هل يكفي الإيمان بالله مع الكفر بالأنبياء؟
- الإثنين 04 نوفمبر 2024
سيدنا زكريا عليه السلام
كثير منا يعرف قصة النبي زكريا عليه السلام ، عندما طلب من ربه الولد قدم بين يدي طلبه وصفا لضعفه الظاهر الذي لا يخفى على ربه فقال (إني وهن العظم مني) فعبر في بلاغة منقطعة النظير عن ضعف كامل بدنه بوصف ضعف أصلب ما فيه وهو العظم، فقال بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي الوهن كلمة تصف وجود ضعف مع قوة، أي أن قوة عظمه لم تذهب بالرغم مما أصابه من الضعف فهو قادر على المشي والحركة والقيام ببعض الجهد، وقالوا هذا وصف علمي لحالة هشاشة العظام وإثبات أن القرآن سبق العلم في القول بإمكانية حدوث هشاشة العظام للرجال برغم أنها علميا لم تثبت إلا حديثا، وكان العلم في البداية لا يعرف هذا المرض إلا عند النساء ولاحقا تم اكتشاف إمكانية حدوث ذلك في الرجال، وفقا للباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الدكتور محمود عبد الله نجا.
وأكمل : بل وبالغ بعض المشتغلين بالإعجاز العلمي فقالوا بأن القرآن ذكر سبب
حدوث هذه الهشاشة بالربط بين وهن العظام وكبر السن وعدم القدرة على الإنجاب، فذكروا أن كبر السن يصاحبه نقص في هرمون الذكورة التيستوستيرون والذي يتسبب نقصه في هشاشة
العظام وضعف القدرة الإنجابية، لافتا إلى أن هذا الإعجاز العلمي يبدو في ظاهره حسن
التأصيل ولكن عند التحقيق أجده أضعف من أن يثبت، وذلك لأن الوهن كلمة عربية مشهورة
تم استخدامها لوصف ضعف العظام والبدن والحالة النفسية قبل وبعد الإسلام، واستخدمت في
القرآن بأكثر من معنى، والسؤال الحتمي هل كان زكريا عليه السلام يعرف الوصف العلمي
لهشاشة العظام فأراده بكلمة الوهن، أم نطق بما ينطق به كل الرجال عند تقدم العمر والشعور
بأوجاع متفرقة في البدن ومنها العظام؟
وأوضح أنه من المؤكد أنه قالها مثل كل الرجال في زمن لم يكن فيه طب يقوم على
توصيف الحالات المرضية، كما أنه ليس شرطا أن كل من اشتكى من وهن بعظمه عند كبر السن أن يكون ذلك هشاشة عظام، فلم أجد مصدرا علميا يقول أن 100 % من الرجال بعد سن 60 إلى
70 عام يحدث لهم هشاشة عظام، بل إن بعض المقالات العلمية قد تعزو سبب الوجع المتزايد
والشعور بالضعف في كبار السن إلى تغيرات في الجهاز العصبي وخصوصا مستقبلات الالم وتغير
الحالة النفسية، وهذه التغيرات قد تجعل كبار السن أقل احتمالا للألم فيبالغون في وصف
ما يشعرون به من تعب وضعف، وهنا لا ننسى أن زكريا هو من وصف حال عظامه بالوهن وليس
الله، فالوصف المذكور في دعاء زكريا بشري وليس وحيا من الله.
وأردف قائلا: أما بالنسبة لجعل سبب هشاشة العظام هو نقص هرمون الذكورة التيستوستيرون فهو أمر لا يمكن الجزم به فعلميا ليس كل من كبرت سنه تعرض لنقص هرمون الذكورة والبعض ينقص عنده الهرمون بشكل بسيط لا يصل لحد النقص المرضي، وحتى لو افترضنا نقص هرمون الذكورة في زكريا فان نقص هذا الهرمون ليس هو السبب الأول لحدوث هشاشة العظام من الناحية العلمية، فالأغلب أن هشاشة العظام في الكبار لا يعرف لها سبب والبعض يقول بأن السبب هو الجينات.
وعليه فافتراض حدوث هشاة عظام في زكريا بسبب نقص هرمون الذكورة هو من قبيل الوهم الذي لا يدعمه دليل ملموس وخصوصا أن الحرمان من الولد لم يكن سببه زكريا عليه السلام بل كان سببه زوجته التي لم يكن يكمل لها حمل فكلما حملت في جنين عقرته ومن هنا كان وصفها بالعاقر والدليل على ذلك أن الله لما استجاب دعاء نبيه زكريا نبه الله على أن الذي يحتاج الى اصلاح هو الزوجة وليس نبي الله زكريا فقال الله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ).
وختم قائلا: بما يؤكد أن نبي الله زكريا لم يكن عنده سببا مانعا للإنجاب برغم كبر سنه ومن الظلم أن ننسب له عدم القدرة على الإنجاب بسبب نقص هرمون الذكورة، مضيفا أنه في مقام الدفاع عن نبي الله زكريا لا ينبغي أن ننسى أنه كان من المنصفين في شكواه إلى الله حيث اتهم نفسه بعدم القدرة على الإنجاب قبل أن يشير إلى زوجته بالرغم من رؤيته لفقدان حملها أكثر من مرة فقال تعالى ذاكرا قوله: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)، فهل يعقل أنه كنبي لا يعلم السبب في عدم إنجابه ثم يعلم ان عنده هشاشة عظام سببها نقص هرمون الذكورة والذي يصاحبه عدم القدرة على الإنجاب؟، من الناحية العقلية أجده أمرا مستبعدا تماما وأرى شكوى زكريا عليه السلام قول بشري محض يصف فيه لربه ما أصاب بدنه من الضعف بكلمات بشرية لا تحتمل أي إعجازات علمية، والله تعالى أعلى وأعلم.