً لآدم، ومع ذلك تدل علي أن طولهم كطولنا. وأيضاً تم العثور على أجساد مُحنطة بعمر يقترب من عشرة آلاف عام، وقريبة من أجسادنا، فكيف نفهم حديث طول آدم في ظل هذه المُعطيات؟، وفقا لصفحة الإعجاز العلمي في القرآن .
وتابعت أن هناك تأويلان
للحديث؛ تمثلت في
١.
آدم نزل للأرض بطول (٦٠ ذراع) ثم نقص الطول تدريجياً، ولا نعلم مقدار مدة التناقص،
مع ملاحظة أنه لا يوجد نص إسلامي نفهم منه مقدار عُمر البشرية، وليس للعلم المادي كلام
قاطع حول عمر البشرية لإنكاره الخلق المُباشر.
٢.
نقص طول آدم حين نزل للأرض، ولكن نزل للأرض بطول أكبر من أطوالنا الحالية، ثم حدث النقصان.
وأكملت: يقول العلامة المعلمي
اليماني (وقد يكون خلق ستين ذراعاً فلما أهبط إلى الأرض نقص من طوله دفعة واحدة ليناسب
حال الأرض إلا أنه بقي أطول مما عليه الناس الآن بقليل ثم لم يزل ذلك القليل يتناقص
في الجملة)، الأنوار الكاشفة ص187، والسؤال الحتمي، كيف سنرجح بين التأويلين؟!، وإذا
أخذنا بالتأويل الأول (٦٠ ذراع) إصطدمنا بالعلم، وإذا أخذنا بالثاني (نقص طول آدم لما
نزل الأرض) رفعنا الإشكال، ولم نصطدم بالعلم، بل إن العلم سيدعم إمكانية أن آدم نزل
للأرض بطول ربما أكبر من طولنا الحالي.
وأضافت أن شيخ المفسرين
الطبري واجهته مشكلة قريبة من مشكلة حديث طول آدم عند تفسير قول الله (والبحر المسجور)،
حيث وجد الطبري نفسه أمام تأويلين، الأول أنه موقد أي مُشتعل ناراً، والثاني المملوء
بالماء. وتحير الطبري بين القولين، إذا أخذ بالأول خالف علم زمانه، فلا علم لهم ببحر
فيه نار. وإذا أخذ بالثاني فلم يقدم أي جديد في وصف البحر لأن الكل يعلم أنه مملوء
بالماء، إلا إذا أراد الله عد نعمه علي البشر فيكون تفسيراً مقبولاً.
وتسألت فماذا فعل الطبري
لحل هذا الإشكال؟!، أخذ بالقول الثاني (مملوء بالماء), وسجل القول الأول للتاريخ, حتي
لا يضيع ما قد يثبت مُستقبلاً. فلما تطور العلم وتم الكشف عن صدوع بها نار في قيعان
البحار، وجدنا تفسير الطبري يذكر هذا المعنى اللغوي المهم، ولذا ففعل الطبري يعتبر
أحسن منهج لتأويل الآيات التي قد تصطدم بالواقع، وبالمثل عند تأويل حديث طول آدم، سأقدم
قول المعلمي، مع بقاء إحتمال أن يكون آدم نزل الي الأرض بطول ٦٠ ذراع، ولكن بحاجة لإثبات
علمي، ولعله يظهر مُستقبلاً.
وأردفت قائلة : إنه مما
يدعم رأي المعلمي (نقصان الطول عند النزول للأرض)، حيث أن حديث وصف طول آدم، يُمكن
أن يُفهم من ظاهره أنه كان عند بداية خلق آدم، وقبل هبوطه للأرض، وهذا ما نلمسه من
ختام حديث البخاري (علَى خَلْقِ رَجُلٍ واحِدٍ، علَى صُورَةِ أبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ
ذِرَاعًا في السَّمَاءِ)، فتكون عودتنا للجنة على نفس صورة آدم التي خلقه الله عليها
حين سكن الجنة. مع ملاحظة أنه لم تصح رواية مرفوعة للنبي، ولم نجد آية، تقول نزل آدم
للأرض بطول ٦٠ ذراع، والله وحده أعلم بالحق، موضحا أنه لا مانع عقلاً أن يكون الله
أنزل آدم إلي الأرض بحجم أكبر مما إعتدنا ليكون له من القوة ما يمكنه من جلب النفع،
ودفع الأذي عن نفسه، فهو أول البشر على الأرض، ولا ذرية تساعده، والأرض بها من المخاطر
ما الله به عليم، فكان الحجم عامل مهم، ولعل هذا من حفظ الله له.
وأضافت أنه لا يوجد مانع
شرعي من آدم كان أطول من البشر في زماننا، وإلا فمن أين أتى بعض ذريته بالطول المفرط؟!.
فبعض ذرية آدم قديماً و حديثاً تميزوا بالبصطة في الجسم مثل طالوت، و قوم عاد، وكل
ضخام الجسد الذين تم تسجيلهم غبر التاريخ الحديث بسبب مرض العملقة Gigantism، والذين تزيد قامة الواحد فيهم عن مترين ونصف،
وقد تقترب من ثلاثة أمتار. ومن يعلم فقد يكون هناك من تجاوز ذلك، فنحن لا نعلم ما هو
مقدار البصطة التي كانت لبعض ذرية آدم، ولا نمتلك جثث أو حفريات جميع من ماتوا. وفي
النقاط القادمة أبين كيف نستدل شرعا وعلماً على أن طول الذرية فيه دليل على طول الأصل
آدم.
