أفلا تبصرون.. تركيب العظام ودورها في حركة الجسم

  • أحمد نصار
  • السبت 02 نوفمبر 2024, 8:27 مساءً
  • 96
العظام

العظام

 من يتأمل في الجسم البشري، سيجد وفقا للعلم الحديث أن الهيكل العظمي هو الأساس المتين الذي يقيم عليه بنيان الجسم، وأن هذا التركيب المذهل من العظام ليس مجرد دعامة صلبة، بل هو شبكة متكاملة ومرنة، تمنح الجسم القوة وخفة الحركة معاً، وتجمع بين المتانة والخفة بشكل مدهش. خلقٌ متقنٌ يجعلنا نتفكر في قدرة الله وعظمته. ففي هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل كيف تعمل العظام كنظام هندسي معقد يحفظ توازننا ويتيح لنا الحركة، ويعكس جمال تصميم الله وتقديره للأدق في كل خلية وتفصيل، هذا ما قاله الباحث في ملف الإعجاز العلمي في القرآن فراس وليد .

وتابع: أن الهيكل العظمي هو مجموعة العظام التي تترابط ببراعة لتكوين جسم الإنسان، حيث يتكون من 206 عظمة في الشخص البالغ، تتفاوت في أحجامها وأشكالها حسب الوظائف المختلفة التي تؤديها. تلك العظام المتناغمة تتوزع على عدة مناطق، من الرأس إلى الأطراف، لتخلق شبكةً مذهلةً من الدعامة والحماية. الهيكل العظمي كالأساسات الصلبة التي تقيم عليه ناطحة سحاب، إذ يمنح الجسم صلابته ويحدد شكله، بينما يبقيه مرنًا وقادرًا على التكيف مع مختلف الحركات، منوها إلى أنه من داخل العظام، يبدو التكوين معقداً بقدر ما هو عجيب. تتألف العظام من خلايا حية تكوِّن نسيجاً قوياً، في حين يتوزع الكولاجين على هيئة ألياف، مثل شبكات الأوتاد الدقيقة التي تمنحها الصلابة والمرونة في آن واحد. تتكون العظام من طبقتين رئيسيتين: العظم القشري الكثيف الذي يشكل السطح الخارجي القوي، والعظم الإسفنجي الأخف الذي يكمن داخلها، في تصميم يعكس دقة إلهية تجعل العظام قوية بما يكفي لتحمل الأحمال الثقيلة، وخفيفة بما يسمح بالحركة الرشيقة.

وأشار إلى أن داخل كل عظمة، تتشابك الألياف مع الأملاح المعدنية، كالكلسيوم والفوسفور، لتخلق تركيبة قوية ومرنة في ذات الوقت، شبيهة بنسج الحرير مع المعدن. وتعد قساوة العظام مذهلة، إذ تقاس قوة ضغط العظم بأكثر من 170 ميغاباسكال، أي أقوى من معظم أنواع الخرسانة. هذه المكونات تمنح العظام قدرة على مقاومة الصدمات، وكأنها جسر متين ومرن يتمايل مع الرياح دون أن ينكسر. يعمل هذا التركيب الهندسي على توفير القوة اللازمة لحماية الجسم دون إثقاله، مما يُبرز جانباً من الحكمة الإلهية في التصميم البشري.

وأردف قائلا: إن العظام لا تعمل بمعزل عن باقي الأنسجة؛ بل تتعاون بشكل وثيق مع العضلات والمفاصل لتسهيل الحركة والتوازن. عبر المفاصل، ترتبط العظام ببعضها البعض، مما يسمح بحركة انسيابية ودقيقة. عند تقلص العضلات، تجرّ العظام المرتبطة بها فتنتج الحركة التي نؤديها. يمكن تخيل هذا النظام وكأنه سلسلة من البكرات والتروس المتناسقة، حيث تتحرك العظام باستجابة مباشرة لأوامر العضلات، مما يمكننا من التنقل والعمل بتوازن وانسيابية مذهلة، فضلا عن أن العظام كائنات حية تنمو وتتجدد باستمرار، وتتكيف لتكون أقوى حسب الحاجة، مثلما تتكيف الشجرة الصلبة لتقاوم الرياح العاتية. عند ممارسة التمارين الرياضية، تتعرض العظام لجهود إضافية تدفعها لتصبح أقوى وأكثر كثافة بمرور الوقت. هذا التكيف الطبيعي يشير إلى قدرة مبدعة جعلت من العظام أداةً متغيرة تتفاعل مع الظروف، وتعيد بناء نفسها عندما تُصاب، مما يعكس جانباً آخر من جوانب الإعجاز في خلق الإنسان.

