كيف نوفق بين "لن يدخل أحد الجنة بعمله إلا بفضل الله ورحمته"، و"ادخلو الجنة بما كنتم تعملون"
- الأربعاء 27 نوفمبر 2024
تعبيرية
يقول رب العزة في كتابه الكريم : "يخلقكم في
بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلماتٍ ثلاث"، فلو كان خلق الجنين من البداية
للنهاية في الرحم فلا معنى عندها لذكر البطون في الآية، ولقال الله (يخلقكم في أرحام
أمهاتكم)، وهو ما لم يحدث، فالبطون أدق من الأرحام، لإشتمالها على كل الأعضاء التي
تتم فيها مراحل الخلق داخل البطون، وهذه المراحل منها ما هو مُستتر خفي لا يمكن إدراكه
إلا بالوسائل العلمية الحديثة، مثل خلق النطفة في المبيض، وخلق النطفة الأمشاج في قناة
فالوب، وقد أشار القرآن لهذا الخفاء في آية (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم
مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، وكلمة البطون
أدق من الأرحام، لتعلقها بعلم الله المُحيط، ويقتضي معرفة نشأتنا من تراب، ثم خلقنا
في المبيض، وقناة فالوب، والرحم، فلو استبدل الله البطون بالأرحام في هذه الآية لنقص
علم الله بمراحل خلقنا، ومعلوم ان كلمة جنين مُشتقة من الفعل (جن)، وهو الستر والخفاء،
قال الله (فلما جن عليه الليل)، أي ستره وغطاه. ولذا أرفض أن يُقال في آيات البطون
أن الله أطلق الكل (بطون)، وأراد الجزء (الرحم)، فدلالة البطون اللغوية أوسع بكثير
من الأرحام، هذا ما ذكره الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الدكتور محمود عبد
الله نجا، الاستاذ بكلية طب جامعة المنصورة.
وأردف قائلا: اذا ذكر الله الأرحام في آية، فهي
أدق من البطون، فلا يُقال عندها اطلق الله الجزء (الرحم)، وأراد الكل (البطون)، ومثال
ذلك آية (هو الذي يصوركم في الأرحام)، ومعلوم من حديث صحيح مسلم ان التصوير يتم بعد
٦ اسابيع (إذا بلغت النطفة اثنتان وأربعين ليلة أتاها ملك من قبل الله فصورها)، ولذا
ناسب الرحم لفظة التصوير، اذ لا يوجد تصوير للجنين بالشكل الإنساني في المبيض أو في
قناة فالوب. وأيضاً في قول الله (ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)،
منوها إلى أن المرأة المطلقة لن يظهر حملها إلا بتعلق الولد ببطانة الرحم، وانقطاع
الدورة الشهرية، وهذا لا يحدث في المبيض أو في قناة فالوب، فكانت لفظة الرحم أدق من
البطون.
وأوضح أن المفسرين اتفقوا بالإجماع أن الفعل (يخلقكم)
جاء بالمضارع ليصف الخلق التدريجي للجنين في بطن أمه ابتداءاً من النطفة، وإتفقوا أيضاً
أن (خلقاً من بعد خلق) هي وصف للأطوار الجنينية التي ذكر الله خلقها في آيات مُتفرقة
(نطفة، نكفة أمشاج، باقي الأطوار)، وإتفقوا أيضاً على أن (ظلمات ثلاث) مُتعلقة بالفعل
يخلقكم، وبالخلق من بعد خلق، ولازم هذا القول أن جميع مراحل الجنين بداية من النطفة
لابد أن تتم داخل الظلمات الثلاث. فكانت مُقدماتهم لفهم الآية سليمة ١٠٠%، ولكن النتيجة
النهائية خطأ، فتفسير الظلمات الثلاث بأنها الرحم والمشيمة والبطن، أو طبقات المشيمة
فقط، لا يستوعب جميع مراحل الخلق بدايةً من النطفة، والمشيمة علمياً لا تغطي الجنين
من مرحلة النطفة، وإنما تكتمل بعد ثلاث أسابيع تقريبا من التلقيح.
