بالقصص الدينية.. الأزهر للفتوي يؤكد ضرورة ترسيخ عبودية الله في قلوب الأبناء
- السبت 14 ديسمبر 2024
تعبيرية
من يتدبر آيات خلق البشرية، التي جاءت ضمن آيات القرآن الكريم، سوف يجد فرقا كبيرا،وواضحا بين الحكي عن طريقة خلق وتصوير آدم، وطريقة خلق وتصوير ذريته في الأصلاب ثم في الأرحام، فآدم أوجده الله بالخلق المباشر، وأما الذرية فقد أوجدها الله أولاً في صلب آدم كخلايا جنسية، ثم في الأرحام بالخلق الموجه عن طريق الصورة المركبة داخل النطفة الامشاج، بداية من خلق وتصوير آدم، حيث وصف الله خلق وتصوير آدم بقوله (ولقد خلقناكم ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، فكان الخلق قبل التصوير، وكما هو معلوم أن الخلق هو إيجاد ما لم يكن موجود، والله اخبرنا بخلق آدم من تراب وماء، فطين لازب، فحمأ مسنون، ثم صلصال كالفخار ثم تسوية ونفخ الروح، وفقا لما ذكره الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الدكتور محمود نجا، استاذ بكلية طب المنصورة.
وأوضح أن كلمة مسنون لها
معاني عديدة؛ منها قل ماءه، والمتغير المنتن، والذي تطاولت عليه السنون، ومنها المصبوب،
والمصور صورة إنسان أجوف، وسن الشيء صقله وتحديده مثل سن الحديد، ومنه المسن وهو أداة
صقل وتحديد. وكل هذه المعاني يمكن الجمع بينها فترك الطين اللازب لمدة يجعل ماءه يقل
ويصبح أكثر تماسكا وأكثر تغيراً في الرائحة، وأكثر قابلية للصب على صورة معلومة، وصقله
وتحديده. ومسنون اسم مفعول يدل على كثرة فعل السن، فكل بروتين في الجسد بحاجة لعملية
سن خاصة، فيكون جسد آدم مسنون على صورة معينة لكل مركب من مركباته، مشيرا إلى أن هذا
المعنى يذكرني بالطباعة البيولوجية ثلاثية الأبعاد، والتي يتم فيها صب مركبات البروتين
والحمض النووي لتشكيل خلايا وأنسجة وأعضاء صناعية، وإن شاء الله أشرحها بشيء من التفصيل
في مقال قادم عن مُضاهة خلق الله بالطباعة البيولوجية، بدلا من الإيجاد بالتطور.
وتابع: أما التصوير لغةً
فله معنيان يتكاملان معاً، الأول التشكيل والتخطيط للجسد، وهو متوافق مع معنى مسنون،
والمعنى الثاني أخذ صورة للأصل. ولا نعلم صورة مطابقة لجسد آدم غير الحمض النووي (البصمة
الوراثية)، ولدقة هذه العملية، وأهميتها فقد جعل الله لنفسه إسماً خاصاً يدل عليها،
وهو (المصور)، وهو اسم خاص بالكائنات الحية، ولا علاقة له بالجمادات كما يقول أهل العلم،
ومعناه الذي أعطى لكل كائن حي صورته الخاصة التي يتميز بها على سائر الكائنات، وهذا
التعريف ينطبق على الصورة الشكلية للجسد، كما ينطبق على الصورة الجينية أي الحمض النووي،
والله تعالى أعلى وأعلم.
وأكمل: أما الجمع في (خلقناكم
ثم صورناكم)، فلأن الخلق والتصوير يشمل آدم والذرية كما يقول القرطبي وغيره، فالله
خلق جسد آدم بصورته الشكلية المعلومة له، وجعل له صورة تماثل الخلقة الشكلية، وهي الحمض
النووي. وأما خلق الذرية فهو بخلق خلاياهم الجنسية في صلب آدم، وتصوير حمضها النووي.
والواو في (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) يسميها أهل العلم واو الإبتداء، فلن يكون للذرية
خلق وتصوير إلا بإبتداء خلق وتصوير آدم، فهو الأصل ونحن صور منه.