ونوهت إلى أن النص الإسلامي،
قد ذكر أن الذرية صورة من الآباء مع شيء من التحسين، وأن صفات المولود الوراثية لا
تحددها أمشاج الأبوين فقط، وإنما يدخل في ذلك الأجداد من أول جد إلى آدم، ولذا فظهور
صفة الطول المفرط في بعض الذرية له إرتباط بطول الأجداد، وخصوصاً طول آدم، حيث أن خلق
آدم وبنيه غير منفصلين، بل متصلين بالوسيط الذي ينقل الصفات الوراثية وهو الأمشاج التي
تحدد صفات المولود، قال تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ
الْإِنسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ)،
وعليه فصفات آدم ومنها الطول لابد وأن تنتقل لذريته ولكن بصفات متفاوتة فيكون منهم
الطويل والقصير حسب الجينات، ومقدار التحسين الوراثي، ولا مانع علمي أن تصاب جينات
الطول بالضعف والتتحي فينقص الطول تدريجياً بتقدم عمر الإنسانية على الأرض. ولا مانع
علمي أيضاً أنه لو إختفت صفة الطول في بعض الأجيال، فمن الممكن أن ترجع في البعض الآخر
لوجود قوانين وراثية تعمل علي اظهار صفات الأجداد من وقت لآخر.
وأشارت إلى أن النص الإسلامي
يشير لذلك بجلاء حيث قال الله (الذى خلقك فسواك فعدلك فى أى صورة ما شاء ركبك)، والآية
يفسرها حديث النبي (إذا أراد الله جل ذكره أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه
في كل عرق وعصب منها فإذا كان يوم السابع أحضر الله عز وجل له كل عرق بينه وبين آدم
ثم قرأ : ( في أي صورة ما شاء ركبك) صححه الألبانى، و الحديث يدل علي أن الصفات الوراثية
للذرية ليست بمعزل عما كان عليه الأجداد حتى أبينا آدم، فما ظهر من تنوع في صفات بنيه
لا يخرج عما كان عليه الآباء والأجداد، حيث لا يوجد مانع علمي من أن يكون آدم أكثر
طولا مما نحن عليه الآن، فمن الناحية العلمية هناك الكثير من المكتشفات العلمية التي
تثبت أن هناك منظومة معقدة تتحكم في صفة الطول، بعضها جينية، وبعضها هرمونية، بالإضافة
للعوامل البيئية، وهذه المنظومة شاهد على أن طول البشر في السابق (عهد آدم) قد يكون
أكبر من الحالي، وعند فهم عمل هذه المنظومة فسوف يتم إستغلالها في إعادة تضخيم الأجسام
لزيادة قوتها، وربما أعمارها، فدعونا نطالع بعض الدراسات العلمية حول الجينات وتأثيرها
علي الطول والحجم.
ولفتت إلى مقال منشور في مجلة العلوم الأمريكية نجد فيه أن
الطول صفة مُعقدة تعتمد على الوراثة الكمية لعدد غير معروف من الحينات، وأيضاً على
الهرمونات، والتغذية كعامل بيئي، ولكن معظم التأثير لصالح العامل الجيني والذي يمثل
حوالي ٦٠ الى ٨٠ %. ولشدة تعقيد هذه المنظومة يصعب فهم كيفية التحكم في الطول والحجم
(1). وقد بدأ إكتشاف أول جين للطول في بداية القرن الحالي (2)، ثم توالت الإكتشافات
لكثير من المنظومة الجينية في السنوات الأخيرة، بعضها اذا نشط يتسبب في الطول والبعض
الآخر إذا نشط يتسبب في القصر، حتى وصلنا إلى عام ٢٠٢٢ حيث نشرت مجلة نيتشر أكبر دراسة
من نوعها، وتم فيها إكتشاف أكثر من (12000) متغير جيني يؤثر على الطول (3). والأمر
لن يقف عند حدود إكتشاف جينات الطول، ولكن يتخطاه للتطبيق العملي، فصدر كتاب بعنوان
(حجم الإنسان وقوانين التحجيم)، يتنبأ بالقدرات العلمية المستقبلية علي إمكانية زيادة
حجم الانسان، وطوله من خلال الجينات (4). وإن كان الأمر ليس سهلاً، لأن زيادة الطول
تستوجب تضخيم جميع مكونات الجسم لتتمكن من خدمة الجسد الضخم دون إنهيار في القدرة الوظيفية،
ولذا فتضخيم الجسد لا يكفي فيه معرفة جينات الطول وفقط ولكن لابد من معرفة جينات تضخيم
باقي الأعضاء لضمان التناسب السوي بين الطول وكفاءة الأعضاء.
وختمت أنه عليه فقد بدأ
السباق لزيادة حجم الإنسان، ومن يدري كيف ينتهي، أو ما هي القدرات القصوي للحمض النووي
لتضخيم حجم الإنسان، ومن يدري لعلنا نسمع قريباً عن مقال بعنوان (الجينات و طول آدم:
تاريخ البشرية من العملقة الي القصر)، وهل هناك دليل علمي على تناقص طول البشرية؟ عند
الجواب على هذا السؤال ينبغي أن نضع في حسباننا أن عمر البشرية على الأرض غير معلوم،
وأن جثث أو هياكل جميع من ماتوا ليست في إمكام العلم للدراسة، ولذا هناك صعوبة شديدة
للجواب على مثل هذا السؤال. ومع ذلك فهناك بعض الدراسات العلمية التي تمت على الجنس
الأوروبي لتقارن طول الإنسان من حوالي ٤٠ ألف عام والآن، وخلصت هذه الدراسات إلى الحكم
بتناقص الطول (5,6)، فالحمد لله الذي أعز حديث رسول الله بهذه الدراسات، وأظهر لنا
ما فيها من إعجا.