هيثم طلعت: إبهار النظام المعلوماتي الذي يُشفر للكائنات سيظل حَجَر عثرة في وجه الإلحاد
- الأربعاء 25 ديسمبر 2024
صورة تعبيرية
رد الباحث في ملف الإلحاد، محمد سيد صالح، على الشبهة التي يروج لهت بعض الملاحدة، والتي كانت سببا في إلحاد بعض الفتيات، وتقول: نظرة الإسلام للمرأة على أنها ناقصة عقلٍ ودين فيه إساءة لها.
وفي بداية الرد،
طرح سؤالا: هل النبي _صلى الله عليه وسلم _ انتقص من المرأة، وعاب على عقلها
ودينها؟ مبينا أنه حتى يتضح الأمر علينا أن عرض نص
الحديث، وقراءته، وفهمه ابتداءً.
عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ،
فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ
أَهْلِ النَّارِ” فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “تُكْثِرْنَ
اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ
أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ” قُلْنَ: وَمَا
نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “أَلَيْسَ شَهَادَةُ
الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟” قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: “فَذَلِكِ
مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟”
قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: “فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا"( )
وأشار إلى أنه يوجد
3 احتمالات واردة في فهم نص الحديث:
ـ الأول:
أن يكون النبي _صلى الله عليه وسلم _ قصد بنقص العقل نقص فطري عام في مستوى الذكاء
والاستيعاب والفهم، وفي جميع العمليات العقلية المعروفة..، فهذا الاحتمال مستبعد
بالاستقراء والملاحظة والتاريخ العريض الذي يشهد لهن بعكس ذلك.
كان النبي _صلى
الله عليه وسلم _ يستشير نساءه في بعض الأمور المتعلقة بالصحابة بل بالأمة، استشار
النبي _صلى الله عليه وسلم _ (أم سلمة) رضي الله عنها يوم الحديبية حين اتفق النبي
مع المشركين على الصلح، والصحابة آن ذاك كانوا مُحرمين لأداء العمرة ودخول مكة، وكان
من شروط الصلح أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة العام المقبل، فأمر
النبي _صلى الله عليه وسلم _ الصحابة بالإحلال من الإحرام ليعودوا إلى المدينة،
فشق ذلك على الصحابة _رضوان الله عليهم _، فدخل رسول الله _صلى الله عليه وسلم _
إلى أم سلمة، ولما حكى لها ما حدث وغضب الصحابة، أشارت إليه بأن يخرج عليهم دون أن
يكلم أحدًا منهم حتى ينحر بُدُنَه ويدعو حالقه ليحلق له، فأخذ النبي _صلى الله
عليه وسلم _ بمشورة أم سلمة، فخرج ونحر وحلق دون أن يكلم أحدًا من الصحابة، ولما
الصحابة رأوا النبي قد نحر وحلق، فقاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد يقتل
بعضهم بعضًا من شدة الاستعجال للتأسي برسول الله _صلى الله عليه وسلم _.
وكان امتناع
الصحابة في بداية الأمر من الإحلال، ربما كان ظنًا منهم أن رسول الله يعطيهم رخصة
لهم، ويبقى هو على حاله أخذًا بالعزيمة في حق نفسه، فأشارت أم سلمة للنبي أن ينحر
ويحلق دون أن يكلم أحدًا منهم؛ لينتفي عنهم هذا الاحتمال، وقد كان، ومما لا شك فيه
أن هذه المشورة التي أخذها النبي _صلى الله عليه وسلم _ من أم سلمة ردٌّ قاطع
لكلِّ من يظن أن النبي ينتقص من عقول النساء، فتلك المشورة كانت نتاج فكر أم سلمة
الذي خرج من عقلها.
ـ الثاني:
أن يكون القصد بناقصات عقل هو نقص فطري في بعض القدرات العقلية الخاصة مثل الفهم
العميق، وقوة التحليل، والإدراك الشامل، وهذا أيضًا مستبعد لنفس الأسباب التي
ذكرنا عليها مثال أم سلمة السابق.