وتابع: ولذا ليس عيباً أن نعترف أن تصور المفسرين
عن مراحل الحمل كان بدائي، وتأثر بما شاهدوه في بيئتهم، ولذا فهم معذورون في ذلك. ونحن
لا نبحث عن إعجاز علمي حول فهم المفسرين للآيات، ولكن نبحث عن الإعجاز العلمي للفهم
الصحيح للآية، طالما أقر المفسرون بأن الفعل (يخلقكم) يستوعب كل مراحل خلق الجنين بداية
من النطفة، وأن الخلق من بعد خلق يشمل كل أطوار الجنين بداية من النطفة، وأن الظلمات
الثلاث مُتعلقة بالفعل يخلقكم خلقا من بعد خلق، فلابد أن نبحث داخل البطون عن ثلاث
أماكن (ظلمات) تتم فيها مراحل الخلق التي ذكرها القرآن، وهي النطفة، والنطفة الأمشاج،
وباقي الأطوار، مضيفا أن هذه الظلمات الثلاث مظروفة مكانياً داخل البطون (يخلقكم في
بطون.........في ظلمات ثلاث)، فمُحال أن تكون البطن ظلمة من هذه الظلمات الثلاث، ولأن
المشيمة علمياً لا تكتمل إلا بعد ٣ اسابيع بعد التلقيح، فيستحيل أن يقع الجنين داخل
ظلمة المشيمة من بداية الحمل لنهايته، ولذا ينبغي استبعاد هاتين الظلمتين.
وأشار إلى أن تنكير الجمع (ظلمات ثلاث)، له دلالة
الإطلاق والعموم، والتنوع، فينبغي أن تكون ظلمات مُختلفة، وذلك مثل قول الله (أو كصيب
من السماء فيه ظلمات)، فتنكير الجمع (ظلمات) أفاد تنوعها واختلافها، وايضاً في قول
الله (وكنتم أزواجاً ثلاثة)، أي أصناف مختلفة. وعليه فتنكير (ظلمات ثلاث) أفاد أنها
ظلمات مختلفة عن بعض، وهذا الفهم ينفي أن تكون جميع مراحل الجنين داخل الرحم فقط، وفي
النقطة السابقة بينت أن ظلمة البطن وظلمة المشيمة لا تصحان، فوجب أن نبحث عن ظلمات
فيها خلق للجنين بداية من النطفة ثم النكفة الامشاج، لافتا إلى أن القرآن كان دقيقاً
في استعمال الظرف (من بعد)، في قول الله (خلقا من بعد خلق)، وهو ظرف زمان وأيضاً ظرف
مكان، فدل ذلك على انتقال الجنين داخل البطن في مكان من بعد الآخر، وفي زمان من بعد
الآخر، أو في ظلمة من بعد الأخرى، فالنطفة تسبق النطفة الأمشاج في زمان ومكان تكونها،
والنطفة الأمشاج تسبق العلقة في زمان ونكان تكونها.
وختم قائلا: إن القُرآن قال بخلق الجنين من خلال
ثلاث مراحل مُختلفة (نطفة، نطفة أمشاج، باقي الاطوار)، وذلك في ثلاث ظلمات مختلفة ومتنوعة
داخل بطون الأمهات، وهذا العدد مُتفق مع ما توصل له العلم عن خلق الجنين داخل بطن الأم،
إبتداءاً من البويضة في المبيض، ثم النطفة الأمشاج في قناة فالوب، ثم باقي الأطوار
في الرحم، وبذلك يظهر الإعجاز العلمي في موافقة القرآن للعلم في أن الجنين يُخلق في
ثلاث أماكن مُختلفة في بطون الأمهات، وهذا الأمر كان مُحال معرفته وقت نزول القُرآن،
ولم يعرفه العلم إلا منذ وقت قريب، وأن تفسير الظلمات الثلاث بالمبيض، وقناة فالوب،
والرحم، هو أصوب من تفسيرها بطبقات المشيمة، أو بالمشيمة والرحم والبطن، وعلى المُخالف
أن يثبت أن جميع مراحل الخلق من بعد خلق تقع كلها داخل الرحم، وأن جميع المراحل مُحاطة
بالمشيمة من بداية النطفة إلى نهاية الحمل، وهو المستحيل بإذن الله تعالى، لأنه قول
غير علمي، ولم يقل به القرآن.