 

ونو إلى أن حماية العظام للأعضاء الحيوية، بمثابة درع الله الحامي داخل أجسامنا، كون دور العظام ليس مقصوراً على الحركة والدعامة؛ بل تتجلى عظمتها في حماية الأعضاء الحيوية مثل الدماغ والقلب والرئتين. تشكل الجمجمة حماية للدماغ، في حين يحمي القفص الصدري القلب والرئتين كدرع محكم يقيهما من الصدمات. وفقاً لبعض التقديرات، يمكن للجمجمة امتصاص طاقة الصدمات التي تصل قوتها إلى 500 جول، وهذه الحماية الصامتة تمثل حارساً يقف على أهبة الاستعداد دائماً، يحفظ ما لا يمكن تعويضه، ويتيح لنا العيش بأمان وسلام.

بالإضافة لدورها الهيكلي، تمثل العظام أيضاً مخزناً حيوياً للمعادن الضرورية، مثل الكالسيوم والفوسفور، اللذان يعدان أساسيين لتغذية الخلايا وتنظيم العمليات الحيوية. تحتوي العظام على حوالي 99% من الكالسيوم في جسم الإنسان، وعند الحاجة، يطلقها من العظام بكميات دقيقة، كالبنك الذي يوزع موارده بعناية لمواكبة احتياجات زبائنه. هذا النظام يضمن بقاء مستويات المعادن متوازنة داخل الجسم، ويدل على عبقرية في التصميم تجعل من العظام بنكاً حيوياً يخدم صحة الإنسان بشكل يومي، مشسرا إلى أن الإنسان يمر بمراحل حياتية عديدة تتغير خلالها صحة العظام وقوتها. تبدأ العظام في الطفولة قوية، وتنمو حتى تصل ذروتها في الشباب. لكن مع التقدم في العمر، تبدأ الكثافة العظمية بالتناقص، حيث تشير الدراسات إلى أن النساء بعد سن 50 قد يفقدن ما يصل إلى 1% من كثافة العظام سنوياً، مما يعرض العظام للهشاشة والضعف. هذه التغيرات الطبيعية تشير إلى ضرورة العناية بالتغذية وممارسة الرياضة لتعزيز صحة العظام، خاصةً في المراحل المتقدمة من العمر.

 

وأوضح: أنه حين نتأمل في العظام، نجدها قوية رغم خفتها، كأنها صُقلت لتكون أنيقة ورشيقة كالريش وقوية كالصخر. يبلغ وزن الهيكل العظمي بأكمله حوالي 14% من وزن الجسم فقط، على الرغم من قوته الهائلة، هذا التوازن بين الصلابة والخفة يمنح الجسم القدرة على الحركة بحرية وسلاسة، ويعكس جمال التقدير الإلهي في تفاصيل الخلق. فالعظام مصممة لتتحمل ضغوط الحياة دون أن تثقل كاهلنا، مما يجعلها دلالة على عظمة الخالق، لافتا إلى أن الهيكل العظمي لا يمثل فقط تركيباً مادياً، بل هو معجزة حيّة تروي قصة الإبداع في كل عظمة ونسيج. كل حركة وكل حماية وكل تجدد يروي عن حكمة الله وقدرته على خلق نظام متكامل يوازن بين الصلابة والخفة، ليمكننا من العيش والعمل والتفكير.

 

 

تعليقات