أفلا تبصرون.. اللغة ليست فقط وسيلة للتواصل بل تعكس قدرة الله في خلق الإنسان

  • أحمد نصار
  • الأحد 10 نوفمبر 2024, 03:38 صباحا
  • 58
تعبيرية

تعبيرية

تعد اللغة من أهم وأبرز القدرات التي ميز الله تعالى بها الإنسان، كونها تمنحه القدرة على التواصل والتعبير عن أفكاره ومشاعره. وبرزت العديد من النظريات التي تقدم رؤى علمية وفلسفية حول أصل القدرة اللغوية لدى البشر، من بينها نظرية التوليد اللغوي للعالم الأمريكي نوعام تشومسكي، التي تشير إلى وجود جهاز لغوي فطري يساعد الإنسان على اكتساب اللغة بسهولة بشرط توفر محفزات بيئية .

يرى تشومسكي أن البشر يمتلكون جهازاً لغوياً فطرياً يعرف باسم جهاز اكتساب اللغة (Language Acquisition Device - LAD) الذي يمكن الطفل من فهم القواعد الأساسية للغة واستخدامها. غير أن هذا الجهاز لا يعمل إلا عند تعرض الطفل للغة في بيئته المحيطة، مما يعني أن القدرة على النطق والكلام تتطلب تفاعلاً بين الفطرة والبيئة ، وفقا لصفحة وفي أنفسكم أفلا تبصرون.

وتابعت أن جوانب التهيؤ الفطري لتعلم اللغة لدى الإنسان، قد تبدأ من الاستعداد البيولوجي للغة الدماغ البشري يحتوي على مناطق محددة تعالج اللغة مثل منطقة بروكا المسؤولة عن إنتاج الكلام، ومنطقة فيرنيك المسؤولة عن فهم اللغة، وتكون هذه المناطق نشطة منذ الولادة، مما يشير إلى أن الدماغ مصمم بيولوجياً لاكتساب اللغة، فضلا عن القدرة على تمييز الأصوات، حيث يولد الأطفال بقدرة على تمييز الأصوات المختلفة (Phonemes) للغات العالم، وتتيح لهم هذه القدرة التعامل مع مختلف اللغات التي يتعرضون لها في البيئة. حيث يستطيعون التفريق بين أصوات لغات متعددة في الأشهر الأولى قبل أن يبدأوا بالتركيز على أصوات لغتهم الأم.

وأكملت أيضا هناك الاستعداد الاجتماعي، كون الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، وهذا الذي يدفع الأطفال لمحاولات للتواصل تبدأ بالبكاء وتعبيرات الوجه ثم الأصوات المختلفة. تساعد هذه المحاولات في تفاعلهم مع البيئة المحيطة مما يمهد لتعلم اللغة، حيث يظهر الأطفال رغبة فطرية في التواصل ، مشيرة إلى قواعد اللغة الفطرية حيث تشير نظريات تشومسكي إلى أن الأطفال يظهرون فهماً تلقائياً للقواعد الأساسية للغة، وهذا الفهم التلقائي يُعرف بـ"القواعد الفطرية"، وهي أساسيات لغوية عالمية تساعدهم في تكوين الجمل وتنظيم اللغة بشكل تلقائي .

وألمحت إلى تأثير البيئة ودور التقليد، فبالرغم من وجود الاستعداد الفطري، يلعب التعرض للغة دوراً حاسماً في تطور المهارات اللغوية. عندما يتفاعل الطفل مع من حوله، يبدأ بتقليد الأصوات والكلمات، مما يضمن نمواً سليماً للغة بفضل التفاعل بين القدرات الفطرية والبيئة اللغوية ، هذا بجانب إلى اللغة والفطرة في الإنسان مقابل الكائنات الأخرى، ففي مقال بعنوان "ملكة اللغة: ماهيتها، من يمتلكها، وكيف تطورت؟" بقلم مارك د. هاوزر، نوعام تشومسكي، ودبليو تيكومسيه فيتش، يناقش الكُتاب الفرق الجوهري بين اللغة البشرية ووسائل التواصل لدى الكائنات الأخرى. فبينما تمتلك الحيوانات أساليب بسيطة للتواصل، مثل رقص النحل وغناء الطيور، تفتقر هذه الأساليب إلى المرونة والقدرة على التعبير اللامحدود التي تميز اللغة البشرية.

ونوهت إلى خاصية "اللانهاية المتقطعة" تعد من أبرز مميزات اللغة البشرية؛ حيث يتمكن الإنسان من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل باستخدام موارد لغوية محدودة، مما يسمح له بتركيب تعبيرات معقدة ومتنوعة لا توجد في أنظمة التواصل لدى الكائنات الأخرى.

وأوضحت أن الإعجاز العلمي في القدرة على تعلم اللغة/ وذلك من منظور إيماني، تعد قدرة الإنسان على تعلم اللغة جزءاً من الإعجاز الإلهي، حيث أشار القرآن الكريم إلى هذه النعمة في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3-4]. تعني هذه الآية أن الله هو الذي منح الإنسان القدرة على "البيان"، وهي نعمة تمكّنه من التفكير والنطق والتعبير. فالقدرة اللغوية ليست تفاعلاً بيولوجياً بحتاً، بل جزء من التصميم المتكامل الذي أودعه الله في الإنسان .وختمت قائلة  أن اللغة ليست فقط وسيلة للتواصل، بل تعكس قدرة الله في خلق الإنسان وتجهيزه بوسائل متقدمة للتفكير والفهم والتعبير. تجمع اللغة بين الفطرة البشرية والتهيئة الإلهية، فتكون بذلك شاهداً على حكمة الله وعظمته في خلق الإنسان، ودوره في هذا الكون.

تعليقات