طه حسين.. المفطور على المناجزة والتحدي

  • معتز محسن
  • الأحد 17 نوفمبر 2019, 5:03 مساءً
  • 852
الباحث معتز محسن

الباحث معتز محسن

يمر يوم 15 نوفمبر من كل عام بنفحاته الفكرية، ليذكرنا بيوم ميلاد من كسر تابوهات الجمود والركود تحت مسمى الحفاظ على التقاليد والموروث والذي أدى إلى تيبس العقول لفترات طويلة متحفزًا بيراعه الرشيق بتحريك الركود كي يصبح نهرًا متدفقًا يروي النهى من أجل مجتمع يستنشق عبير المعرفة وأريج التنوير.

إنه العملاق الكبير صاحب البصيرة الخفاقة على الدوام حتى وهو مواريًا الثرى الدكتور طه حسين، الملقب بعميد الأدب العربي والذي حصل عليه بجدارة مستحقة متحديًا كل القوالب المتشنجة باسم الدفاع عن التراث والتقاليد، مؤكدًا على أنه لا مانع من استنشاق التراث للهواء والنسيم كي لايركد على الدوام لدرجة العطن والتآكل.

أعلن التحدي وهو بين أروقة الأزهر متمنيًا لهذا الصرح العظيم أن يتألق بفتح جدرانه و أعمدته للتجديد والابتكار ،من هنا واجه بعض الأئمة والكتاب المُحافظين الذين نعتوه بأقسى الألفاظ حتى وهو في درجة الأستاذية في العام 1926 بكتابه المُفجر للتساؤلات والاستفهامات، محركًا الحجرة العسرة لكي تلين مع التجديد بين صفحات "في الشعر الجاهلي"، ذلك الكتاب الذي أطلق الأعيرة النارية كي لا نستسلم للمسلمات دون تفكير وتدقيق من أجل الحقيقة المرجوة، ليرى أعيرة نارية تبادله الطلقات بأحرف من نار تنعته بالكفر والمروق والهرطقة والإلحاد.

هذا هو مصير كل من يسبق عصره فكره كما قال سقراط الحكيم، الذي راح ضحية فكره السابق لزمنه في العام 399 ق.م وأرى أن طه حسين وهو يكتب الكتاب وضع أمامه حسب تدريسه للأدب والتراث الإغريقي قصة المثَّال الذي واجه سفسطائيي العصر القديم ، ليجد نفسه أمام سفسطائيي وقته المعاصر مُشهرًا أدوات النقد وإعمال العقل ليرى معانقة الحكومة لاتهامات خصومه ممثلاً في سعد باشا زغلول الذي إستعان بأزهريته القديمة في تقييم المسألة على حساب مدنيته المعاصرة!!

عَدَّل العميد الكتاب وحذف من صفحاته ما عكر من صفو الرأي العام ، ليعيد طباعته في نسخة معدلة تحت اسم "في الأدب الجاهلي" ، كدليل قاطع على الأزمة المستديمة التي نعاني منها إلى الآن بإطلاق النيران على من يحول الأوراق الصفراء إلى بيضاء تشعر بالحياة .

اعتقد البعض بأن تلك الأزمة قد توقف مسيرة التجديد لدى العميد، لكن صاحب الإرادة الفولاذية المكتوي بنيران الحزن والتألم لم يكف عن إضافة ما يضفي على العقول كل ما هو غريب ومثير ودافع للتفكير ليأتي نفس العام بإخراج قالبًا فنيًا جديدًا وهو أدب السيرة الذاتية في تحفته الخالدة "الأيام" والتي أطلق عليها لقب "سيرة" وسط تخوفات من سبقه في وضع تلك الكلمة لمنع الإعتراض على إقترانها بالسيرة النبوية.


وفي العام 1944 أعلن عن إدخال قالب أدب النهر أو ما يسمى بروايات الأجيال من خلال تحفته القيمة "شجرة البؤس" ناقلاً فنًا فرنسيًا عتيقًا لأدبنا العربي لشعوره بأن أدبنا يستحق التطوير والتقدم على نطاق المدارس الأوروبية بما يتماشى مع قوالبنا الرصينة ، ويخرج في نفس العام من معينه تلميذه النجيب نجيب محفوظ ليخرج لنا عمله الروائي الثالث بعنوان "كفاح طيبة" راصدًا كفاح شعب مصر ضد الهكسوس على مدار ثلاثة أجيال.

هذا هو العميد الذي قال عنه رفيق دربه وكفاحه عباس محمود العقاد : "إنه رجل جريء مفطور العقل على المناجزة والتحدي فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير".


تعليقات