وأشار إلى تصوير وخلق ذرية
آدم في الأصلاب، حيث أن الله جل في علاه، بدأ خلق الذرية في صلب آدم، فلابد أن ينشأ
في أذهاننا سؤال غاية في الأهمية؛ إذا كان الله قد خلقنا وصورنا في صلب آدم، فلماذا
لا نشبه آدم؟، أليست كلمة التصوير تفيد مماثلة الصورة للأصل؟ والجواب هو نعم ينبغي
ان تكون الصورة مماثلة للأصل، ولأن آية الأعراف (خلقناكم ثم صورناكم) تتحدث عن خلق
وتصوير الخلايا الجنسية للذرية في الأصلاب، فلابد أن كل خلية جنسية تحمل نفس التركيب
الوراثي لصاحبها، فهي صورة مماثلة للخلايا الجسدية لآدم، ولذا فقد صدق الله في هذه
الآية عندما قال (صورناكم) بدون ذكر أي تعديل على الصورة.
وأردف قائلا: إنه منطقياً لابد من ذكر آية أخرى تنص على تعديل صورنا
أو صفاتنا الوراثية عن آدم بحيث لا نشبه آدم، فهل في القرآن مثل هذه الآية؟ والجواب
هو نعم، قال الله في سورتيّ غافر (٦٣)، والتغابن (٣) عن تصوير بني آدم (وصوركم فأحسن
صوركم)، كما أن كلمة (أحسن) لغةً قد تكون من الحُسن، وقد تكون بمعنى التحسين، وأول
معنى للتحسين في كتب اللغة هو الزيادة أو الإنتقاص عن الأصل، وبذلك لن تشبه الصورة
الأصل.
وأضاف أنه من الناحية العلمية
معلوم أن الخلايا الجنسية لكل إنسان تشبه في تركيبها الوراثي الخلايا الجسدية لصاحب
الخلايا الجنسية، مع الفارق فالخلايا الجنسية تمتلك القدرة على الإنقسام المنصف (الميوزي)
والذي يحدث فيه حدثان مُميزان؛ الأول تنصيف عدد الكروموسومات من ٤٦ في الخلايا الجنسية
إلى ٢٣ في الخلايا المشيجية الناتجة بعد الإنقسام. أما الحدث الثاني فهو عملية العبور
أو التقاطع بين ازواج الكروموسومات المتشابهة شكلياً (chiasma)، وهذه العملية أحب أن أسميها تزاوج الكروموسومات،
وفيها يحدث تبادل للمادة الوراثية بين جينات كل كروموسومين متشابهين، فينتج عن ذلك
تحسين في صفات كل منهما سواء بالإضافة او الإنقاص، وبذلك تختلف الذرية عن الأصل.
وتابع قائلا: فسبحان الله
الذي أعجز البشرية في وصفه لخلق الذرية في صلب آدم على مرحلتين، الأولى خلق الخلية
الجنسية المماثلة وراثياً للأصل (خلقناكم ثم صورناكم)، والثانية إدخال التحسين على
صورة الذرية (وصوركم فأحسن صوركم)، لكي تكون هناك صورة خاصة لكل إنسان يتميز بها عن
الآخر، ولا أعلم كتاب على وجه الأرض ذكر هذه المعلومات قبل القرآن، فالحمد لله على
نعمة الإسلام.
