هل خلق الله الأرض وما فيها قبل السماء؟

  • أحمد نصار
  • الأحد 10 نوفمبر 2024, 02:28 صباحا
  • 32
النبات

النبات

فسر عدد كبير من العلماء كلمة (جميعاً) في آية من الآيات سورة البقرة (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وهو بكل شيء عليم)، حيث  تشمل كل ما في الأرض حتى النبات والحيوان، وأن العطف بثم في هذه الآية يشير لخلق الأرض قبل السماء وشبهوا ذلك بأبنية الدنيا نبني أسفلها قبل أعلاها. وربما شجعهم على هذا القول حديث التُربة في صحيح مُسلم، والذي قال فيه بخلق الشجر يوم الإثنين وخلق النور يوم الأربع.

ولكن هذا القول تسبب في زماننا في إشكال علمي لم ينتبه له السلف، فمعلوم أن خلق النجوم ومنها الشمس سابق لخلق الأرض، وأن النبات يحتاج لطاقة الشمس وتتابع الليل والنهار من أجل عملية البناء الضوئي، فكيف يمكن القول بخلق النبات على الأرض قبل خلق السماء بشمسها ونجومها وحدوث دورة تعاقب الليل والنهار؟!. وهل يُعقل أن القرآن لم يذكر أهمية نور الشمس وتتابع الليل والنهار لإنبات النبات؟!، وفقا لما قاله الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الدكتور محمود نجا أستاذ بكلة الطب جامة المنصورة.

وأضاف : أنه لا يُعقل أن يختم الله آية البقرة السابقة بقوله (والله بكل  شيء عليم) ثم يخالف العلم اليقيني، فيجعل خلق النبات قبل خلق السماوات بشموسها وأجرامها، وقبل تتابع الليل والنهار، فحاجة النبات للشمس وتتابع الليل والنهار حقيقة علمية بل قانون لا سبيل لإنكاره. والقرآن قد ذكر هذه الحقيقة بوضوح شديد في أكثر من موضع، فوافق العلم في أهمية النور للنبات، ولذا فالخطأ ليس في القُرآن، ولكن في فهم بعض أهل العلم لآية البقرة، مع الأخذ في الإعتبار أن حديث التُربة في صحيح مسلم قد ضعفه كثير من أهل العلم وعلى رأسهم البخاري، فليس بحُجة لإثبات خلق النبات قبل النور، وإليكم التفصيل.

وتسأل هل إتفق العلماء على خلق الأرض وما فيها قبل السماء؟، ليرد قائلا: ينبغي أن ننتبه إلى أن آية البقرة (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء)، لم تُصرح بخلق الأرض قبل السماء المُزينة بالنجوم والكواكب، ولم تُصرح بخلق النبات والحيوان قبل نور الشمس بل هو فهم فهمه البعض من كلمة (جميعاً) ومن العطف بثم (ثم استوى الى السماء)، فظنوا أن هذه الآية تفيد ترتيب خلق الأرض والسماوات الكونية، ولكن هذا فهم البشر، وليس بصريح النص، ولا نجزم بأنه مُراد الله، فهو بحاجة لدليل وليس بدليل على مراد الله، فلو سألنا أصحاب هذا الرأي ما هي السماء في الآية، لقالوا السماء كل ما علاك فأظلك، فتحتمل أن تكون جو الأرض مثلما تحتمل أن تكون سماء الكون، والترجيح بين الفهمين بحاجة لأدلة واضحة، وهو ما لم يقُم به أصحاب هذا الرأي، ونفس الكلام يُقال عند الإستدلال بآية فُصلت (الذي خلق الأرض في يومين.......ثم استوى إلى السماء وهي دخان ......الآيات)، لإثبات خلق الأرض والنبات قبل خلق السماء والشمس.

وتابع أنه من المعلوم أنه لم يحدث أن إتفق العلماء على القول بخلق الأرض قبل السماء، ولذا فأنا لستُ أول من يرفض القول بخلق الأرض والنبات والحيوان قبل خلق السماوات، فقد سبقني بعض أهل العلم وعلى رأسهم الطبري، وأبوحيان، والقرطبي، والطاهر ابن عاشور، فأرجو ألا يتهمني أحد بإتباع الهوى، وحب الظهور بمخالفة السلف، فقد خالفهم من هم أعلم مني. وبعد كثير بحث وتدبر لآيات الله أرى والعلم عند الله أن الرأي بتقديم خلق السماء على الأرض، والنبات على النور، هو الرأي الأكثر دقة، وله شواهد قوية، وما عملي في هذا المقال إلا الإنتصار لهذا الرأي بجمع ما تبين لي من أدلة جديدة لإزالة الإختلاف بين القُرآن والعلم.

وطرح سؤالا جديدا تمثل في:  ما هو الترتيب الصحيح لخلق السماوات والأرض، وكيف نفهم معنى السماء المذكورة بعد الأرض في آية البقرة، وآية فُصلت؟ ليرد قائلا: إن السماء المذكورة بعد الأرض في آية البقرة (خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء)، وفي آية فُصلت (خلق الأرض في يومين...... ثم استوى إلى السماء وهي دُخان.....الآيات)، هي السماء الجوية للأرض وليست السماء الكونية، فكل سبع سماوات في القُرآن تشير للسماء الكونية التي تحوي النجوم والكواكب، إلا في آية البقرة، وآية فُصلت فتُشيران للسماء الجوية للأرض (الغلاف الجوي) والتي نشأت بالفعل من دُخان الأرض.

وأشار إلى إثبات أن القُرآن قال بخلق النبات بعد النور وتعاقب الليل والنهار، مصداقا اقوله تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} مشيرا إلى أن الآية صريحة في أن الليل لم يُغشي النهار إلا بعد خلق السماوات والأرض، فالأرض لم تعرف تعاقب الليل والنهار إلا بعد بناء السماوات الكونية، وتسويتها على صورتها النهائية، ولذلك تفصيل في الدليل الربع، حيث يقول رب العزة في سورة الجاثية {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الافتا إلى أن الآية فيها دليل على أهمية الليل والنهار لعملية الإنبات، فقد جعل الله إحياء الأرض بالرزق النازل من السماء، وقدم عليه ذكر عُنصر آخر لم يكن معلوم في زمن النبي صلي الله عليه و سلم، له أهمية خاصة في إحياء الأرض وإنبات النبات، وهو اختلاف الليل والنهار، قال الشوكاني في فتح القدير ( قوله { وما أنزل الله من السماء من رزق } معطوف على إختلاف الليل و النهار، والرزق المطر، ومنفعة رزق السماء للنبات معطوفة علي منفعة اختلاف الليل و النهار، و لا تتم إلا به، ولذا ربط الله بينهما .


تعليقات