ـ الثالث:
أن يكون القصد بناقصات عقل؛ هو نقص عارض مؤقّت نتيجة للتغيّرات الطبيعية في حالة
الحيض أو الحمل أو غير ذلك من عوارض النساء، أو نقص عارض طويل المدى، وهو يطرأ على
المرأة نتيجة ظروف الحياة العامة؛ كالانشغال الدائم بالحمل والولادة والرضاعة
وتربية الأولاد ومراعاة الزوج ومراعاة البيت، مما قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى
نقصان الوعي التام بالحياة الخارجية، وضعف الإدراك الشامل للأمور العامة
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية، كما أن المرأة يغلب على
تفكيرها العاطفة أحيانًا، وهذا يلزم المرأة أن تنقص من عقلها لترفع من عاطفتها.
وصياغة الحديث
اعتمادًا على الفهم السابق توحي بأن الاحتمال الثالث هو الأولى بمراد الرسول
الكريم، والمثال أو السبب الذي ضربه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على نقصان
العقل يساعد على ترجيح النقص العارض، أيًا كان مجال النقص، فهو لا يخدش قواها
العقلية وقدرتها على تحمل المسئولية الأساسية المنوطة بها، والمسئوليات التي تشترك
فيها مع الرجل، مثل المسئولية الإنسانية العامة أمام الله، والمسئولية الجنائية،
وتحمل العقوبات الجزائية والحدود، والمسؤولية المدنية، وحق التصرف في الأموال وعقد
العقود، والوصاية على القُصر، ومسئولية العلم ورواية الأحاديث، كما كان حال عائشة
_رضي الله عنها_ التي علَّمت كبار الصحابة وروت لهم أحاديث كثيرة عن رسول الله
_صلى الله عليه وسلم _.
وشدد على أن
الحديث ذاته يؤكد على أن المرأة على قدر عالٍ من الذكاء، حين قال _صلى الله عليه
وسلم _ متوجهًا للنساء: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ
أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ"، فمن يتأمل هذا
القول سيجده مدحًا لهن، مع نقص عقلهن الذي قمتُ بتوضيح القصد من ورائه سلفًا إلا
أنهن باستطاعتهن امتلاك عقول الرجال، حتى وإن كان هذا الرجل حازمًا فهي قادرة على
أن تؤثر عليه، وهذا التأثير لن يكون من امرأةٍ مشكوك في ذكائها.
ولفت إلى أن
القصد من ناقصات دينٍ؛ وهو نقصان الصلاة والصيام في أيام الحيض والنفاس، فهو نقص
جزئي محصور في العبادات، بل في بعضها فقط، وهو نقص مؤقّت وليس بدائم في حياة
المرأة كلها، وهو كذلك غير موجود عند المرأة التي يئست، والمرأة المؤمنة إذا صبرت
على هذا الابتلاء فهي مأجورة، ومن الممكن أن تعوِّض ذلك بالاستماع إلى القرآن
والدعاء والذكر الخاشع، والتنفُّل بكثرة بعد الطُّهر.
وذكر أن هنا
يتضح أنَّ المقصود من نقصان العقل لدى المرأة هو نتاج بعض التغيرات التي تقع على
المرأة، فيعكر عليها مزاجها ويجعلها غير مؤهلة للتفكير بشكلٍ صحيح، وهذا الأمر
عارض يزول بزوال التغيرات وعودتها لطبيعتها، مشيرا
إلى أن عاطفة
المرأة تغلب على عقلها كثيرًا، وهذا واقع يشهد عليه كل ابن رأى أمه وهي تتغافل عن
أخطائه الكثيرة حتى لا تكسر قلبه.
وأكد محمد سيد
صالح على أن نص الحديث ذاته يحتوي على تبرئة الحديث من الفهم الخاطئ للحديث،
فالمرأة العاقلة الذكية وحدها هي من تقوى على التأثير على لب الرجل الحازم
كما أن المرأة
ناقصة عقل وإحدى أسباب ذلك تقديم العاطفة لديها على العقل، فالرجل على الجانب
الآخر ناقص عاطفة؛ لتقديمه العقل على العاطفة في الغالب وليس هذا معناه أن المرأة
محدودة الذكاء أو الرجل محدود العاطفة، بل لأن الحياة تحتاج لموازنة بين العقل
والعاطفة فكان هذا المزيج بين الرجل والمرأة؛ ليكمل كلٍّ منهما الآخر،
مشددا على أن نقصان
الدين نقص مؤقت بسبب ما تتعرض له المرأة من حيض ونفاس، ومع هذا فلها الأجر كاملًا
بإذن الله.