كما تطرق إلى تصوير وخلق
الذرية في الأرحام، فبعد أن وصف الله خلق وتصوير الذرية في الأصلاب، وبين كيفية تحسين
صفات الذرية عن الأصل، ينتقل بنا القرآن في إعجاز فريد لوصف إيجاد الذرية في الأرحام
بالخلق الموجه عن طريق الصورة المركبة، فتصوير الذرية في الأرحام يسبق خلقها، ولذا
قال الله في سورة آل عمران (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء)، ثم قال لاحقاً في
سورة الزمر (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق)، فكان ذكر تصوير الذرية في الأرحام
قبل ذكر الخلق من بعد خلق في البطون والأرحام، ثم جمع الله بين تصوير وخلق الذرية في
الأرحام في سورة الإنفطار فقال (خلقك فسواك فعدلك)، فإن سألنا كيف يتم الخلق والتسوية
والتعديل داخل النطفة الأمشاج لإنتاج خلايا متخصصة وأنسجة، وأعضاء، وكلها بحاجة لإعادة
الترتيب والتعديل للوصول للشكل الإنساني المعلوم؟
وأكمل : نجد الجواب في
الآية التالية (في أي صورة ما شاء ركبك)، فالصورة المركبة كما يقول ابن تيمية هي اجتماع
نطفة الأب مع نطفة الأم لخلق النطفة الأمشاج، فابن تيمية يرى أن الجنين لم تتفرق أجزاءه
وتنفصل عن بعضها ليوصف بإعادة التركيب، ولكن الذي انفصل عنده واحتاج للتركيب هو نطفة
الأب ونطفة الأم، حيث تتكون النطفة الامشاج عند مشج (خلط) النطفتين معاً. وأنا أتفق
مع ما قاله ابن تيمية بنسبة ١٠٠ %. وفقط أزيد أن هناك فرق جوهري بين النطفة الأمشاج،
والصورة المركبة، فالنطفة الأمشاج تصف إلتقاء النطفتين وخلطهما معاً، أما الصورة المركبة
فتصف ما بداخل النطفة الأمشاج من تراكب للصفات الوراثية مُمثلة في الحمض النووي
(٤٦ كروموسوم)، وهذه الصورة المركبة تتكون من نصفين، الأول من كرومسومات الحوين
(٢٣ كروموسوم)، والنصف الآخر من كروموسومات البويضة (٢٣ كروموسوم). وهذه الصورة المركبة
هي التي توجه عملية خلق وتسوية وتعديل جسد الذرية في الأرحام، كما أنها تحدد صفات الجنين
الوراثية، وكلا الأمرين مذكور في الأحاديث النبوية بوضوح شديد. كالتالي؛
١.
ذكر التصوير كموجه لخلق أعضاء الجنين، كما في حديث رسول الله في صحيح مسلم (إذا بلغت
النطفة ثنتان وأربعين ليلة أتاها ملك من قبل الله فصورها وخلق لها سمعها وبصرها وجلدها......الحديث)،
وكما هو واضح من سياق الحديث فخلق كل عضو على صفة شكلية معينة لا يتم إلا بتصويره من
النطفة، اي من عروق النطفة، أو ما يسميه العلم الكروموسومات.
٢.
ذكر النبي دور الصورة المركبة في تحديد صفات الذرية، وذلك في حديث الطبراني، والذي
صححه الألباني (إذا أراد الله خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو
منها، فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم، ثم قرأ قول الله
صورة ما شاء ركبه).
ونوه إلى أن هذا الحديث
بحاجة لمقال خاص، ولكن مؤقتاً الحديث يتكلم عن التقاء عروق نطفة الرجل بعروق نطفة المرأة،
وأثر ذلك في تحديد الصفات الوراثية للذرية، وتأثرها بصفات الأجداد حتى آدم، مما سبق
يتبين لنا أن الصورة المركبة تمثل وسيط بين آدم والذرية لنقل الصفات الوراثية. والصورة
المركبة هي ما بداخل النطفة الأمشاج من حمض نووي (عروق النطفة)، قال الله (ولقد خلقنا
الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)، والهاء في (جعلناه) تعود للإنسان
المخلوق من طين، والذي صيره الله بقدرته فجعله مصدر النطفة التي تعمل كوسيط ناقل للصفات
الوراثية للذرية، ولذا قال الله في سورة الإنسان (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)،
وبذلك نفهم كيف خلق الله آدم، ثم خلق النطفة في صلبه، وعند التلقيح مع نطفة حواء، تتكون
النطفة الامشاج، والتي تحمل الصورة المركبة للذرية، والتي توجه خلق جسد الذرية في الأرحام،
فسبحان من أعجز البشرية بهذه العلوم التي تصف خلق ذرية الإنسان في الأصلاب وتحسين صفاته،
ثم في الأرحام بتوجيه من الصورة المركبة بداخل النطفة الأمشاج، وهي علوم لم تعرفها
البشرية إلا قريباً جداً.