هل رأيت عيون عنكبوت السلطعون الأخضر من قبل؟!
- الخميس 21 نوفمبر 2024
الرضاعة
كثيرا ما سخر أعداء الإسلام
من تحريم النسب بالرضاعة على اعتبار أن الرضيع تتحدد صفاته بالحمض النووي للنطفة الأمشاج،
وبالتالي لا يمكن للبن المُرضعة أن يغير صفات الرضيع، وإلا لكانت البقرة أُماً للرضيع
إذا رضع لبنها، حيث اعتبر أعداء الإسلام أن هذا التشريع لا يستند لأساس علمي، وأن أحكام
الرضاعة في الإسلام تم أخذها من عادات العرب التي سبقت الإسلام، فقال أحدهم على موقع
الحوار المتمدن: (تشريع الرضاعة مأخوذ من عادات العرب قبل الإسلام، فقد ذكر د. جواد
علي في موسوعة تاريخ العرب قبل الإسلام، أن العرب كانت تقول نصاً: "حُرمة الرضاعة
كحُرمة النسب" بينما الرسول محمد قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
فهل فعلاً الرضاعة لا تؤثر
في صفات الرضيع الوراثية؟، وهل أخذ الإسلام تحريم النسب بالرضاعة من العرب قبل الإسلام؟،
وهل رضاعة لبن الحيوانات له قيمة في النسب؟، وهل أخذ الإسلام تحريم النسب بالرضاعة
من العرب، بالعودة إلى موسوعة د. جواد للبحث عن ذلك النص المزعوم (حرمة الرضاعة كحرمة
النسب) نجد أنه لا وجود له، وقد ذكر د. جواد تعظيم العرب للرضاعة قبل الإسلام في فصل
كامل اسمه (لبن الأم) في الجزء الثامن ص٢٣٤ - ٢٣٥، ولم يذكر هذه العبارة ولا اي شيء
يفيد أن العرب كانت تحرم زواج الأقارب في الرضاعة، ويمكنكم البحث في كامل الكتاب ولو
وجد أحدكم غير ما أقول فله مني ألف دولار، وإليكم رابط فصل لبن الأم لمن أراد التأكد.
وقد يتسأل البعض ، هل قرابة
الرضاعة مادية وروحية كقرابة الدم؟ يقول الباحث في ملف الإعجاز العلمي في القرآن
الكريم الدكتور محمود نجا استاذ بكلي ةالطب جامعة المنصورة، إنه من المعلوم أن قرابة
الدم ليست روحية فقط، فمحبة شخص لآخر ليست هي سبب القرابة، ولكن هناك سبب مادي مُعتبر
في الإسلام وهو الصفات الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء عبر الأمشاج الذكرية
والأنثوية التي تتحد معاً في بطون الأمهات مُنتجةً النطفة الأمشاج (إنا خلقنا الإنسان
من نطفة أمشاج)، حيث تم مشج صفات النطفتين معاً، فتم تقدير الصفات الجديدة للجنين
(من نطفة خلقه فقدره)، فكانت القرابة مادية بتأثير نطفة الأب التي قد تنزع شبه الولد
للأعمام، وبتاثير نطفة الأم التي قد تنزع شبه الولد للاخوال.
وتابع: ولنا أن نسأل، هل
قرابة الرضاعة مادية مثل قرابة الدم حتى تستحق تحريم النسب؟ نعم، فالقرآن قسّم المُحرمات
من النساء في آية واحدة إلى ثلاثة أقسام على حسب التأثير الوراثي المادي، فقال الله: تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ
الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ
مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
غَفُورًا رَحِيمًا).
وأردف قائلا : فهذا الترتيب
في ذكر المُحرمات من النساء يجعل تحريم النسب بالرضاعة وسط بين تحريم النسب بقرابة
الدم وتحريمه بالمصاهرة، ولا شك في أن هذا الترتيب مُعجز من حيث بيان شدة التحريم من
الأعلى الى الأقل بحسب قوة الإرتباط الروحي والمادي الوراثي، وهي كالتالي:
١.
بدأ الله بقرابة الدم لأنها الأكثر تأثيراً على الصفات الوراثية (أمهاتكم، بناتكم،
أخواتكم، عماتكم، خالاتكم، بنات الأخ والأخت).
٢.
ثم أتبعها الله بقرابة الرضاعة (امهاتكم واخزاتكم من الرضاعة)، ولعل في ذلك إشارة لأن
لها تأثير مُشابه لقرابة الدم ماديا ومعنويا.
٣.
ثم ختم الله بقرابة المُصاهرة لأن تأثيرها معنوي ويكاد يكون تأثيرها الوراثي مُنعدم،
وتشمل (امهات نسائكم، الربائب من المدخول بها، حلائل الأبناء من صلبكم، الجمع بين الأختين).
وقد جاء التأكيد على أن
لقرابة الرضاعة سبب مادي في السُنة النبوية التي لا تُحرِم النسب بالرضعة والرضعتان
(لا تحرم المصة ولا المصتان)، وإنما بخمس رضعات مُشبعات على الأقل بحسب الراجح من أقوال
أهل العلم، وفي ذلك دلالة على أن التأثير مُرتبط بالكم، فكلما زادت الرضعات زاد الأثر
المادي للبن المُرضعة على الرضيع، وهناك أحاديث أكدت على أن قرابة الرضاعة لا تثبت
إلا باثرها المادي في الرضيع من حيث إنبات اللحم والعظم، فعن بن مسعود أنه قال (لا
رضاعَ إلَّا ما شدَّ العَظمَ وأنبتَ اللَّحمَ)، رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأكد أن لبن الرضاعة له
تأثير وراثي، منوها إلى أنه بصفة عامة أثبت العلم أن ما نتناوله من غذاء له القدرة
على التأثير على الصفات الوراثية بآليات عديدة فظهر حديثاً علم جديد اسمه علم الجينات
الغذائي (nutrigenomics)، وهو علم يدرس تأثير أنواع الطعام المختلفة
على النشاط الجيني للإنسان من حيث الصحة والمرض، فالغذاء يمكنه أن يحمي الجينات كما
يمكنه أن يصيبها بالتلف فتنشأ عن ذلك أمراض عديدة ، وبصفة خاصة وجد العلماء أن لبن
الرضاعة له تأثير وراثي على الرضيع وذلك من خلال عدة آليات أقواها هو التأثير اللاجيني
لأنه يمكن أن يمتد للأجيال التالية، وإن كانت الأبحاث تشير أيضا لتأثير بعض المكونات
الوراثية التي تخرج مع اللبن مثل الخلايا الجذعية stem cells، والحمض الريبوزي الميكروي miRNA، والتي قد تؤثر على الصفات الوراثية للرضيع،
والله أعلم ماذا سيكتشف العلم في المستقبل.
وتابع: وقبل أن أبدأ في
سرد هذه الآليات والأبحاث التي تدعمها أود أن أشير إلى أن هناك بعض أبحاث الإعجاز العلمي
التي خرجت من فترة ليست بالقريبة حاولت إثبات النسب بالرضاعة من خلال إكتشاف وجود أجسام
مناعية antibodies وبعض الخلايا المناعية في لبن
الأم، وبإنتقالها للرضيع تؤثر على مناعة الرضيع وتكون سبب في القرابة، مضيفا: ولكن
من وجهة نظري القاصرة أرى أن هذه الآلية لا تصلح للإستدلال بها لكونها مؤقتة حيث تختفي
هذه الأجسام المناعية من جسم الرضيع بعد أن يبدأ جسمه في تكوين الأجسام المناعية الخاصة
به، كما أن هذه الأجسام المناعية لا تدخل في تركيب أعضاء الجنين ولن تؤثر على صفاته
الوراثية ولن ينتقل أثرها للأجيال التالية، ولذا فهي لا تصلح لتفسير القرابة بالرضاعة
والله تعالى أعلى واعلم.
وختم قائلا: إن العديد
من الدراسات الحديثة أثبتت أن لبن الأم يمكنه التأثير على جينات الرضيع من خلال الوراثة
اللاجينية Epigenetic
inheritance
وهي تختلف عن الوراثة المندلية في أنها لا تُغير تركيب الجينات ولكن
فقط تتحكم في نشاط الجينات بالتحكم في بعض المواد الكيميائية مثل مجموعة الميثيل التي
ترتبط بالجينات والتي تحدد اذا ما كان الجين نشط أو لا وهو ما يعرف في علم الوراثة
بالدمغ الوراثي genomic
imprinting،
حيث يكون الجين المدموغ بمجموعة كيميائية مثل الميثيل غير نشط بينما الجين الغير مدموغ
يكون نشط، وهذا الدمغ الوراثي يتم في أثناء تكون الأمشاج ولعدد كبير من الجينات يُقدر
بالآلاف، وعلميا هذا الدمغ الوراثي قابل للتغيير أثناء تكوين الجنين في الرحم وأيضاً
بعد الولادة تحت تأثير عوامل كثيرة منها الغذاء ولبن الرضاعة والذي يُمكنه تنشيط جين
غير نشط أو تثبيط جين نشط، وكل هذه التغييرات اللاجينية تؤدي إلى إظهار صفات شكلية
جديدة في الرضيع إو اخفاء صفات شكلية كان من الممكن ان تتكون، وهذا يعني أن لبن المُرضعة
يؤثر على تكوين الرضيع جينياً وشكلياً، وذلك يعني إنشاء صلة قرابة مادية وراثية بين
المُرضعة والرضيع ، كما أن الدراسات العلمية أثبتت أن الدور اللاجيني للبن الأم يمكنه
التحكم في العديد من الأمراض التي ستصيب الرضيع مستقبلاً، وبالتالي لو رضع أكثر من
رضيع من نفس المرضعة فهناك احتمال أن يصاب بعض منهم بنفس المرض، فاذا حدث زواج بينهما
فوارد جداً أن يقوم الزوجين بتوريث المرض لأولادهما .